بات المغرب كغيره من البلدان العربية، مقصدا للعديد من الطلاب والشباب الأمريكيين. يأتون إليه أفرادا وأفواجا على امتداد الأيام والأعوام. :ويتشكل الشباب الأمريكي الوافد على المغرب من ثلاث فئات *الفئة الأولى من المتطوعين الذين ينخرطون في بعض أوراش التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. *الفئة الثانية من الطلبة الذين يستكملون دراساتهم وأبحاثهم الجامعية، ويتعلمون اللغة العربية أساسا. *الفئة الثالثة وهي فئة الشباب الأمريكي المغامر الذي يزور البلد سعيا وراء السياحة اعتمادا على امكانياته الذاتية. مناسبة الحديث عن هذا الموضوع، هو استقبال الرباط لفوج جديد يضم 40 متطوعا من هيئة السلام الأمريكية تم تعيينهم للعمل جنبا إلى جنب مع نظرائهم المغاربة خلال سنتين في مجال التنمية بعدد من مناطق المغرب. وذكر بيان لسفارة الولاياتالمتحدة بالمغرب، أن هذا الفوج الذي أدى اليمين أمس الخميس، خلال حفل حضره وزير الشباب والرياضة السيد منصف بلخياط، والسفير الأمريكي بالمملكة السيد صامويل كابلان، ومديرة مكتب متطوعي الهيئة بالمغرب السيدة بيغي ماكلير، سيعمل بدور الشباب أو مراكز للشباب في وجدة(شرق البلد) وطاطا (جنوب)، ومناطق أخرى من المغرب، حيث سيلتحق أفراده ب180 متطوعا يعملون حاليا بالمغرب. وحسب المصدر ذاته، فإن الشباب المتطوعين الأمريكيين سيعملون على تعليم اللغة الإنجليزية للمغاربة، وتنظيم أنشطة تتركز حول قضايا مجتمعية،وتنمية المهارات والريادة لدى الشباب المغربي بما في ذلك العمل الجماعي والتعاون والتشارك والتقدير الذاتي. وأوضح البيان أن أفراد هذا الفوج أنهوا تسعة أسابيع من التدريب المكثف يخص تعلم اللهجة المغربية ومهارات حول التواصل فيما بين الثقافات، خلال مقامهم عند بعض العائلات المغربية بمدينة فاس. كما استفاد متطوعو هيئة السلام، يضيف البيان، من برامج تدريبية تهم بعض القطاعات التقنية، إذ سيعمل المتطوعون الأمريكيون الجدد عبر مختلف مناطق البلاد في مجالات تهم أساسا الشباب المغربي. وخلص البيان في الختام إلى أن هيئة السلام الأمريكية تأسست سنة 1961 تحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي، بهدف تعزيز السلم العالمي، وإرساء أواصر الصداقة بين الشعوب. والمؤسسات التي يقصدها الشبان الأمريكيون، الطلبة او المتطوعون، فور أن تطأ أقدامهم المغرب، قبل أن يتوزعوا في مختلف انحائه هي:" هيئة السلام الأمريكي"،أو" اللجنة المغربية الأمريكية للتبادل الثقافي والتربوي"،أو" مركز تواصل الثقافات"، وكلها تتمركز في الرباط العاصمة. شباب أمريكيون في الأوراش: ولنبدأ اولا ب" هيئة السلام الأمريكي" في الرباط، وفي الأصل كان إسمها "كتائب السلام"، ثم تحولت إلى "هيئة السلام" نظراً لما تطرحه كلمة "الكتائب" من التباسات في الذهن. ومنذ انطلاق التجربة عام 1963 إلى اليوم، وحسب الإحصائيات الرسمية، عمل أزيد من 4 آلاف و400 متطوعا أمريكيا بالمملكة في عدد من المواقع والقطاعات والأوراش الاقتصادية والاجتماعية، وتبدأ من غرس الشجر في العالم القروي، إلى مختلف مجالات التكنولوجيا المختبرية والتنمية الحضرية، والهندسة المعمارية، والتدبير المنزلي والتنمية التجارية، وتعليم اللغة الإنجليزية، وتربية النحل، والتربية الصحية. ولا يتلقى هؤلاء الشباب الأمريكيون، في الغالب، أي راتب،ماعدا مايتعلق بتمويل تغذيتهم وتنقلاتهم، "لأنهم، وكما تدل على ذلك تسميتهم، متطوعون، فالخدمة التي يقومون بها، ليست مفروضة وليست بديلا لأي التزام دراسي أو جامعي، أو لأي التزام آخر..." إنهم يأتون تباعا إلى المغرب، ويتلقون تكوينا لغويا مكثفا بمجرد وصولهم، لا يشمل العربية الفصحى فقط، بل حتى اللهجات المحلية، مثل الأمازيغية وغيرها، حسب مصدر من داخل الهيئة. وللتمكن من ناصية اللغة والاطلاع على العادات والتقاليد، يقيم الشباب الأمريكي عند عائلات مغربية مضيفة في العالم القروي بالخصوص. وتحت إشراف خبراء مغاربة ينتمون إلى الوزارة المغربية الوصية على قطاع الشباب، يعمل متطوعو "هيئة السلام الأمريكي" بالمغرب ضمن العديد من البرامج، في دور الشباب والأندية النسوية، بهدف "تزويد الشباب وأفراد المجتمع البالغين بوعي تشاركي وفرص تعليمية تنمي قدراتهم، وتلبي حاجياتهم لتحسين