ماذا لو تحولت جماعة «العدل والإحسان» في المغرب إلى حزب سياسي؟ مبعث السؤال أن قياداتها ومناصريها يتعاطون الشأن السياسي، عبر اتخاذ المواقف والتزام أدبيات العمل السياسي، مثل أي حزب معارض. لكنهم في الوقت ذاته يتخندقون خارج اللعبة السياسية، رافعين لواء الوعظ والإرشاد وترانيم الدعوات الدينية في الإصلاح. بصرف النظر عما إذا كان هذا الخيار مقنعاً لمريدي الشيخ عبد السلام ياسين ومطلوباً لتحقيق دمجهم في المنظومة الشرعية للعمل السياسي، أم يتطلب جهوداً إضافية في التطبيع المتبادل بين الدولة والجماعة، فإن التطورات السياسية التي عرفها المغرب، في جانبها المرتبط بالانفتاح على التيارات الإسلامية، أبانت عن درجة عالية من المرونة، أقربها أن حزباً إسلامياً اسمه «العدالة والتنمية» بات يشكل ركناً أساسياً في معادلات المشهد السياسي. ولا يبدو أن حزباً آخر واجه المعارك والصعوبات التي خاضها إسلاميو «العدالة والتنمية»، لكن ذلك زاده قناعة بأن موقعه الحقيقي يوجد في صلب اللعبة السياسية وليس خارجها أو على هامشها. المثير أن زعيم الحزب الإسلامي عبد الإله بنكيران هو من طلب إلى جماعة «العدل والإحسان» الاختيار بين منزلتي العمل السياسي المشروع أو الاستمرار في المواجهة، ودلالات ذلك أن حزبه لا يرى في الجماعة منافساً له. وهذا دليل إلى قبول التعددية بين التيارات الإسلامية نفسها، ما يفرض انسحابه على الأفق السياسي برمته، في حال تغيرت نظرة الجماعة إلى نفسها والآخرين، وتغيرت نظرة الآخرين إليها. ربما أسعف الدستور الجديد الفاعليات السياسية الراهنة أو التي قد تكون بصدد الانخراط في المنظومة القائمة، في تلمس معالم الطريق الذي يلائم التوزيع الجديد للأدوار والسلطات، وقبل أن تشرع في تعديل قانون الأحزاب لناحية حظر تشكيلها على أسس دينية أو عرقية أو قبلية وكذلك دمقرطة الآليات الحزبية وإفادتها من عدم التعرض للمنع أو التعليق إلا بأحكام قضائية، سيكون عليها ممارسة قدر كافٍ من النقد الذاتي كي تتوازى مهماتها الجديدة مع راهنها التنظيمي. ولأن المعارضة حظيت في الدستور الجديد بدور يكاد يشبه حكومة الظل في الجهاز التنفيذي للأقلية، فإن المجال بات مفتوحاً أمام انضمام كل من يلمس في نفسه ومؤهلاته قابلية الإسهام في بناء مرحلة ما بعد إقرار هذا الدستور، أكان بين المتنافسين على مراكز الصدارة في الاستحقاقات الاشتراعية القادمة أو بين الذين يختارون مواقع المعارضة. تتجاوز الإشارات التي أعطاها الدستور الجديد الإطار القانوني لسمو الوثيقة الدستورية التي تنظم العلاقات والسلطات على أساس منفصل ومتوازن، نحو الأبعاد السياسية، كونها رهنت للمرة الأولى نتائج صناديق الاقتراع بالنزاهة والشفافية والحرية. وبالتالي فقد انتفت كثير من المؤاخذات التي كانت تسجل في سلبيات الانتخابات، وباتت الكرة في ملعب الفرقاء الحزبيين، وما يشجع على ضخ دماء جديدة في المشهد السياسي أن الحسم في النزاعات بين الدولة والأحزاب أصبح من اختصاص القضاء. ليس يهم إن كانت معطيات الدستور الجديد الذي سيصبح مفعوله نافذاً قد أقنعت كل الأطراف. فليست المرة الأولى التي تنبري فيها فاعليات نحو المقاطعة. وفي التجارب السياسية أن الاتحاد الوطني كأقوى تنظيم حزبي معارض أدمن على مقاطعة الدساتير لفترة تزيد على ثلاثة عقود. ثم وجد نفسه تحت اسم الاتحاد الاشتراكي يسابق الزمن لمعاودة بناء الثقة المفقودة بين النظام والمعارضة. فكان تصويته إلى جانب الدستور المعدل لعام 1996 كلمة السر التي نقلته إلى ضفة الحكومة. جماعة «العدل والإحسان» أقرت مقاطعة الدستور الجديد. إنها ليست حزباً لكنها تصرفت بعقلية سياسية. ومن يدري فقد يأتي زمن تصبح فيه حزباً مثل باقي الشركاء. ولو طرح السؤال على جحافل المعارضين السابقين إن كانوا فكروا يوماً في تولي المسؤولية الحكومية لكانت الدهشة أفضل جواب. غير أنها ليست من مشاعر العمل السياسي المتقلب مثل فصول السنة.