مجلس الحكومة يعفي استيراد الأبقار والأغنام من الضرائب والرسوم الجمركية    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان        إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله        ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جلّود: لوكربي رد على الغارة الأميركية والكيخيا دفع ثمن تصريحه...أعطاني القذافي موعداً في غابة وجاء حاملاً سبعة كتب عن الثورات(5)
نشر في مغارب كم يوم 02 - 11 - 2011

عدتُ متأخراً إلى الفندق. سألني موظف الاستقبال إن كنتُ أمضيتُ سهرة سعيدة. والسؤال مشروع في روما. حين ينزل الليل تبوح هذه المدينة بأسرارها. يبرق فيها العيش. والذوق الفاتن. لكن السؤال حرّك مواجعي. وخجلت أن أجيب السائل بأنني استنزفت السهرة والطقس الجميل سائلاً عن معمر القذافي وارتكاباته وضحاياه.
قلت ادفع الكرة إلى ملعب الموظف الذي يحاول مغالبة الضجر بافتعال حوار. سألته إن كان مرتاحاً. سارع إلى التعبير عن ألمه من مرارة العيش في ظل رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني. قال إن الفساد لا يطاق. والقضاء لا يقوم بواجبه كاملاً. وإن العجوز المتصابي يمسك بمفاتيح الثروة والسلطة والإعلام وأن مغامراته الجنسية معلّقة على الصفحات الأولى للصحف. هذا لا يطاق.
كدت أنفجر ضاحكاً من فرط الألم. الرجل منزعج من الإقامة في ظل برلسكوني المنتخب والذي تراقبه المؤسسات وتحاسبه. ماذا نقول نحن؟ كدت أسأله إن كان برلسكوني فجّر طائرة مدنية فوق لوكربي أو سمّى المعارضين «الكلاب الضالة» وأمر بتصفيتهم أو علّق جثث المتآمرين قبالة مقره ليتعظ العابرون؟ ومن أي فساد يشكو الإيطالي المتبرّم؟ لقد بدّد القذافي على مدار أربعة عقود ثروة مذهلة ومن دون أن يوقّع ورقة. وقلت في نفسي: أنت تشكو من برلسكوني، فهل قصف مدينة إيطالية بالغازات السامة على غرار ما فعل صدام حسين بحلبجة؟ غداً يذهب برلسكوني ويأتي رجل آخر. لا حاجة لحرب أهلية أو طائرات ال «ناتو» ولا إلى ربيع «الشعب يريد إسقاط النظام». ثم ليت «القائد التاريخي» عندنا يكتفي بمطاردة الجميلات بدل أن يشغل وقته بنزع الأظافر وسمل العيون وإنتاج الأرامل والأيتام.
أدركتُ سريعاً أنني أنتمي الى عالم آخر. عالم بعيد وسحيق. وأن بيننا هوة تقيم فيها الثورة الفرنسية والثورة الصناعية مع الفلسفة الألمانية وفولتير وصولاً الى بيل غيتس وستيف جوبز.
خرجت من الحوار مع عبدالسلام جلّود بالمشاعر نفسها التي كنتُ أخرج بها بعد الحوارات مع معارضي صدام وبعض رفاقه. أخرج مثقلاً بالجثث مذعوراً من الماضي وخائفاً من المستقبل. لا يرحل المستبد قبل أن يترك في جسد بلاده قروحاً تحتاج عقوداً من العلاج. نصحت الموظف الإيطالي بالصبر. حسدته على معاناته المخملية. واستأذنت بالانصراف.
بعد اندلاع الثورة في ليبيا حاولتُ إشراك قراء «الحياة» في المناخ الذي ساد في هذا البلد في عهد «ثورة الفاتح من سبتمبر» وأسلوب «القائد» في الحكم. في هذا السياق جاء الحوار مع عبدالمنعم الهوني عضو «مجلس قيادة الثورة» ومع عبدالرحمن شلقم وزير الخارجية السابق ومع عبدالسلام جلّود الذي كان «الرجل الثاني» أو «الرجل الأول مكرر» وتولى رئاسة الوزراء بين 1972 و1977.
