الرباط "مغارب كم ": محمد بوخزار بادر رئيس الوزرء الإسباني ماريانو راخوي، الاتصال يوم الثلاثاء،هاتفيا بالعاهل المغربي الملك محمد السادس، قبيل الإعلان عن الحكومة الجديدة التي يقودها لأول مرة في تاريخ المغرب حزب إسلامي معتدل. وسارع الديوان الملكي المغربي، إلى الإخبار في ذات اليوم بفحوى المحادثة الهاتفية التي جرت بين الملك، وراخوي، حيث تم التأكيد في بيان مغربي على ضرورة توثيق علاقات التعاون والشراكة بين البلدين الجارين. ورأى ملاحظون في الخطوة التي أقدم عليها رئيس وزراء إسبانيا، تغليبا منه لمصالح بلاده وتجاوز الأزمة الماضية التي باعدت منذ أشهر بين الحزب الشعبي والحكومة المغربية على خلفية ما اعتبرته الرباط موقفا غير ودي من طرف الحزب اليميني حيال القضايا التي تعتبرها حيوية ومقياسا لحسن علاقاته مع الآخرين وفي مقدمتها الموقف من استكمال الوحدة الترابية للمغرب. وبسبب ذلك خرجت مسيرة عارمة في الدارالبيضاء للتنديد بموقف الحزب الشعبي وتوجيه انتقاد بالاسم لزعيمه. إلى ذلك لم يتحدد موعد للزيارة التي يرغب "راخوي" في القيام بها إلى الرباط، لكنها لن تتأخر كثيرا برأي مراقبين إسبان، بل يتوقعون حدوثها أواخر الشهر الجاري أو في غضون الذي يليه لكنها لن تكون الأولى خارج التراب الإسباني، بالنظر إلى طبيعة الملفات التي سيبحثها رئيس وزراء إسبانيا مع محاورين جدد ؛ فيها ما هو تقليدي مثل محاربة الهجرة السرية والتنسيق الأمني ضد النشاط الإرهابي ومحاربة الاتجار الدولي في المخدرات. غير أن ما يشغل الإسبان بكيفية عاجلة، يتمثل في إيجاد حل سريع لمشكل الصيد البحري، على ضوء الأزمة التي تسبب فيها تصويت البرلمان الأوروبي ضد تجديد الاتفاق بين بروكسيلوالرباط. وفي هذا السياق، يعرف"راخوي" أن المغرب يملك ورقة يمكن أن يضغط بها على الجار الإسباني، ما قد يحمله على مراجعة موقفه من بعض القضايا الحيوية، بينها نزاع الصحراء الذي قد يوضع على طاولة المباحثات بوضوح أكثر من ذي قبل، خاصة وأن حزبا إسلاميا أصبح قائدا للحكومة والدبلوماسية في المغرب، وبالتالي فإن المغرب الجديد سياسيا سيتخلى عن خطاب الترضيات والمجاملة الدبلوماسية التي دأبت على إخفاء الأزمات في العلاقات الثنائية. ويسود الاعتقاد أن الرباط، ستساعد مدريد على التخفيف من حدة أزمتها الاقتصادية وذلك عبر إيجاد صيغة ما تمكن أسطول الصيد البحري الإسباني من استئناف نشاطه في الشواطئ المغربية بما فيها الصحراوية وهي التي كانت سببا في معارضة البرلمان الأوروبي تجديد الاتفاق. وطبقا لمنطق الأشياء والمصالح المتبادلة، سيبكون على مدريد تقديم المقابل والبديل لطمأنة المغاربة سواء فيما يتعلق بنزاع الصحراء أو تأييد مواقفه أثناء التفاوض مع الاتحاد الأوروبي. ولن تقدم إسبانيا على تنازلات كثيرة لصالح المغرب، إذ من المؤكد أن موقف حكومة اليمين لن يتغير بخصوص سبتة ومليلية، التي ستجعلها الدبلوماسية المغربية الجديدة على رأس أجندتها، لكن مدريد يمكن أن تتفهم المطالب المشروعة للمغرب بشأن الأقاليم الصحراوية وقد تتبع مدريد نفس السياسة التي نهجها الاشتراكيون قبلهم أي التحرك في اتجاه التسريع بحل للنزاع وفق التراضي بين الأطراف المؤثرة بضمانات دولية. وفي هذا الصدد تنبغي الإشارة إلى أن الحزب الشعبي وغريمه الاشتراكي، لم يبعثا مندوبين عنهما إلى المؤتمر العام الأخير لجبهة البوليساريو، حرصا على عدم إزعاج المغرب من جهة وأخذا بالمتغيرات الإقليمية الجارية التي تؤكد أن جبهة البوليساريو، فقدت بوصلتها أو أصبحت جامدة بدليل تأبيد أمينها العام محمد عبد العزيز في منصبه وهو الذي صعد تحت الرايات الحمراء المبشرة بحكم البروليتاريا الصحراوية والحرب الشعبية، وتحول الآن إلى مغازل ومتودد للحراك الشعبي والربيع الديمقراطي العربي، وكأن الناس لا يفكرون في مخيمات "تندوف". وسكتت جبهة البوليساريو عن ذلك الغياب مع أنها توددت كثيرا إلى الحزب الشعبي بعد فوزه في الانتخابات التشريعية الأخيرة بل حاولت اللعب على التناقضات بين الحزبين الرئيسيين في إسبانيا. ويمكن القول بأن الجانب الإسباني، لن يجد نفسه غريبا في الرباط، فما زال في مفاصل الدولة المغربية أطراف على دراية كافية بملف العلاقات مع مدريد سواء في الحكومة أو الديوان الملكي ففي هذا الأخير يوجد السفير السابق في مدريد عمر عزيمان وانضم إليه الطيب الفاسي الفهري وزير الخارجية السابق. وعلى الصعيد الأمني، يعرف الإسبان الجنرال حسني بنسليمان قائد الدرك الملكي، وأركان وزارة الداخلية المغربية الذين تعززوا بوصول، الشرقي اضريس، المسؤول السابق عن جهاز الأمن الوطني في المغرب. سيكون الحوار صعبا وصريحا من دون شك، بين المغاربة والإسبان، ما يفتح آفاقا لعلاقات صحية ومتكافئة ومتكاملة بين الطرفين، لكن على الجانب المغربي أن يحكم صياغة مطالبه ويقتنص اللحظة المناسبة للإقناع الآخرين بعدالتها.