ظروف عيشهم". ورغم أن المدة الزمنية المحددة سلفاً لكل فوج لاتتعدى عامين، فإن بعض الشباب الأمريكي يستطيب المقام في المغرب، وهناك من يرتبط بعلاقات عاطفية تتوج بالزواج، ويصير جزءاً من المجتمع، ولا توجد حتى الآن إحصائيات رسمية بالنسبة لحالة الزيجات. أبحاث حول الحياة المغربية: تعتبر "اللجنة المغربية – الأمريكية للتبادل التربوي والثقافي" فضاء من فضاءات دعم التعاون الثقافي بين البلدين، عن طريق منح الطلبة من الجانبين، فرصا لاستكمال دراساتهم داخل المغرب، بالنسبة لشباب أمريكا، وفي الولاياتالمتحدة، بالنسبة لشباب المغرب، ويرأس اللجنة وزير خارجية المغرب، وسفير الولاياتالمتحدة، رئاسة شرفية. والملاحظ أن الشباب الأمريكي الوافد على اللجنة كلهم شباب، وتتراوح أعمارهم، ما بين 21 و27 سنة، وهم خريجو كليات والجامعات في بلادهم، وحاصلون على الإجازة. والدافع الاساسي لتعلمهم اللغة العربية هو ضمان الحصول على منصب في إحدى الدوائر الرسمية بالولاياتالمتحدةالأمريكية، كما يصرح بذلك أحدهم. وغالبا مايجرون أبحاثا حول مظاهر الحياة المغربية. ونشرت يومية " اخبار اليوم" المغربية خبرا صغيرا في عددها ليوم الجمعة مفاده أن وتيرة هجرة الشباب الأمريكي إلى المغرب من اجل متابعة دراساتهم العليا في تزايد ملحوظ، موازاة مع إقبال عدد من الجامعات الأمريكية على إحداث فروع لها، مشيرة إلى أن هذا الإقبال مرده انخفاض التكلفة بشكل كبير، مقارنة مع ماتتطلبه الجامعات الأمريكية. وقد ذكر مصدر من السفارة الأمريكية لنفس الصحيفة، أن حوالي 3000 طالب أمريكي يتوافدون سنويا على المغرب لهذا الغرض. أفق مهني للاندمادج: وسط الأزقة الملتوية في المدينة القديمة في الرباط، أنشيء منذ سنوات، "مركز تواصل الثقافات"، وهو مؤسسة حرة، ومهمتها: تنظيم أنشطة ثقافية وتعليمية وسياحية تشمل دروسا في اللغة العربية الفصحى والدارجة المغربية، ومحاضرات حول المجتمع المغربي والثقافي العربية والإسلامية، بالإضافة إلى عروض فنية وزيارات ورحلات ثقافية عبر المغرب. واستقطب مركز "تواصل الثقافات" العديد من الطلبة الأمريكيين الذين ينتمون لأكبر الجامعات الأمريكية، مثل هار فارد، وبرنستون، ونيويورك، وبوركلي، وبراون، حيث يتلقون عبر المحاضرات والندوات، مختلف الجوانب الثقافية والتاريخية والحضارية والاجتماعية للمغرب. ويعتز أحد الخريجين بأنه اكتسب لغة جديدة هي العربية قائلا: "أنا واثق من أنها سوف تفتح أمامي أفقاً مهنيا للاندماج في إحدى الوظائف، حال عودتي إلى أمريكا" حسب تعبيره، قبل أن يضيف : "لقد أصبحت اللغة العربية مطلوبة في بلدي بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر." شباب أمريكان سياح من نوع خاص: ثمة فئة أخرى من الشباب الأمريكي الوافد على المغرب لا تشمله الإحصائيات،باعتراف مصدر رسمي في السفارة الأمريكية في الرباط، وهي الفئة التي يطلق على أعضائها لقب "الرحالة الجدد"، وهم سياح أمريكيون، شباب في عمر الزهور، يقصدون المغرب حباً في المغامرة، وسعياً وراء اكتشاف بلد لا يعرفون عنه الكثير، بعد ان يكونوا قد اكتسبوا بعض الصدقات والعلاقات،مع أبنائه،عبر شبكة الأنترنيت، تسهل مهمتهم أثناء زيارتهم له. وموارد الغالبية منهم محدودة، ويسافرون على طريقة "الأطوستوب"، ويقيمون في أرخص الفنادق وفي مآوي الشباب، أو ينزلون ضيوفا عند عائلات مغربية في أقاصي البلاد، يأكلون معها في صحن مشترك، ويلبسون مثل أفرادها، بل ويساهمون تطوعاً في بعض الأشغال المنزلية كالتنظيف، وجلب الماء من البئر، والحطب من الغابة بغرض التدفئة.وكلهم يتفادون البقاء في المدن الكبرى مثل الرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش التي تشكل بالنسبة لهم مجرد محطات في طريق السفر إلى أماكن محددة بعينها، غالبا ما تكون قرية أو مدشرا صغيراً، بعيدا عن زحام المدن والعمران. هناك يتصرفون بكل حرية، ويكونون محل ترحيب من طرف الجميع. وتبقى أجمل الذكريات الراسخة في ذهن إحدىالشابات الأمريكيات، هي حضورها بمحض الصدفة، في عرس مغربي تقليدي، مفعم بالعفوية والتلقائية والكرم. تتذكر بفرح، والحناء مازالت منقوشة في يديها : "ما أثارني هو أن أصحاب العرس، البسوني فستاناً مزركش اللون، وسط جو من الزغاريد، كأنني أنا هي العروس...!"