سألت جلّود عما اذا كانت هناء ابنة القذافي بالتبني قُتلت فعلاً في الغارة الأميركية على باب العزيزية في 1986، فردّ قائلاً: «لا، القذافي أعلن ذلك لاستدرار العطف. أنا كنتُ أعرف منذ اللحظة الأولى أن العملية دعائية. وفي السنوات الماضية رآها كثيرون تعمل طبيبة في طرابلس. ثم ان القذافي لم يكن لدى حصول الغارة في منزله العادي بل في منزل مجاور يتضمن ملجأ تحت الأرض». يعود جلّود إلى بدايات علاقته بالقذافي وهنا نص الحلقة الخامسة والأخيرة:
متى التقيت القذافي للمرة الاولى؟
- التقيته في السجن سنة 1959. كنت في سبها. كان في مدرسة داخلية وأنا في مدرسة عادية. لم اكن أعرفه لكن كان معي زملاء بدأت الدراسة معهم في براك الشاطئ (هي منطقة في فزّان شمال سبها تبعد عنها حوالى 60 كيلومتراً) سنة 1952 حين دخلت الصف الابتدائي الأول يعرفونه. انا من مواليد 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 1946. وكان بينهم محمد الزاوي أمين المؤتمر الشعبي العام، وعبدالرحمن الصويد، والمرحوم الهادي الفضل، وعبدالكبير الشريف وهو ضابط من ضباط الحرس، اذ بدأنا جميعاً الدراسة سوياً. في براك لا يوجد مدرسة إعدادية فأتوا بهم الى قسم داخلي فالتقوا معمر في تلك الفترة وتعرفوا عليه وقامت صداقة بينهم فكانوا أصدقاء مشتركين. واتفقوا على أساس أن نقوم بتظاهرة ضد الملكية يكون الطلبة أساسَها ونحاول جرّ (إشراك) المواطنين فاتصلوا بي وكان ذلك سنة 1959، على أن يشارك طلبة من مدرستي وطلبة من مدرستهم وقامت تظاهرتنا لكن التظاهرة التي نظمها طلاب مدرسة القذافي فشلت.
كنت في السجن بسبب دوري في التظاهرة حين أُدخل القذافي، ولم اكن اعرفه. قال لي: انا سمعت عنك. وبسبب نقص البطانيات اقترح ان نتقاسم بطانية واحدة وهذا ما حصل. بعد خروجي من السجن وخروجه بفترة ارسل لي محمد الزاوي يقول انه يريد ان يراني على انفراد. التقينا في غابة نخيل اسمها حجارة تبعد نحو سبعة كيلومترات الى الشمال من سبها. جاء حاملا سبعة كتب على ما اذكر. كتاب عن الثورة الفرنسية وآخر عن الثورة الصينية وثالث عن الثورة الكوبية وكتب لساطع الحصري وكتاب لانور السادات عن جمال عبد الناصر عنوانه «هذا ابنك يا جمال». طلب مني قراءة الكتب لنناقشها لاحقاً.
في تلك الفترة اتفقنا على انشاء حركة مدنية اسمها «حركة الوحدويين الاحرار»، وقلنا نذهب إلى الجامعات وننظم تظاهرات واعتصامات لنشجع الجماهير على إسقاط النظام.
لاحقاً بدأ القذافي يغير رأيه. قال ان الحل يتم عبر القوات المسلحة فالبلد فيه قواعد اجنبية ولن تجدي التظاهرات وحدها. وإذا انتظرنا كل سنة لإدخال اثنين أو ثلاثة من حركتنا الى القوات المسلحة، سنحتاج اربعين سنة للقيام بالثورة. لا بد أن نمضي سريعاً. الحل أن تمضي معي ونتعاون لتجنيد أكبر عدد من الضباط الفاشيين، ونستغلهم في الثورة، ثم نتخلص منهم. وقتها رفضت. قررت اتمام دراستي الإعدادية في طرابلس العام 1960- 1961 لأن أخي كان هناك.
بعدها طردوه من ولاية سبها. جاء إلى مصراتة وساعده بعض شباب مصراتة، والتحق بمدرسة داخلية. كان يأتي كل خميس من مصراتة إلى بيتنا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع معنا.
