لم يصدر إلى حدود اليوم تصريحات اسبانية رسمية بشأن طبيعة العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وهو ما يبقي الداخل المغربي الرسمي في حالة ترقب كبير، لأن الكثير من سلوك الدبلوماسية المغربية ولا سيما الخارجية يبنى على ضوء طبيعة التعاطي الاسباني مع الشأن المغربي، ذلك أن الحزب الشعبي الفائز في الانتخابات كان قد جعل القضية الصحراوية جزءا من برنامجه الانتخابي. وينتظر أن تنكشف خلال الأيام القليلة المقبلة طبيعة العمل الدبلوماسي للحزب الشعبي تجاه المملكة المغربية وسط تساؤلات حول ما إذا كان "ماريانو راخوي" سيعيد زميله في الحزب الشعبي "خوسي ماريا أثنار" إذ تميزت فترة حكمه بعلاقات دبلوماسية متشنجة مع المملكة المغربية، مما كلف الحزب الشعبي الخروج من الحكومة الاسبانية لصالح الحزب الاشتراكي. وتتوجس الرباط خيفة من أن يعيد "راخوي" سياسة استعداء المملكة المغربية كما فعل زميله في الحزب الشعبي "أثنار" سابقا، حيث سادت الأزمات السياسية والترابية كأزمة جزيرة ليلى، وقيام الحزب الشعبي بتبني مواقف معادية للوحدة الترابية للمملكة المغربية، ولاسيما قضية الصحراء وقضية المدينتين السليبتين سبتة ومليلية. وكان نتاج عملية الشذب والجذب التي طبعت علاقات الرباط ومدريد أيام حكومة الشعبي "خوصي ماريا أثنار" قد كلفت الجانبين ضياع الكثير من فرص التنميةّ، وهو ما لا يمكن السماح تكراره اليوم مع اليميني "ماريانو راخوي"، نظرا للظروف الاقتصادية الحرجة التي تمر منها اسبانيا اليوم حاليا. وإذا كانت كل التكهنات تتوقع أن لا ينتهج الحزب الشعبي تجربة فترة حكم "أثنار" تجاه الجار المغربي. وذلك حتى يتأتى للحكومة الاسبانية استيعاب حجم التحديات الاقتصادية والاجتماعية عبر مزيد من تجويد العلاقات بين البلدين، فضلا عن ذلك فإن إسبانيا تربطها العديد من الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة الاشتراكية مع الحكومة المغربية، من قبيل اتفاقيات الصيد البحري فضلا عن وجود مقاولات إسبانية كثيرة تستثمر بالمغرب، كلها مؤشرات تفيد أن لا مفر للطرفين من تعزيز علاقات التعاون بينهما لتجاوز تحدياتهما الاقتصادية والاجتماعية... إن رهانات الشعب الاسباني على الحزب الشعبي كبيرة جدا لحل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية، وهي مطالب شعبية مستعجلة وملحة، ليس بمقدور حكومة "راخوي" أن تحل أزمات اجتماعية واقتصادية عميقة، ما لم تتعاط براغماتيا مع المملكة المغربية. وحيث إن العديد من المشاكل الاسبانية يتم تصريفها بالمغرب، باعتبارهما مجالات حيوية لبعضهما البعض، وهو ما يستدعي إقامة علاقات اقتصادية ناجحة بدل الدخول في صراعات سياسية غير مجدية، كالميل إلى تبني مواقف استفزازية بخصوص قضية الصحراء وسبتة ومليلية وجزيرة ليلى. وفي هذا السياق بعث الملك محمد السادس برقية تهنئة إلى السيد "ماريانو راخوي" بمناسبة تحقيق حزبه، الحزب الشعبي، الأغلبية في الانتخابات التشريعية التي جرت بإسبانيا، تضمنت البرقية الكثير من الإشارات التي يجب العمل عليها لما فيه خير البلدين، حيث أشارت إلى حرص المملكة على العمل مع اسبانيا لتعزيز أواصر الصداقة العريقة بين المملكتين وإعطاء دفعة قوية لعلاقات التعاون المثمر، والتضامن الفعال، وحسن الجوار القائمة بين البلدين، سواء في إطار شراكتهما الاستراتيجية المتميزة، أو على مستوى الوضع المتقدم الذي يجمع المغرب بالاتحاد الأوروبي. وفي المقابل أكد الحزب الشعبي الاسباني حرصه على إقامة علاقات متميزة مع المملكة المغربية وتطوير العلاقات الجيدة بين اسبانيا والمغرب. *محلل سياسي متخصص بقضية الصحراء والشأن المغاربي [email protected]