يتعمد إضفاء الغموض حول مصيره في الحكم بوتفليقة عازم على خوض المعركة مع صحته حتى آخر دقيقة حملت "كلمة" الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، التي نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية، في اجتماع مجلس الوزراء الأحد الماضي غموضا حول مستقبله في الحكم. فقد تحدث عن الاستعداد للاستحقاقات السياسية، بما يفهم بأنه يمكن أن يترشح للمرة الرابعة، لكن لا أحد يمكنه الجزم حاليا بأن بوتفليقة سيشارك في الموعد بسبب حالته الصحية، بينما يمكن الجزم بأن النتيجة ستكون معروفة مقدّما إذا ترشّح. ويبقى مصير الذين أعلنوا الترشح والذين قد يترشحون لاحقا، معلّقا على مستقبل بوتفليقة في الحكم. أضفى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مزيدا من الغموض، بخصوص مستقبله في الحكم في الخطاب الذي "ألقاه" الأحد الماضي على الطاقم الحكومي بمناسبة اجتماع مجلس الوزراء. فقد أمره بالتحضير ل«الآتي من الاستحقاقات السياسية"، تاركا الانطباع بأنه سيترشح لعهدة رابعة، ثم هو تحدث عن "آجال" وليس عن أجل واحد، فهل كانت أيضا إشارة إلى تعديل الدستور؟ لقد تمكن بوتفليقة من تحقيق هدفين رئيسيين وضعهما نصب عينيه منذ توليه قيادة الجزائر. الأول أن تكون فترة رئاسته أطول من كل فترات الرؤساء الذين سبقوه، وكان له ذلك عندما حطم الرقم القياسي الذي كان بحوزة هواري بومدين (1965 - 1979). والثاني أن يركّز أكبر قدر من السلطات والصلاحيات بين يديه، وبحجم أكبر من كل الرؤساء الذين سبقوه إلى الحكم، وتحقق له ذلك أيضا بفضل تعديل الدستور في 2008 الذي جرّد فيه الحكومة من أهم الصلاحيات وحوّلها إلى مجرّد هيكل، يشتغل فيه موظفون يأمرهم فيطيعون. وأخطر ما في ذلك التعديل، وبإجماع فقهاء القانون الدستوري، أن عبد العزيز بوتفليقه هَّ فيه أركان السلطة التنفيذية محدثا فيها تغييرا عميقا، دون المرور على الاستفتاء الشعبي، رغم أن الدستور يلزمه بذلك. وفي سبيل تحقيق الهدفين، اختزل بوتفليقة شعبا وبلدا في شخصه وجعلهما رهينة لهواجسه لمدة 14 سنة كاملة! وأطلق بوتفليقة إشارات في مجلس الوزراء الذي عقد الأسبوع الماضي، بعد 9 أشهر من التوقف، بأنه يريد البقاء في السلطة بحديثه عن "اتخاذ الإجراءات تحسبا للاستحقاقات". ولكنه لم يوضح ماذا يقصد، هل كانت تعليمة بالتحضير للترويج للعهدة الرابعة، أم للإشهار لمسودة الدستور الجديد المرتقب، وما تتضمنه من تمديد للعهدة الحالية بعامين وبالتالي إلغاء استحقاق أفريل 2014؟ وتعكس الضبابية التي أرادها حول مصيره في الحكم، جانبا من شخصية سابع رؤساء الجزائر. فهو يتعمد عدم الإفصاح عما إذا كان سيترشح للمرة الرابعة، حتى لا يتخذ الذين ترشحوا للموعد والذين سيترشحون لاحقا، موقفا من الآن بالانسحاب أو بعدم الرغبة في الترشح، لأن بوتفليقة يدرك جيدا أن الاستحقاق "مقتول" سلفا لو قال إنه يريد رابعة. والجميع يعلم أن التنافس سيغيب عن الانتخابات المقبلة إذا شارك فيها بوتفليقة، الذي يحاول من خلال الغموض الذي انطوى عليه "الاستعداد