في يوم اربعاء من أيام العام 1963، وجدته واقفاً على رأسي في مقهى اسمه الخضرا كنت أرتاده، ليسألني: هل أعددت أوراقك للكلية؟ قلت له أنا لا أريد أن أصبح عسكرياً، فشدني إلى الإدارة العامة للمباحث في منطقة سيدي عيسى لاستخراج شهادة حسن السير والسلوك، وأقنع الضابط المسؤول وقتها واسمه العقيد خالد غريبة، بمنحي الشهادة، رغم انه كان يفترض أن أحصل عليها من منطقة سكني. كان غريباً جداً.
مشينا إلى مقهى لارورا وكتب طلب الالتحاق بالكلية نيابة عني. انضم إلينا بشير هوادي الذي كان يستعد ليصبح مدرساً في سبها. سألنا عن وجهتنا، فقلنا الكلية، فذهب معنا إلى باب العزيزية وقدمنا الأوراق في اليوم الأخير للتقديم. وفي يوم الكشف الطبي، كتب الأطباء أنني غير صالح طبياً بسبب مشكلة في طبلة أذني. كان معمر ينتظرني في الخارج، وعندما أبلغته بالنتيجة، ركض إلى داخل الكلية والتقى رئيس اللجنة العقيد الركن حاتم السنوسي الذي كان شخصية ممتازة. وقال له: حرام أن تخسر المؤسسة العسكرية طالباً ذكياً منظماً كهذا، فقرر السنوسي منحي فرصة أخرى، ونجحت.
التحقتم بالكلية؟
- نعم. ويمكننا أن نعتبر أن الثورة انتهت في هذه السنة، عقائدياً وأيديولوجياً، بعسكرتها. كان معظم الضباط بلا تكوين سياسي. كنا نحن الوحيدين من الحركة، أنا وهو وعمر المحيشي. كان المحيشي مثقفاً جداً ومن عائلة كبيرة في مصراتة.
لماذا حاول المحيشي الانقلاب؟
- كان مرتبطاً بالماركسيين. ومع أن معمر كان يعطف عليه كثيراً، لكن المحيشي وصل إلى قناعة بأنه لم يأخذ حقه. كان يستخف بباقي الأعضاء في مجلس قيادة الثورة ويعتبر نفسه مثقفاً وثورياً. اكتُشفت محاولته في آخر لحظة.
هل كانت المحاولة جدية؟
- نعم. كانت جدية وخطرة. على المستوى الايديولوجي، الثورة انتهت سنة 1963 بعسكرة الحركة، وعلى المستوى السياسي، انتهت سنة 1975. فشل الانقلاب، لكنه أسس لانقلاب قاده هو (معمر) إلى بداية الثمانينات، بتأسيس الكتائب ومنح الأولوية للقذاذفة وبعض المقارحة.
كيف كان سلوك القذافي في الكلية؟
- كان حاداً ومتعالياً. كنت أنا الآمر على القذافي في الكلية والمسؤول عنه. كان استخدام المذياع ممنوعاً في الكلية، لكننا كنا نستخدمه للاستماع إلى أحمد سعيد وخطب جمال عبدالناصر في إذاعة صوت العرب. كانت هناك مجموعة أخرى تحب الموسيقى الغربية، فجاء إليّ وقال لا بد من أن تمنعهم، فقلت له: ما دمنا نستخدم المذياع، لا يمكننا منعهم. فذهب إلى إدارة الكلية وقال إنني أدير نادياً ليلياً وأخلّ بالانضباط، فعاقبوني.
هل كان متديناً؟
- القذافي كان منضبطاً وحَسَنَ السلوك. كان لا يدخن ولا يعاقر الخمر، لكن سلوكه انقلب تماماً بعد العام 1975. أصبح أكثر عنجهية وتعالياً.
من اختار كلمة «القدس» كلمة سر؟
- حركة الضباط الأحرار. كنا 12 عضواً في الكلية. لكن نحن الثلاثة (جلود والقذافي والمحيشي) إضافة إلى عبدالرحمن علي الصيد ويوسف الدبري، كنا من الحركة المدنية والتحقنا بالكلية بهدف الثورة، والباقون التحقوا بالكلية ليصبحوا ضباطاً، فجندهم القذافي. كنا تنظيماً مدنياً من العام 1959 بقيادة معمر. وكان هناك قرار في الحركة المدنية بأن يلتحق كل الأعضاء بالكلية العسكرية وإلا سقطت عضويتهم.
