قال الباحث في العلاقات المغربية الإسبانية، والإعلامي حسين مجدوبي، إن "الحكومة الإسبانية أبانت عن نضج تجاه جارها الجنوبي المغرب"، بعد "التعاطف غير المسبوق للرأي العام الإسباني مع البوليساريو" نتيجة "صحافة منحازة" و"الاستغلال السياسي للحزب الشعبي لأحداث العيون " هل يمكن أن يكون، برأيك، لمخلفات أحداث العيون تأثيرا على مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية؟ أحداث العيون تشكل نسبيا منعطفا في العلاقات المغربية-الإسبانية، فرغم أن حكومة مدريد برئاسة خوسي لويس رودريغيث سبتيرو تبنت موقفا معتدلا كباقي الدول الأوروبية ومجلس الأمن، إلا أن الحزب الشعبي المحافظ برئاسة ماريانو راخوي راهن على موقف متشدد في هذا الملف . وفي الوقت ذاته، فالرأي العام الإسباني أبدى تعاطفا لم يسبق له مثيلا مع البوليساريو. وفي المقابل، وكما كشفت جريدة " الموندو " يوم 27 نونبر، حالة العداء للمغاربة ارتفعت نوعا ما. في الجهة الأخرى، مشاعر مناهضة لما هو اسباني خاصة في الإعلام ومعظم الأحزاب المغربية، ومن ضمن تجلياتها تظاهرة الدارالبيضاء يوم الأحد 28 نونبر . ما الذي يمكن أن يفهم من وراء هذا التمايز بين الحزب الاشتراكي (الحزب الحاكم) والحزب الشعبي (المعارضة) في التعاطي مع أحداث العيون؟ يمكن تفسير ذلك بالبرغماتية السياسية، فحكومة مدريد تدرك ما جرى في مخيم العيون وتتوفر على المعطيات الكاملة، لهذا ارتأت الرهان على الاعتدال، كما أن سبتيرو صرح أن "حكومة مدريد تعطي الأولوية لمصالح اسبانيا التي تتلخص في الحفاظ على علاقات متميزة جدا مع المغرب، الشريك في ملفات متعددة". عمليا، هذه الأزمة أبانت عن نضج المؤسسة الحاكمة في اسبانيا تجاه جارها الجنوبي المغرب، وهذا في حد ذاته منعطفا حقيقيا . الحزب الشعبي المحافظ يهاجم الحزب الاشتراكي من باب المعارضة، وإضعاف الحكومة، إلا أنه في موضوع المغرب تجاوز كل الحدود خلال نهاية الموسم السياسي، وبداية الموسم السياسي الجاري، إذ جعل من المغرب إضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تمر منها اسبانيا ركيزته الأساسية لمهاجمة حكومة سبتيرو. فالحزب الشعبي تقدم خلال الشهور الأخيرة بأكثر من عشر مقترحات لإدانة المغرب في سبتة ومليلية المحتلتين والصحراء والهجرة، بل في جلسة لمجلس الشيوخ يوم 22 شتنبر الماضي أراد أن يصوت البرلمان على قرار يمنع المغرب من وصف سبتة ومليلية بالمدينتين المحتلتين، وهذا قمة السوريالية السياسية. وتاريخيا، الحزب الشعبي لم يكن يساند البوليساريو نهائيا إلا أنه في السنوات الأخيرة بدأ يتحول إلى أشبه بناطق باسمه في إسبانيا والمؤسسات الأوروبية، كما حدث في البرلمان الأوروبي الخميس الماضي . مورس ضغط إعلامي رهيب على الحكومة الإسبانية لانتزاع موقف منها يكون لصالح البوليساريو إلا أنها قاومته رغم خطورة الوضع في تأليب الشارع ضدها.هل يمكن القول إن حكومة ثاباطيرو انتصرت في هذه المعركة؟ صراحة حكومة سبتيرو لم تنتصر في هذه المعركة، لأن الرأي العام الإسباني له تعاطف مع البوليساريو، وهو تعاطف لا مشروط. سبتيرو الذي كان قد أعلن في أبريل 2004 أنه سيستمع وسيحترم آراء الرأي العام الإسباني في القضايا الدولية، وارتكز على هذا المبدأ لسحب الجنود الإسبان من العراق الذي كان قد أرسلهم سلفه خوسي ماريا أثنار، لم يخضع هذه المرة للضغط الهائل الذي يتعرض له من طرف الشارع الإسباني والحزب الشعبي وباقي القوى السياسية والإعلام في أزمة مخيم العيون للانحياز للبوليساريو . شخصيا، أعتقد أن سبتيرو خسر الكثير أمام الرأي العام الإسباني إلا أن نضجه السياسي يساهم في إرساء تفاهم حقيقي بين المغرب وإسبانيا، وهو الربح الحقيقي على المدى المتوسط والبعيد . هل يعني هذا أن المغرب في صالحه حكومة اشتراكية بمدريد؟ استعراض العلاقات الثنائية بين الرباطومدريد منذ الانتقال الديمقراطي في إسبانيا سنة 1975 يبرز أن مراحل التوتر كانت عالية خلال حكومات اليمين، الأولى حكومة أدولفو سواريث (1976-1981)، والثانية حكومة كالفو سوتيلو (1981-1982) والثالثة حكومة خوسي ماريا أثنار (1996-2004) في حين كانت هادئة إبان الحكومة الاشتراكية الأولى برئاسة فيلبي غونثالث (1982-1996) والثانية بزعامة سبتيرو منذ 2004 حتى وقتنا الراهن . ورغم أن ممارسة السلطة والحكم خاصة في الدول الديمقراطية الغربية تجعل المسؤول الحكومي برغماتيا، لأنه مطالب بمنح الأولوية لمصالح البلاد والشعب ويترك جانبا العواطف إلا أنه في حالة اليمين الإسباني هذا لا يحدث دائما. وبالتالي، الواقع السياسي يؤكد أن حكومة اشتراكية في اسبانيا هي أحسن بالنسبة للمغرب . اجتازت العلاقات بين الرباطومدريد في عهد الحكومة الاشتراكية امتحانات صعبة، وتم تخطيها بتبصر من الطرفين، لكن لماذا تماطلت الرباط في تعيين سفير لها بشكل رسمي حتى الجمعة الماضية، لاسيما وأن التمثيلية الدبلوماسية مفتاح من ذهب يسهل معالجة العديد من القضايا المشتركة بين البلدين؟ من الأخطاء التي يرتكبها المغرب هو فراغ كرسي السفارة، لا أدري الأسباب التي جعلت المغرب لا يسرع بتعيين السفير، وترك المنصب شاغرا لمدة قرابة 11 شهرا، كل ما يمكن قوله أن هذا الفراغ الدبلوماسي لا يخدم مصالح المغرب نهائيا. خلال العقد الجاري الفترات التي بقي فيها كرسي السفارة فارغا تجاوزت السنتين إما عبر سحب السفير كما جرى مع عبد السلام بركة وعمر عزيمان أو التأخير في التعيين كما جرى مع أحمد ولد سويلم . في حوار مع إيلاف، أبرز الصحافي الإسباني من جريدة الباييس إغناسيو سيمبريرو افتقاد إسبانيا لسفير من طينة عمر عزيمان.ما الذي يريد قوله بهذا الكلام ؟ سيمبريرو ربما يعكس الرأي السائد لدى دبلوماسية مدريد ومردها أن اسبانيا تفضل سفيرا دبلوماسيا وليس سفيرا سياسيا. فالصحافة الإسبانية نشرت أن مدريد تتخوف أن يخصص السفير الجديد ولد سويلم مجهوده للدفاع عن موقف المغرب في ملف الصحراء على حساب تطوير العلاقات الثنائية، لاسيما وأن ولد سويلم كان يعتبر حتى الأمس القريب من العناصر القيادية للبوليساريو قبل عودته للمغرب واقتناعه بمقترح الحكم الذاتي . هناك قراءات تفيد أن الخلافات المغربية الإسبانية أصبحت تعالج على مستوى عال في الدولة بتدخل من قصري البلدين؟ ما تعليقك ؟ هي ليست قراءات بل واقعا حقيقيا. فرئيس الحكومة سبتيرو كشف في خطاب تنصيبه في أبريل 2004 ثم في 2008 أن الملك خوان كارلوس سيتولى دورا رئيسيا في العلاقات الخارجية وخاصة مع المغرب، علما أن الملكية في اسبانيا تسود ولا تحكم وتخضع لتوجيهات الحكومة. وتدخل الملك خوان كارلوس لدى نظيره المغربي محمد السادس في أكثر من مناسبة آخرها أزمة معبر مليلية المحتلة الصيف الماضي. عندما يقرأ لكتاب رأي إسبان على "أن المغرب يهدد بتوظيف الإرهاب والمخدرات و الهجرة إذا ما عبرت مدريد عن موقف يضر بمصالح الرباط"، أعتقد أنه شبيه بخطاب لبعض صحف بلد جار يسوقه على طريقته لسنوات. كيف تفسر هذا التقارب في تصريف وجهات النظر حول المغرب بين الصحافة الجزائرية و نظيرتها الإسبانية؟ هذه الأطروحة سائدة لدى جزء من المفكرين والصحفيين والسياسيين الأسبان ليست وليدة اليوم بل تعود للماضي البعيد. فتاريخيا، كان الأسبان يعتبرون المغرب العدو وكانوا يطالبون بالسيطرة عليه كما كتب رئيس الحكومة، أنتونيو كانوفاس ديل كاستيو في الستينات من القرن التاسع عشر في كتابه "تاريخ المغرب"،يقول فيه " الحدود الطبيعية لإسبانيا توجد في الأطلس، ويجب توسيع حدود اسبانيا الى هناك لتكون مطمئنة " . عقدة الجار من أعراف السياسة الدولية، فإسبانيا كانت تتخوف من هيمنة فرنسا عليها، وهناك أصوات في البرتغال تعتبر إسبانيا عدو رئيسي وهذه الأخيرة ترى في المغرب الأمر نفسه. عموما، مثل هذه الأفكار تلحق ضررا كبيرا بالعلاقات الثنائية بين مدريدوالرباط لأنها تكشف أن جزءا من الرأي العام الإسباني والمثقفين دائما يقفون ضد تقارب حقيقي مع المغرب . وضعت أحداث العيون المغرب أمام آلة إعلامية إسبانية جهنمية سوقت لمغالطات خطيرة. وأنت في مقال لك تقر على أن "الصحافة الإسبانية انحازت للبوليساريو". فما الذي يجعل هذه الصحافة تخرق أخلاقيات المهنة لتميل لطرف على حساب طرف آخر؟ يجب التفريق بين حالتين، الأولى وهي حالة متعمدة، وتتعلق بأطراف إسبانية ترى في إضعاف المغرب عمل لصالح إسبانيا، وتستغل نزاع الصحراء وترغب في دولة مستقلة في الصحراء لتحرم المغرب من امتداد استراتيجي . والحالة الثانية هي لأغلبية الرأي العام الإسباني الذي نشأ مع أطروحة التضامن مع البوليساريو، ومما يساعد على التغليط هو غياب أي إستراتيجية حقيقية من طرف الرباط للدفاع عن قضاياها في بلد مهم للمغرب مثل إسبانيا . الملفت للانتباه أن حماس هذه الصحافة انعدم في تغطية قضية ولد سلمى، ولم تقم بأي متابعة عندما تتحدث تقارير دولية عن الوضعية المأساوية التي يعيشها الصحراويون في مخيمات تندوف. فهل تعتقد أنها لا تزال تحافظ على مصداقيتها أمام الرأي العام الإسباني بعد أحداث العيون والتغليط الذي مارسته؟ الصحافة الإسبانية متعاطفة بشكل كبير مع البوليساريو، والتعاطف ينتج عنه الانحياز الإعلامي، وينتج عن الانحياز الإعلامي غياب أخلاقيات المهنة. وبالتالي، لا يفاجئنا مثل هذا التصرف من الإعلام الإسباني ، لكن هذا الإعلام لم يفقد مصداقيته لدى الأسبان بعد أحداث العيون لأن الجزء الكبير من الأسبان يعتقد في رواية البوليساريو والصحافة الإسبانية . كيف تقرأ من زاوية رجل إعلام ومختص في العلاقات المغربية الإسبانية أداء الإعلام المغربي حول هذه الأحداث؟ حاول الإعلام المغربي تقديم الرواية الحقيقية للأحداث، وعمليا نجح في ذلك لكن الإعلام المغربي يشتكي من قلة المعلومات. فمع الأسف الشديد المسؤولون المغاربة لا يوفرون الكثير من المعلومات للصحافيين، ونجد أن أغلب الأخبار حول الصحراء تأتي من مصادر إسبانية، وهذا من الناحية الإعلامية غير مقبول . تعددت الأزمات و تنوعت أسبابها بين الرباط و مدريد:2002 أزمة جزيرة ليلى2004 التفجيرات الإرهابية بمدريد 2007 زيارة خوان كارلوس لسبتة و مليلية، وأخيرا أحداث العيون، علاوة على الوقفات التي تنظم من جين لآخر عند معبري مليلية و سبتة بسبب استفزازات أو اعتداءات الحرس الإسباني على مواطنين مغاربة.هل هي مجرد حوادث معزولة أم أعراض لعلاقات عليلة تحتاج إلى معالجة في العمق؟ هذه الأحداث ليست عرضية بل من ثوابت العلاقات المغربية- الإسبانية التي تعيش في أزمات متسلسلة منذ مدة طويلة. إذا استعرضنا تاريخ العلاقات بين البلدين منذ أواسط القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا، لم نجد ولو سنة واحدة دون حدوث توتر كبير. فالعلاقات الثنائية تحتاج لمراجعة جذرية، لكن البلدان غير مستعدان، وعليه، فلننتظر مزيدا من المشاكل، لاسيما وأن الحزب الشعبي الذي تظاهر ضده قرابة ثلاثة ملايين من المغاربة في مدينة الدارالبيضاء الأحد الماضي قد يصل السنة المقبلة للحكم . * موقع " إيلاف " الإلكتروني