قال محمد تاج الدين الحسيني٬ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط٬ إن التغيير الذي شهدته منطقة المغرب العربي سيؤدي "من دون شك" إلى تحريك قطار المغرب العربي وتحقيق الاندماج المغاربي الذي سيعطي للمنطقة دفعة جديدة ويمكنها من تحقيق تنمية مستدامة. وأضاف الحسيني٬ في تصريح أوردته وكالة الأنباء المغربية بمناسبة الذكرى 23 لتأسيس اتحاد المغرب العربي٬ أن الاحتفال بالذكرى هذه السنة يأتي في ظروف تختلف عن السنوات الماضية لأن هبوب رياح الربيع العربي أدى إلى انهيار نظامي كل من معمر القذافي بليبيا وزين العابدين بن علي بتونس، اللذين تشخصت فيهما "الديكتاتورية والتسلط والاستبداد"٬ معتبرا أن انهيار هذين النظامين أعطى لشعبي البلدين القدرة على التعبير عن رغبتهما القوية في تحريك عجلة المغرب العربي. وحسب الحسيني، فإن من شأن التحركات الدبلوماسية الأخيرة للمغرب والجزائر المتمثلة في تبادل الزيارات سواء بين وزيري خارجية البلدين أو وزيري الطاقة والمعادن أن تعطي صورة جديدة لتطبيع العلاقات بين البلدين٬ خاصة وأن طبيعة العلاقة بينها تعتبر قضية مركزية وأساسية لتفعيل اتحاد المغرب العربي. وأبرز أن الدورة 30 لاجتماع وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي الذي سينعقد غدا السبت بالرباط تشكل محطة مهمة لانطلاق اتحاد المغرب العربي، ومؤشرا لاختبار حسن النوايا المعبر عنها، ومعرفة إن كانت سترتبط بالأفعال سواء من خلال تفعيل اللجان أو اتخاذ مبادرات شجاعة بخصوص التبادل الحر والسير قدما نحو تأسيس السوق المغاربية المشتركة وفتح الحدود٬ مؤكدا في ختام حديثه، أنه يتعين "بلورة مواقف مؤيدة لتجنب النزاعات الثنائية خاصة النزاع حول الوحدة الترابية للمغرب" الذي يظل "من بين الأسباب الرئيسية لتجميد العلاقات المغربية الجزائرية". وإضافة إلى ما قاله الحسيني بخصوص أهمية الجانب الاقتصادي في العلاقات المغاربية، فإن بلدان المغرب العربي مجتمعة تتوفر على مؤهلات اقتصادية ضخمة تؤهلها عند اندماجها للحصول على وزن اقتصادي وسياسي في العلاقات الدولية٬ خاصة في سياق دولي يتسم بأزمة اقتصادية عالمية٬ وفي ظرفية إقليمية تتميز بتصاعد حدة المطالب الاجتماعية في ظل ربيع عربي قاد أنظمة إلى الانهيار. هذا الواقع الذي تنذر توقعات المؤسسات المالية الدولية بتفاقمه يفرض على دول هذه المنطقة تجاوز الخلافات الضيقة وتجسيد حلم شعوب المنطقة في تحقيق اندماج تبقى فرص نجاحه أكيدة خصوصا في ظل توفر مؤهلات بشرية وثروات طبيعية مهمة من شأنها أن تخلق الثروات وتحقق النمو بما يمكن من الاستجابة للمطالب الشعبية المتزايدة. وإذا كانت دول الاتحاد٬ الذي تخلد غدا الذكرى 23 للتوقيع على معاهدة التأسيس بمراكش٬ قد وقعت على العديد من الاتفاقيات في ما بينها فإنها لم تستطع تجسيد حلم الاندماج الاقتصادي في إطار منطقة للتبادل الحر تتوفر على سوق ب 90 مليون مستهلك. ونتيجة لغياب هذا التكامل الاقتصادي فإن المبادلات التجارية بين الدول المغاربية بلغت سنة 2010 أقل من 2 في المائة من مجموع مبادلاتها التجارية مع الخارج٬ وهو رقم هزيل مقارنة مع تتوفر عليه من مؤهلات (3 في المائة من الاحتياطي العالمي من النفط) و (4 في المائة من احتياطي الغاز الطبيعي) و (50 في المائة من احتياطي الفوسفاط). كما أن عدم تحقيق الاندماج المغاربي يؤثر بشكل كبير على اقتصاديات دول المنطقة حيث أفاد صندوق النقد الدولي أن هذه الدول تخسر جراء عدم التكامل من نقطة إلى نقطتين من معدل النمو وفي خسارة 200 ألف منصب شغل سنويا في وقت يصل فيه عدد العاطلين بالفضاء المغاربي ثلاثة ملايين عاطل. وكان صندوق النقد الدولي قد أكد ٬ أن تحقيق اندماج اقتصادي مغاربي في المدى المنظور يسمح لبلدان المنطقة مجتمعة من مضاعفة ناتجها الداخلي الخام إلى 720 مليار دولار في فترة قصيرة٬ كما ستقفز معدلات النمو المتوسطة في بلدان الاتحاد إلى 8 بالمائة سنويا بفضل توفر عاملين رئيسين هامين وهما الطاقة بأسعار تفضيلية جدا واحتياطات ضخمة من العملة الصعبة لدى كل من الجزائر وليبيا اللتان يبلغ إنتاجهما من النفط مجتمعتين 3.2 مليون برميل يوما واحتياطي ضخم من الغاز الطبيعي٬ فضلا عن وجود احتياطات تفوق 210 مليار دولار من النقد الأجنبي لدى البلدين٬ إضافة إلى وجود طلب داخلي مهم بعدد سكان يفوق 90 مليون نسمة يعيشون على مساحة تقدر ب 5.78 مليون كيلومتر مربع وهو ما يعادل 42 بالمائة من مساحة الوطن العربي. من جهة أخرى يشكل عدم فتح الحدود بين المغرب والجزائر أرضية خصبة لانتشار شبكات للتهريب بكل أنواعه٬ حيث أن دراسة أنجزت سنة 2004 أكدت أن اقتصاد البلدين يتضرر كثيرا من التجارة غير المنظمة التي يناهز رقم أعمالها السنوي 550 مليون دولار. وإلى جانب كل ما سلف، فقد ظل اعتماد أزيد من 37 اتفاقية معلقة بسبب عدم مصادقة مجلس رئاسة الاتحاد سوى على 6 منها فقط٬ ولم ترى الاتفاقيات الأكثر جدية النور على غرار السوق الزراعية الموحدة وتنقل الأفراد ببطاقة الهوية بين البلدان الأعضاء وإزالة الحواجز الجمركية وإنشاء بنك مركزي مغاربي وسوق مالية مغاربية موحدة. إن الظروف الاقتصادية والمالية التي يمر بها العالم والمتسمة بالهزات والأزمات المالية المتتالية تحتم على البلدان المغاربية مزيدا من تطوير العمل الجماعي المشترك وتكثيف التشاور من أجل إيجاد سياسات متناسقة ومتكاملة٬ ومواصلة المساعي لتحقيق الاندماج المغاربي لما يوفره من فرص إضافية لتحقيق الأهداف التنموية لكل بلدان المنطقة.