للآجال"، تفادي ضرب مصداقية الانتخابات مبكّرا. غير أن الغموض الذي أحاطه حول نواياه الحقيقية بشأن مستقبله في الحكم، قد يكون له تفسير آخر. فقد أثبت بوتفليقة من خلال التغييرات التي أدخلها على الحكومة وعلى الأجهزة الأمنية، تحديا لحالته الصحية. بمعنى أنه عازم على خوض معركة مع صحته حتى آخر دقيقة. فمادام عقد مجلسا للوزراء، ولو بإخراج رديء وبديكور يثير السخرية، فهو قادر على آداء أنشطة رئاسية ولو على كرسي متحرك. ولن يعلن عن عدم ترشحه إلا عندما يؤكد له الأطباء بأنه لن يقوى على الاستمرار في الحكم. أوفياء لمبدأ "الزبائنية" ويخشون وضعا جديدا ينسف نفوذهم الانتهازيون والوصوليون يضغطون لإبقاء بوتفليقة رئيسا بدا الاصطفاف "الخفي والظاهر" لدعم الرئيس بوتفليقة للعهدة الرابعة، متأخرا هذه المرة، ذلك لأن الأوفياء لمبدأ "الزبائنية"، لم تتوضح لهم الصورة كاملة لما كان الرجل يعالج في باريس، لكن المتتبع لخطواتهم يراهم يسابقون الزمن لاستدراك تأخرهم، بعدما فضحهم صمتهم واعتقادهم أن العهدة الرابعة صارت أمرا مستحيلا. المتتبع لمسار الداعمين لترشح بوتفليقة لرابع مرة، يكتشف أن نفس الأشخاص ونفس الأحزاب ونفس الدوائر السرية والعلنية، تستيقظ من سباتها قبيل كل موعد رئاسي، لتعلن اصطفافها إلى جنب "التيار القوي" في الموازنات الرئاسية، وعلى مدار حكم الرئيس، اكتسبت هذه الدوائر، الحزبية والإدارية مناعة من "المس" جعلها تتغول سياسيا وماليا بشكل مكنها من البقاء في الواجهة طيلة ثلاث عهدات كاملة كرست فيها مبدأ "الزبانية المطلقة وغير المشروطة" لمحيط رئيس متيقن من نوايا داعميه في خدمة مصالحهم الشخصية، لكن رغم ذلك تراهم في كل مرة يفوزون برهانات التعديلات الحكومية والمناصب السامية للدولة، يعينون ثم يعزلون ثم يعينون مجددا ثم يعزلون مجددا، دون أن يبرحوا إقامة الدولة "موريتي". حاليا، مع تنامي الغموض والإبهام والتمويه بخصوص العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، إن كان سيعلن رغبته أم لا، تزداد الضغوط من قبل هذه الدوائر من أجل ضمان استمرار بوتفليقة في الحكم، لسبب واحد، يتعلق بارتباط مصيرهم الشخصي والعائلي ومشاريعهم به هو شخصيا، وكلهم تساؤلات: ماذا نفعل لو لن يكون بوتفليقة هو الرئيس بعد موعد 2014. المشهد المتصل بالزبائنية، يظهر أنه يتجاوز مجرد قادة أحزاب ينادون بالعهدة الرابعة، إلى عصب تتوزع في أركان الدولة، متحكمة في أحزاب ولجان مساندة، وأعوان كبار في الإدارة، لا يعبرون عن رأيهم بوضوح ولكن آرائهم تتجلى في تصريحات قادة أحزاب، في الندوات والتجمعات الشعبية. وسواء كان عمار غول (تاج) أو عمارة بن يونس (الجبهة الشعبية) أو عمار سعداني (الأفالان) أو عبد القادر بن صالح (الأرندي) من كبار الداعمين لترشح الرئيس مجددا، إلا أن مواقفهم، لا تعدو أن تكون واحدة فقط من جملة مواقف داعمة أشد منها تأثيرا، لامتلاكها المال والوسائل الضامنة لنجاح سيناريو العهدة الرابعة. وخارج أحزاب تطبل للعهدة الرابعة، وصار ذاك محور خرجات قياداتها هذه