لكن كانت هناك استثناءات. محمد الزاوي كان صديقي، وخاله رئيس وزراء، وشقيقه مدير مكتب ولي العهد. فاتصل بي القذافي وقال لي إن عليّ أن أقنع الزاوي بالالتحاق بالكلية، فضغطت عليه وتقدم في السنة التالية ونجح، لكن خاله وشقيقه رفضا وأرسلاه لدراسة الحقوق في القاهرة. وكذلك كان أهل المحيشي، وهم من الأعيان، ضد التحاقه بالكلية، لكنه تمرد عليهم.
هل كان معمر يحب التاريخ؟
- كان يحب أن يقرأ كثيراً. بنى سياسته الميكافيلية على القمع والقهر والتخويف والتجويع والتجهيل. كانت هذه سياسته بعدما تفرد بالسلطة اثر انقلابه في 1975. دمر التعليم، لأنه كان يعرف أن فرنسا قبل الثورة كانت تعيش أحسن مستوى اقتصادي، ومع ذلك قامت الثورة، لأنه إذا كان الوضع الاقتصادي جيداً، فسيهتم الناس بالشأن العام ويقرأون ويتابعون، لكن عندما يكون المرء تحت ضغط الفقر، سيعمل 24 ساعة لتوفير رغيف الخبز، ولن يكون لديه وقت للتفكير.
هل جاء تفجير طائرة لوكربي رداً على الغارة الأميركية على باب العزيزية العام 1986؟
- طبعاً.
هل يعني هذا أن الأجهزة الليبية نفذتها؟
- لا أعرف تفاصيل التنفيذ. قضايا الأمن لدي منها موقف ولا أقبل بالدخول فيها، لدرجة أنه بعدما وقعت عملية لوكربي، دعاني صديقي صالح الدروبي لحضور زواج ابنته في بيروت، وصافحني شخص لا أعرفه بحرارة، ثم سألني عبدالله حجازي: ألا تعرف هذا الشخص، هذا عبدالباسط المقرحي، فقلت له: لا أعرفه. ولم أكن أعرفه. لم أتحدث عن هذا الموضوع مع أي مسؤول.
وماذا عن ملف إخفاء المعارض منصور الكيخيا وزير الخارجية السابق؟
- كنت أحب الكيخيا كثيراً. سمعته في إذاعة الشرق يقول إن على أميركا اقتلاع معمر. أدركت أن القذافي لن يتركه. لم يكن ذكاء من الكيخيا أن يذهب إلى القاهرة بعد تصريح كهذا. كانت هناك علاقات شخصية بين حسني مبارك ومعمر القذافي.
اتصلت بالسفير عاشور قرقوم وقلت له: إذا استطعت الاتصال بالكيخيا أبلغه أن هذا التصريح خطر وأن القذافي لن يتركه بعده لأن معمر لم يكن يخاف سوى أميركا التي كانت تمثل له ضغطاً نفسياً شديداً يفرغه في استئساده على الليبيين.
هل خاف عندما سقط صدام؟
- خاف وشعر أن الدور سيأتي عليه. كان يعتقد أن الليبيين سيقبلون به وبأولاده إلى الأبد بلا مقاومة، إذا توصل إلى حل مع أميركا. سلم الأسلحة. البرنامج النووي كان مبالغاً فيه، والغرب كان يعرف ذلك. لكن الغازات كانت موجودة. لكن الليبيين كانوا محبطين من الغرب.
برأيك، هل لعب حلف شمال الأطلسي دوراً أساسياً في حماية الليبيين هذه المرة؟
- طبعاً. الطاغية عنده آلة عسكرية ضخمة. دبابات وصواريخ وطائرات. الليبيون كانوا في رعب. كان يعتقد أن الليبيين يخافون من ظله. حين انشققت عنه، نصحني كثيرون بترك البلاد، لكنني كنت أعرف كل أسلحته.
