أعطت قرارات للحكومة الجزائرية تُدخل تغييرات تقنية على جوازات السفر وبطاقات التعريف الفرصة لبروز أصوات مختلفة بعضها يؤيد وبعضها يرفض الإجراءات الجديدة التي تتعلق خصوصاً بصورة صاحب أو صاحبة الجواز أو البطاقة. وتابع مراقبون باهتمام بروز صوت «الأحزاب الإسلامية» في هذا الجدل الذي أثير مع «العلمانيين» حول «الخمار واللحية». وإذا كانت الأحزاب «القومية» وعلى رأسها جبهة التحرير الوطني ما زالت مسيطرة على الساحة السياسية في البلاد، فإن «مبارزة الخمار واللحية» منحت الإسلاميين والعلمانيين الفرصة لإثبات وجودهم الذي تراجع خلال السنوات الماضية، خصوصاً بعد الانتخابات التشريعية لعام 2007 التي أكدت «انكماش» الأحزاب الإسلامية. وأبقت الانتخابات البرلمانية قبل ثلاث سنوات على حزب جبهة التحرير الوطني بوصفه الحزب صاحب الغالبية في برلمان 2007 - 2012، على رغم أنه فقد 65 مقعداً بالمقارنة مع الولاية البرلمانية السابقة. وثمة من يرى في الجدل الذي اندلع منذ أسابيع حول الخمار واللحية بأنه يُنبئ ب «سباق محموم» حول التشريعات المقبلة التي يأمل «الإسلاميون» فيها بالعودة إلى البرلمان من موقع قوة. وتحافظ حالياً أحزاب «التحالف الرئاسي» - جبهة التحرير والتجمع الوطني الديموقراطي وحركة مجتمع السلم - على مقاعد الغالبية في البرلمان، مع تسجيل عودة مشتتة للأحزاب الصغيرة التي وجدت مكاناً لها بعدد محدود من المقاعد. لكن البارز في نتائج البرلمان الحالي كان «ضياع» التمثيل الواسع للتيار الإسلامي، مع «انقسام» حركة مجتمع السلم على نفسها بين مؤيدي رئيسها أبو جرة سلطاني ومناوئيه. وكانت حركة مجتمع السلم القوة السياسية الثالثة في البرلمان بعد جبهة التحرير والتجمع الوطني الديموقراطي، قبل أن يمتد الخلاف بين سلطاني وخصومه إلى كتلة الحزب في البرلمان. وتحاول حركة الإصلاح الوطني (حزب إسلامي) البحث عن «مخرج» لوضعها المزري بعدما فقدت بدورها 40 مقعداً مقارنة بانتخابات حزيران (يونيو) 2002، التي فازت فيها ب43 مقعداً. وكانت انتخابات 2002 رشّحت يومها حركة الإصلاح - قبل تشتت صوتها بين جناحين - لتكون القوة السياسية الثالثة في البلاد، وعرابة التيار الإسلامي، متقدمة على حركة مجتمع السلم. ويُعتقد أن «نكسة» انتخابات 2007 بالنسبة إلى حركة الإصلاح ترتبط خصوصاً بالنزاع الذي دار بين مؤسسها الشيخ عبدالله جاب الله و «الحركة التقويمية» التي انشقت عليه واستطاعت أن تحصل من وزارة الداخلية على ترخيص بأنها ممثلة الحزب في الانتخابات، الأمر الذي دفع بجاب الله إلى الدعوة إلى مقاطعة الاقتراع. ودلّت نتائج الانتخابات وتقهقر حركة الإصلاح فيها على أن جاب الله يمثّل جزءاً أساسياً من الاستقطاب الشعبي لهذه الحركة التي تحوّلت حالياً إلى حزب صغير. وأعلن جاب الله أخيراً عزمه إنشاء حزب إسلامي جديد سيتم إيداع ملفه لدى وزارة الداخلية قبل نهاية الشهر الجاري. أما الحزب الإسلامي الآخر «حركة النهضة» فقد فاز بخمسة مقاعد بعدما كان يشغل مقعداً واحداً في الانتخابات السابقة. وعلى رغم هذا التقدّم المحدود، فإن «النهضة» ما زالت حزباً صغيراً. وبذلك يبدو واضحاً أن الأحزاب الإسلامية - المعارضة أو التي تمارس «المعارضة الإيجابية» - سجّلت تراجعاً في العموم، وهو أمر جاء في صالح التيار العلماني ممثلاً في «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية». وكان وزراء هذا الحزب الذي يمثّل نسبة معينة من منطقة القبائل، غادروا الحكومة في عام 2001، وحدث انفجار على مستوى قياداته أدى إلى خروج خليدة تومي وعمارة بن يونس بسبب عدم الاتفاق على طريقة التعامل مع الأحداث التي شهدتها منطقة القبائل ونتج عنها مقتل عدد من المواطنين وجرح العشرات منهم.