المرة، بعدما وقعت صكوكا على بياض في العهدات السابقة، تتجلى "دفوعات" في الخفاء، لتمكين الرئيس من الاستمرار، بعد سنوات من الانتفاع والامتيازات، كرسوا لها منطق "الوصولية" تكريسا ثابتا، عبر "شرعنة" مواقفهم، على أنه من حق الرئيس الترشح لعهدة رابعة طالما أن الدستور لا يتنافى مع مسعاه، لكن الملاحظ أن استباق تلك الأحزاب، الرئيس نفسه، في إعلان ترشحه بطريقة غير مباشرة، يحيل إلى رغبة جامحة من قياداتها في الإبقاء على الوضع القائم، بدعوى تفادي أي سيناريو، ينتهي إلى اضطراب من نوع "الربيع العربي"، لكنه وضع تغترف منه إلى ما لانهاية وتود أن لا يتغير حتى لا يلفظها وضع جديد. على النقيض الأمين العام لحركة النهضة، فاتح ربيعي ل "الخبر" "القول إن بوتفليقة هو الوحيد الذي يصلح للبلاد استهانة بالجزائريين" لماذا تريدون منع الرئيس بوتفليقة من حقه الدستوري في الترشح لانتخابات الرئاسة العام المقبل؟ قضية الرفض نربطها بقضية مبدئية، تتعلق بغلق العهدات وفتحها، الدراسات الحديثة في الدول الديمقراطية تؤكد أن الشخص مهما كان يتمتع بالصحة العقلية والبدنية بعد عهدتين يستنفذ قواه ما يعني أقل من عشر سنوات، ففي 2008، بغض النظر عن هوية الأشخاص، كنا ضد فتح العهدات، فما بالك اليوم والرئيس وضعه الصحي لا يسمح، لقد كنا نتمنى ألا يتم إقحام الرئيس في عهدة ثالثة فما بالك بالرابعة، إننا من الناحية الإنسانية نتمنى له الصحة والعافية، لكننا من الناحية السياسية نرفض الدعوات التي تطلب منه الاستمرار من أجل عهدة رابعة أو تمديد فترة الحكم. لكن قطاعا واسعا من السياسيين وأحزابا، تملك وعاء نضاليا معتبرا، يرون فيه الرجل الوحيد الذي يستجمع شروط المرحلة داخليا وخارجيا؟ لا أعتقد أن مصلحة البلاد العليا هي الحقيقة التي تحرك جزءا كبيرا من المجموعة التي تدعو الرئيس لمواصلة الحكم، في كثير من الأحيان تحركهم المصالح وطلب الاحتماء بالرئيس أو الاستفادة من الريع، بعضهم لا يتصور نفسه بعيدا عن المسؤولية، الجزائر بلد الشهداء واستقلاله يعود لنصف قرن وهو يزخر بالكفاءات، إلا أن هذه النخب ترفض البروز إدراكا منها أن منطق فرض المرشح هو السائد، فالقول إن بوتفليقة هو الأقدر أكذوبة وأغلوطة واستهانة بالشعب الجزائري ومقدراته كأن الجزائر عاقر، أظن جازما أنه لو تعاد الثقة للشعب الجزائري في العملية السياسية ويطمئن أن صوته لن يسرق، ستظهر كفاءات كثيرة لها ما تقدمه للجزائر. إذن ما المانع في مواجهة الرئيس بوتفليقة في انتخابات العام القادم، هل تخشون من شعبيته الجارفة كما يردد أنصاره؟ بغض النظر عن الأسماء، أعتقد أن لا أحد من الأشخاص بإمكانه أن يدعي أن له شعبية أكبر من غيره في ظروف الانتخابات السابقة، ما نطلبه نحن هو أن توفر الأجواء لانتخابات نزيهة وشفافة يحترم فيها صوت الناخب، لكن لحد الساعة لا توجد ضمانات بأن الرئاسيات ستكون ذات مصداقية لسببين: هيمنة الإدارة على العملية، ومن هو موجود على مستوى السلطة سيستعمل كل إمكانات الدولة، فكل ما حدث داخل أحزاب السلطة من تغييرات وشكل الحكومة