هل كان القذافي يرجع الى مجلس قيادة الثورة في قرارات التعامل مع كارلوس وجماعة الجيش الأحمر الياباني مثلاً؟
- لا. كانت هذه قراراته الخاصة مع أجهزة الأمن.
إلى متى استمر مجلس قيادة الثورة في الاجتماع؟
- الى 1977. الحقيقة ان معمر كان يتهم كل من يعارضه أو يتحرك ضده بأنه ضد سلطة الشعب. حين أرسلت له تصوراً لإعداد ليبيا للقرن الحادي والعشرين، قال إنه عظيم جداً. وحين هواري بومدين.jpg التقينا في أول اجتماع بعدها، قال: ليبيا في القرن الرابع عشر، وليس من حق أحد أن يكون وصياً على الليبيين!
«الكتاب الأخضر» صدر في هذا التوقيت تقريباً. هل كان جزءاً من مشروع التفرد بالقرار؟
- الكتاب الأخضر تجميع لأفكار طوباوية وفوضوية ومثالية، مع شيء من التروتسكية. الله وحده يعلم! أبلغني أناس أن ماسونيين كانوا وراء فكرة هذا الكتاب.
هل سألك عن رأيك فيه؟
- طلب مني الاطلاع على الجانب السياسي، وأعطيته ملاحظات على الجانب الاقتصادي. يجب هنا ان اوضح انني عارضت تجربة اللجان الثورية بالطريقة التي اعتمدها. كنت اريدها حزباً عقائدياً وهرمياً، فأصرّ على ان تكون موزعة ومفتوحة في اطار كلامه على سلطة الشعب.
اريد تكرار السؤال من هم أصحاب الأدوار المهمة حول القذافي؟
- لا وجود لهؤلاء. القذافي لا يقبل مطلقاً ان يكون حوله او قربه صاحب دور. انهم في الحقيقة خدم وعبيد مهمتهم التطبيل والتزمير والكذب والنفاق. انهم بالتأكيد اقل من موظف عادي جدا. مهمتهم القبض والتنكيل بالناس وارضاء الطاغية. كان يدير البلد على هواه وفقاً لمزاجه ويعامل مواطنيه كالأغنام ويعتبر البلد مزرعة له ولأبنائه وحاشيته. مَن تعتبرهم افراد فريقه كانوا مجرد ديكورات يحركهم بالهاتف وينصاعون. لا احد منهم يجرؤ على النقاش او الاعتراض او الرفض. يعتبرهم خدماً وعبيداً وادوات وطبالين هدفهم الوحيد ارضاء سيدهم.
هل أفهم مثلاً أنه لم يكن هناك دور لوزير الخارجية المدير السابق للاستخبارات موسى كوسا؟
- لا دور له على الاطلاق. الامر نفسه بالنسبة الى عبدالله السنوسي (قريب القذافي ومسؤول الاستخبارات). انهم ادوات للتنفيذ يطيعون الاوامر وينفذونها بحرفيتها. انهم عبيد. لم يكن حوله اي شخص قادر على التصريح او التلميح الى خطأ يجب اصلاحه او خطوة يجب عدم الإقدام عليها.
هل ينطبق ذلك ايضاً على رفيقه وزير الدفاع ابوبكر يونس جابر؟
- ينطبق على كل الاسماء التي يمكن ان توردها.
هل تعتبر القذافي مثقفاً؟
- نعم.
يحب القراءة؟
- نعم يحب القراءة.
هل تعتقد انه وقع في عبادة الذات؟
- صار يعتبر نفسه كلَّ شيء في البلاد. وزير الداخلية. وزير الاقتصاد. وزير الدفاع. مسؤول الحدائق. ومسؤول شارات المرور. ومدير الجمارك. والرياضي الاول.
غير اسماء الشهور ايضاً؟
- لم يتوقف عند حد. لم يعد يقبل بأي نقاش. صار فوق الجميع. صار يحتقر الآخرين بلا استثناء. اخبرني شخص انه عندما جاء المبعوث الدولي عبدالإله الخطيب واقترح على سيف الإسلام محاورة المعارضين، سمع جواباً من نوع: كيف نحاورهم؟ إنهم خدم، وكانت مهمتهم ان يلعقوا احذيتنا.
هل كان القذافي معجباً بجمال عبدالناصر؟
- نعم.
