هل يمكن لسياسي عاصر المآلات المؤلمة لكثير من زعماء العالم، أن يقذف بنفسه في أتون هذا السيناريو الغامض؟ سؤال يفرضه بإلحاح إعلان الرئيس بوتفليقة الترشح لعهدة رئاسية رابعة، وما إذا كان واعيا أنه "يغامر" بنفسه في اختيار نهاية لحكمه ستكون شبيهة وفق مراقبين بما انتهى إليه الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة. اختار الرئيس بوتفليقة بطلبه العهدة الرابعة أن يكون رئيسا مدى الحياة للجزائر، رغم حالته الصحية، التي تشهد عليها سمات الرجل المتثاقلة في الدقائق القليلة التي ظهر فيها على الجزائريين عبر التلفزيون ليزيل عنهم "عبثا" حالة القلق التي انتابتهم من غيابه الطويل عن الساحة السياسية. لكن الرجل الذي لا يزال يعاني من آثار جلطة دماغية أقعدته على كرسي متحرك، ولم يستطع بفعلها أن ينبس ببنت شفة أمام الجزائريين منذ أكثر من عام، كسر كل التقاليد المعروفة عن الممارسة الديمقراطية في العالم، وفضل أن يواصل مهامه على رأس الدولة بترشح سينصبه لا محالة الرئيس القادم للبلاد. لا يزال كثير من المتابعين تحت آثار صدمة ترشح الرئيس، ليس لأن دخوله السباق يعني "قتل" أي أمل في تغيير الوضع الراهن للبلاد، لأن بوتفليقة لا يمكن له أن يهزم في الانتخابات، ولكن لأن الرجل قارب الثمانين من العمر، ويعاني من مرض في جهازه العصبي لا يستطيع معه تحمل تبعات تسيير دولة بحجم الجزائر. وهنا تطرح الكثير من الأسئلة والمخاوف عن مستقبل جزائر ما بعد 2014، لأن النظام الرئاسي المطلق الذي تسير به الجزائر، يركز كل الصلاحيات في يد الرئيس ويهمش باقي المؤسسات في الدولة، وكل ذلك قد يعطي شرعية لما تطرحه أصوات عديدة في الساحة السياسية تخشى أن تُرتهن الجزائر باسم الرئيس بوتفليقة، في يد المحيطين به من جماعات المصالح. يشبّه مراقبون إعلان الرئيس ترشحه لعهدة رابعة في ظروفه الحالية، بالوضع التونسي إبان نهايات الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، مع الفارق في أن الثاني نصب نفسه رئيسا مدى الحياة في الدستور، والأول فتح العهدات في الدستور بما يسمح له بالترشح في كل موعد انتخابي والبقاء بالمثل رئيسا مدى الحياة. بيد أن الرئيسين يتشابهان أيضا في أن حالتهما الصحية تدهورت في أواخر حكمهما، وبينما انتهى سيناريو بورقيبة إلى الانقلاب الأبيض الذي نفذه الرئيس السابق زين العابدين بن علي، يبقى التساؤل عن مصير الرئيس بوتفليقة إذا استمر في الحكم وهو في حالته الصحية الحالية، خاصة أن النظام في الجزائر بالكاد استطاع تدبر أمره في السنة التي مرض فيها الرئيس أمام مطالبات المعارضة بتطبيق المادة 88 من الدستور، فكيف سيتدبر هذا النظام التعامل مع خمس سنوات قادمة! تقول المعارضة إن الرئيس بوتفليقة فوّت على نفسه فرصة دخول التاريخ من الباب الواسع لما "عبث" بدستور 2008 مدشنا عهد حكم الفرد في الجزائر، وهو الآن يفوّت على نفسه فرصة أخرى منحتها له ظروف إقليمية عاصفة، حين تجنبت الجزائر موجة ما عرف ب"الربيع العربي"، بفعل "مسكنات الإصلاح" التي وعد بها الرئيس في 2011، وخطاب "جيلي طاب جنانو"، الذي فهم حينها على أنه خطاب التنحي لما بعد أفريل 2014. غير أن التجارب الفاشلة لهذا "الربيع"، أعادت للنظام هامشا من المناورة، وظهر للرئيس كشأن كل الأنظمة الشمولية في العالم، "ممالئون" يزينون له أن البلاد ستضيع برحيله والعباد سيهلكون من دونه، مثلما يسوق لذلك المنادون بالعهدة الرابعة، حتى أن الوزير الأول عبد المالك سلال قال إن ما فعله الرئيس بوتفليقة أملته عليه الحكمة والحفاظ على استقرار البلاد، فهل من الحكمة أن يترشح رجل للرئاسيات وهو مصاب بجلطة دماغية في الثمانين من عمره؟ وعن أي استقرار يتحدث سلال، والجزائر مهددة في أي لحظة بالدخول في متاهات دستورية جراء غياب الرئيس المتواصل عن الساحة الوطنية؟ يتساءل المعارضون للرئيس. يبدو حسب البعض، أن الرئيس بوتفليقة يحتاج إلى إيقاظ خلايا في ذاكرته البعيدة، ليسترجع شيئا من نهاية بورقيبة التي لا يتمناها أي رئيس، واستذكار أيضا أن الرئيس الفرنسي شيراك أصابته جلطة دماغية هو الآخر، وكان الدستور الفرنسي يسمح له بالترشح لكنه آثر الانسحاب، وحالته الصحية اليوم تشهد بأنه اختار القرار الصائب.