ربيع العرب» بدأ في الخريف واشتد في الشتاء وتعثر في الربيع، ويكاد يمضي الصيف من دون أن ينهض من عثاره لولا ان شعب ليبيا أنقذ الموقف وبث روحاً جديدة في حركة التغيير. طلبُ التغيير أسهل كثيراً من تحقيقه، والتغيير ليس زعيماً/ رمزاً ورجاله، وإنما مؤسسات النظام معهم. وهكذا رأينا تونسالجديدة تقرر اجراء انتخابات في 7/14، ثم تؤخرها الى 10/14. وكان المجلس العسكري الحاكم في مصر اعلن بعد استقالة حسني مبارك في شباط (فبراير)، أن الانتخابات ستجرى خلال ستة اشهر، وطرح ايلول (سبتمبر) موعداً لها، ثم أصبح هذا الشهر مجرد موعد لبدء عمل لجنة تضع نظام الانتخابات، على ان تجرى هذه بعد ذلك بشهرين. أطلب لكل بلد عربي نظاماً ديموقراطياً مدنياً، ومثل هذا النظام لا يستحق اسمه اذا لم يتسع للأحزاب الدينية، فمن أسباب قوتها أن الأنظمة الديكتاتورية حاربتها واضطُهدت قياداتها وسُجنت وشُردت. أكتب هذا وأنا أعرف أن بعض طلاب علمانية الحكم يريد عزل الأحزاب الدينية ومحاربتها، وأن بعض المتطرفين الدينيين يعتبر الديموقراطية بدعة يجب رفضها. وشخصياً، عندما أضيع أهتدي بموقف الأزهر الشريف، وفي وثيقته الأخيرة حول مستقبل مصر هداية كافية. الإسلاميون في كل بلد لم يكونوا يوماً كتلة واحدة، وفي مصر هناك أجنحة داخل الإخوان المسلمين انفسهم، ولكن ربما نستطيع ان نلحظ فريقين: الأول معتدل يريد دولة مدنية بمرجعية إسلامية، والثاني متشدد يريد دولة إسلامية وخلافة، ومن ضمنه جناح أكثر تشدداً يحرِّم الآثار والديموقراطية والليبرالية، وفيه من يريد «شورى الفقهاء.» إدارة أوباما بدأت اتصالات خجولة مع الإخوان المسلمين في مصر، غير ان اعداء العرب والمسلمين، من ليكوديين ومحافظين جدد في الولاياتالمتحدة، ينظمون حملة تخويف من «الخطر» الاسلامي القادم. وقد قرأت تحذيرات من المرشح للرئاسة محمد سليم العوا، باعتباره «مرشح ظل» للإخوان واسترجاعاً لمطالبة الشيخ يوسف القرضاوي في خطبة له في كانون الثاني (يناير) 2009، بأن يميت الله اليهود جميعاً. ثم إن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المؤيد لاسرائيل، طالب الكونغرس بالضغط على ادارة اوباما لتضغط بدورها على المجلس العسكري في مصر ليواجه الجماعات الاسلامية ويحدّ من نفوذها ويبقي على معاهدة السلام مع اسرائيل. هذه ليست ديموقراطية البتة، فالإخوان المسلمون جزء من النسيج الاجتماعي المصري، وإدارة أوباما أعلنت انها ستقدم 65 مليون دولار لمساعدة الاحزاب السياسية الجديدة في مصر، ما أعتَبِره تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلد. وقد اعلن المجلس العسكري أنه يعتبر من يقبل المساعدة عميلاً لدولة اجنبية، وانتقد الاخوان المشروع الاميركي. في النهاية، 65 مليون دولار، او 65 بليوناً لن تغير مِن رفض الاحزاب الدينية جميعاً وجود إسرائيل على أرض فلسطين، وأقول للأميركيين عبارة من قاموسهم «عيشوا مع هذا»، أي تعوَّدوا عليه، فهو عداء لإسرائيل وحصة اميركا منه سببه دعم هذه الدولة العنصرية . أركز في مراجعتي «ربيع العرب» المتعثر على مصر، لأنني أجدها في موقع القيادة العربية، فإذا قامت فيها ديموقراطية حقيقية يُسهِّل قيامُها ان تتبع الدول العربية الاخرى النموذج المصري. اليوم نحن في مرحلة العثار لا السير الى الامام، والشارع يريد كل شيء ويطلب طرد وزراء ومحاكمة رموز النظام السابق فوراً، والمجلس العسكري يحاول ارضاء الجميع، وهذه غاية لا تدرك. وأقرأ ان المجلس العسكري يريد ان يكون حامي الديموقراطية في مصر، غير ان هذا الطلب يذكرني بدور الجيش التركي في «حماية» الديموقراطية، فقام بأربعة انقلابات عسكرية على حكومات منتخبة ديموقراطياً حتى جاء رجب طيب أردوغان وقصّ جناحي جيش أتاتورك. كل ما سبق لا يغير من قناعتي الشخصية ان مصر ستتجاوز صعوبات المرحلة الانتقالية وتبني نظام حكم ديموقراطياً، فنحن في مصر نعرف البديل، او البدائل من نظام حسني مبارك، غير ان هذه المعرفة غائبة في دول مثل سورية واليمن وليبيا. المعارضة السورية هي ألوف المتظاهرين في شوارع المدن، إلاّ أنها من دون رأس او برنامج، واليمن فيه معارضة تضم قيادات وطنية، إلاّ أنها أقلية في وجه انفصاليين وإرهابيين من نوع القاعدة وحركات دينية محلية. وفي ليبيا، هناك حكومة الثورة في بنغازي وبعض اعضائها الذين أعرف، أهلٌ للثقة فعلاً، غير أنني أخشى أن تكون هناك ايضاً جماعات إرهابية متطرفة، وهي خشية لا تمنعني من السرور على رحيل معمر القذافي رحمة بليبيا وشعبها. اقول مرة اخرى إن «ربيع العرب» تعثر إلاّ أنه إذا نهض من عثاره في مصر فهو سيشجع الشعوب العربية الأخرى على النهوض.