لماذا قال عبدالناصر ان القذافي امين على القومية العربية؟
- ما لا يعرفه الناس هو ان القذافي قبل عام 1975 شيء وبعد ذلك التاريخ شيء آخر. اكتشف القذافي خطة لإطاحته شارك فيها بعض الضباط الاحرار وبينهم عمر المحيشي. قبل ذلك كان القذافي يثق بالآخرين. الحرس الجمهوري كان ضباطه وجنوده من غير الاقارب. كان يثق كثيرا بعسكريين من مصراتة التي درس فيها سابقاً. بعد المؤامرة، التي كان اهم المشاركين فيها المحيشي (عضو مجلس قيادة الثورة)، فقد القذافي الثقة بالليبيين وعاد الى قبيلته. شرع هو في تنفيذ انقلاب استمر حتى بداية الثمانينات. اسس الكتائب ووضع ضباطاً من القذاذفة على رأسها. ذوَّب الجيش وأنشأ وحدات عسكرية وأمسك تماماً بالحرس والردع والامن. على مدى ثماني سنوات بنى قوى يسيطر عليها اقاربه ومعهم بعض الضباط من ورفله والمقارحة. وللتمويه، وضع على رأس هذه الوحدات أسماء من الضباط الاحرار لكن من دون صلاحيات او فاعلية.
استعاد القذافي عمر المحيشي (عضو مجلس قيادة الثورة الذي اتهم بإعداد محاولة انقلاب) من المغرب بموجب صفقة؟
- نعم. واريد ان اروي لك شيئاً. ذهبت للقاء الطاغية في سبها. قبل الاجتماع جاءني سيد قذاف الدم، شقيق احمد، وكان حزيناً ويبكي وقال: «هل تصدق ان شقيقي جاء بالمحيشي الذي وصل من المغرب في حالة يرثى لها». خدرت الاستخبارات المغربية المحيشي قبل نقله بالطائرة وجاء التخدير قوياً الى درجة ألحقت ضرراً بمعدته وامعائه. بعدها دخلت على الطاغية وقلت كلاماً قاسياً عن الملك الحسن الثاني وما سميته «الصفقة القذرة»، فابتسم معمر ولم يجب.
هل تولى شخصياً عملية قتله؟
- لم اتابع هذا الامر ولم اسأل عن الملابسات. الرجل وصل اصلاً في وضع سيء. سيد قذاف الدم قال ان المحيشي وصل في حالة تشبه الموت السريري.
من تحب من الشعراء العرب؟
- المتنبي ومحمود درويش ونزار قباني. يعجبني الهم الوطني. الجمع بين المرأة والوطن. ولا تعارض بين الاثنين.
كم عدد أولادك؟
- أربع بنات وولدان. وستة أحفاد.
هل تشعر أنك أضعت كثيرا من عمرك الشخصي وعمر ليبيا في عهد القذافي؟
- ليبيا كانت من السبعينات إلى بداية الثمانينات ورشة عمل. كانت نقطة تسوق للخليجيين والغربيين. العاهل المغربي الملك الحسن الثاني أرسل مدير مخابراته إلى ليبيا بجواز سفر مزور في السبعينات، وعاد بتقويم أنه إذا استمرت ورشة العمل المفتوحة آنذاك والتطور هذا، فستسقط تونس والجزائر. كان معدل النمو، حسب تقديرات الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، من 14 إلى 16 في المئة. كان مستوى المعيشة مرتفعاً جداً.
هل أنت قلق على الوضع الليبي الحالي؟
- طبعاً أشعر بالقلق لأن الجماهير تبحث عن حلول سريعة. في مصر، رحل الطاغية حسني مبارك بالتظاهرات في ميدان التحرير. وفي تونس، شكَّل ميدان القصبة نقطة رحيل الطاغية زين العابدين بن علي. لكن في ليبيا، جرت حرب إبادة. وحين فرضت الحرب على الليبيين، تقبلوها بشجاعة. وكان موقفهم رائعاً. هذا جعل الشرعية الثورية في يد الثوار المقاتلين. هم يعتبرون أنهم الشرعية. وأي تجاهل لهذه الحقيقة يجعل هناك صعوبة في الانسجام ووحدة القرار. كل الثورات العربية ثورات غضب لإسقاط الطغاة، وليست ثورات بالمفهوم العلمي تحمل مشروعاً فكرياً سياسياً أيديولوجياً للتغيير.