الأخير وظهور تكتلات مشبوهة وقضية تعديل الدستور قبل الرئاسيات كلها مؤشرات أن الحال باق على ما هو عليه بل سيكون أسوأ من السابق. الجزائر: حاوره عاطف قدادرة برلماني جبهة التحرير الوطني، بهاء الدين طليبة ل "للخبر" "لا أحد غير بوتفليقة يملك شروط المرحلة الحالية لقيادة الجزائر" فئة قليلة تملك النفوذ والمال تمارس ضغطا لبقاء بوتفليقة في الحكم، مع أن حصيلة حكمه سلبية وترفضون التسليم بذلك. لماذا؟ لقد تسلّم بوتفليقة الرئاسة والجزائر تنزف دمًا.. ووعد بتحقيق السلم ونجح... ووعد بالقضاء على الدين الخارجي ونجح... ووعد بإقلاع الماكينة الاقتصادية ونجح... ووعد بالاهتمام بالمواطن الجزائري وفعل ويفعل.. وقام بالعمل على تفعيل الدور الجزائري في المجموعة الدولية وفعل، والمواقف الرسمية الجزائرية من الأحداث في المحيط والجوار القريب أبانت عن صواب الطرح الجزائري وثبات في مبادئ السياسة الخارجية، هذه عناوين "البوتفليقية" التي نسعى بالطرق الديمقراطية لاستمرارها. إن دعم الرئيس لعهدة أخرى قناعة شخصية عبّرت عنها مرارا وتكرارا وكنت سباقا في ذلك، وفي نهاية الأمر الشعب وحده من يملك سلطة اختيار الرئيس. بوتفليقة استمر في الحكم 15 سنة كما أنه عاجز صحيا، أليس هذا كافيا للبحث عن رئيس آخر؟ القرارات الأخيرة للسيد الرئيس والتوجيهات التي أطلقها تظهر مدى المتابعة اليومية والدقيقة منه لمجريات الأمور. فقد حقق الكثير للجزائر والجزائريين، واستمرار عهده معهم سيكون فرصة سانحة للقفز على عثرات الطريق وتصحيح أخطاء العاملين. والمرحلة الحالية بحاجة إلى رجل في حجم "بوتفليقة"... والرجل يملك كثيرا مما سيقدمه للجزائر. والحديث عن المانع الصحي يقرره الأطباء، وإلى أن يثبت العكس الرئيس كأي إنسان مرض وتعافى وهو يباشر مهامه بدون عوائق... إذن فالحديث عن هذا الموضوع هو صيد في الماء العكر... ولا يجوز أخلاقيا... يبدو أن بوتفليقة يريد الاستمرار في الحكم دون الحصول على تزكية شعبية، بدليل ما أجراه من تغييرات داخل الجيش لضمان مشروعه؟ إن الشعب الجزائري بأغلبيته الساحقة الصادقة سوف يمنح الرئيس مرة أخرى أغلبية مطلقة في حال تنظيم رئاسيات 2014 وذلك لأن هذا الشعب قد قطع عهدا بعدم العودة إلى المراهنة بمصير الأجيال القادمة، كما كشف زيف المغامرين والذين يمارسون ما يعتقدون خطأ أنها سياسة داخل الصالونات والغرف المظلمة، والعاجزين عن إقناع حتى أنفسهم والمساهمين في تشتيت جمعياتهم السياسية، وانشطارها بدوافع الطمع والجشع وحب الزعامة فكيف بهؤلاء جميعا أن ينافسوا بوتفليقة وقد كشفت الاستحقاقات المتعاقبة زيف أوهامهم، وضيق أفقهم وضآلة أحجامهم وخطورة ولائهم لغير الوطن؟ أما التغييرات الأخيرة داخل الجيش فأظن أن أبلغ قراءة هي تلك التي قدمتها المؤسسة نفسها... وهنا يهمني القول أن هيبة الرئيس من هيبة الجزائر وهيبة الجيش من هيبة الأمة ككل، لذلك لا يجب "الابتذال" حين تناول الموضوعات الخاصة بالجيش الوطني الشعبي. فأفراد وقادة جيشنا هم حماة أرضنا وعرضنا. الجزائر: حاوره عاطف قدادرة