هذه هي المشكلة. الشعارات التي رفعت عريضة: الكرامة والديموقراطية والتعددية. هذه كلمات يمكن أن يقولها من لا يؤمن بها. ليست لدينا خبرة بالديموقراطية ومنظمات المجتمع المدني. الكل، مثقفين ومواطنين عاديين، أقوياء في الدفاع عن الديموقراطية، لكنهم ضعفاء عندما تتعلق الديموقراطية بأنفسهم وكيف يمارسونها كسلوك. نحن محتاجون إلى مدة طويلة لتصبح الديموقراطية سلوكاً وقناعات.
هل تعتقد أن الإسلاميين سيحكمون؟
- لا يزال الوقت مبكراً للحكم على ذلك. انا أحيّي الشباب الذين تصدوا لكتائب القذافي بصدورهم العارية. أتمنى أن يعتبر الليبيون عبدالفتاح يونس وطياريه من «ثوار 17 فبراير». اهم انشقاقين هما انشقاق يونس وطياريه، الذين رفضوا أوامر القذافي وابنائه بقصف الناس.
عندما فشلت معركة القذافي في بنغازي، ركز على الزاوية ودمرها بشدة. ولو سقطت الزاوية التي تبعد عن طرابلس 40 كيلومتراً، في وقت مبكر، لسقط الطاغية منذ أشهر.
من أحببت من الزعماء العرب؟
- جمال عبدالناصر وهواري بومدين.
كيف كانت طبيعة بومدين؟
- كان عروبياً، وسلوكه حميمي ولطيف. كانت بيننا علاقة جيدة. كنا نتحاور كثيراً وقلت له: انه حكم المخابرات والحل اعادة حزب جبهة التحرير كما كان في الخمسينات. وذات مرة قال لي: سنتخلص من هذه العقدة ونعود إلى الشعب لبناء الحزب.
عندما تزوجت، حضر معمر وكيلاً عني وبومدين وكيلاً عن زوجتي. كان في زيارة، وبعدما وقّع قال لي ممازحاً: أي خلاف بينك وبين زوجتك يعني حرباً بين ليبيا والجزائر. كان يحبني كثيراً.
ما رأيك في الوضع في سورية الآن؟
- لست متابعاً للموضوع السوري بالتفصيل. لكن جغرافية سورية وتكوينها لا يسمحان بالدخول في المجهول، مع ذلك لا يمكننا وباسم الممانعة وباسم الصمود أن نصادر حرية أي شعب. دخول الثورة في العنف كان خطأ. لا بد أن تستمر الثورة سلمية. وأعتقد ان التفكير بأنه اذا نَعِمَ الشعب السوري بالديموقراطية سيتقلص دوره العروبي تفكير مغلوط. كلما كان الشعب حراً، كلما كان أقدر عبد الناصر خلال استقبال وفد من مجلس قيادة الثورة الليبي برئاسة جلود.jpg على المقاومة واسترداد الحقوق وأقوى على البناء. كل السوريين، من أكثرهم تثقيفاً إلى أبسطهم، لديهم ثوابت العروبة وتحرير فلسطين في تكوينهم.
مع مَن مِن الشخصيات الدولية كوّنت صداقات؟
- مع الأوروبيين، مثل المستشار الألماني السابق فيلي برانت ورئيس الوزراء السويدي أولوف بالمه الذي كان شخصية بسيطة ومتواضعة. أتمنى أن يكون عندنا هذا السلوك في العالم الثالث. وهو دفع ثمن بساطته. كذلك، رئيسا الوزراء الإيطاليان السابقان ألدو مورو وجوليو اندريوتي، وفيديل كاسترو، كنا نركب الخيل سوياً حين زار ليبيا. تعرفت أيضاً على ليونيد بريجنيف وأعجبني فيه أنه رجل شعبي.
لماذا سعى القذافي إلى أن يصبح «ملك ملوك أفريقيا؟».
- من ثوري إلى ملك ملوك معناه أنه فقد عقله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.