تعيش الجزائر خلال الفترة الأخيرة على وقع نقاش سياسي حاد، تحضيرًا للانتخابات الرئاسية المرتقبة في 2014، وقبل هذا الموعد بنحو عام تنظم المعارضة صفوفها للوقوف دون ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية رابعة، لأسباب مرتبطة بوضعه الصحي، وبسبب انتشار ظاهرة الفساد خلال فترة حكمه. لكنّ نشطاء آخرين يرون أن دعوة هذه الأحزاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الى عدم الترشح لعهدة رابعة غير مبررة، ولا يمكن منع أي شخص من حقه في الترشح، لأن مصدر السلطة هو الشعب، وعلى الجميع احترام الارادة الشعبية. السجال متواصل وبوتفليقة صامت رغم النقاش الدائر حول الموضوع، الا أن المعني بالأمر أي الرئيس بوتفليقة لم يكشف عن نيته في الترشح من عدمها، وهو الأمر الذي زاد من حدة النقاش بين داعم ورافض. هذه الضبابية في المشهد السياسي المتعلق بانتخابات 2014 الرئاسية، دفعت ببعض الهيئات الى تقديم توقعاتها بشأن هذه المسألة. وفي السياق عينه، توقعت دراسة صادرة عن هيئة ضمان وتأمين التجارة الخارجية الفرنسية "كوفاس" عدم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة، ورغم أنها لم تقدم مؤشرات واضحة وقرائن تثبت ذلك، إلا انها ربطت ذلك بشكوك أمنية تتصل أساسًا بحادثة الاعتداء الارهابي على قاعدة الغاز ب "ان امناس" جنوبالجزائر الى جانب الوضع في منطقة الساحل، وتعد هذه الاشارة الأولى التي تصدر من هيئة خارجية حول الانتخابات الرئاسية المقبلة بالجزائر. المناشدة في الأفق يومية "الخبر" نشرت مؤخرًا تقريرًا نقلاً عن مصدر رفض الكشف عن هويته برئاسة الجمهورية جاء فيه أن "الرئيس بوتفليقة لا يريد عهدة رابعة لأنه غير راضٍ عن أداء وزرائه ولا عن فترة حكمه خلال 14 سنة الماضية"، لكن المصدر ذاته أردف قائلاً "لو طلب منه الجزائريون الاستمرار و ألحوا في ذلك ، سوف يدرس"، وهو الأمر الذي اعتبره متتبعون رسالة مباشرة من طرف هذا المسؤول بالرئاسة لانصار بوتفليقة الى شن حملات دعم ومساندة من أجل ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ما يعني أن بوتفليقة يريد لنفسه عهدة رابعة. ولعل هذه الدعوة الى الدعم والاسناد تأتي بالتزامن مع التحضير للتعديل الدستوري الجديد الذي من المفترض أن يكون قبل نهاية السنة الجارية. سبع سنوات بدل خمس وكانت تقارير سابقة اشارت الى احتمال تمديد الفترة الرئاسية الى سبع سنوات بدل خمس، وذلك يعني استمرار فترة حكم الرئيس بوتفليقة الى غاية 2016، وعدم تنظيم انتخابات رئاسية السنة المقبلة، لكن وزير الداخلية دحو ولد قابلية نفى ذلك في تصريح له بالمناسبة. لكن الأكيد أن النقاش الحالي بمرتبط بما سيحتويه التعديل الدستوري المرتقب، وفي ذلك يقول رئيس البرلمان السابق والمرشح الأقوى لتولي منصب الأمين العام للحزب الحاكم عمار سعداني في تصريحه ل"ايلاف" إنّ "الحديث عن الرئاسيات المقبلة لا ينبغي أن يكون الا بعد أن يتم اقرار التعديل الدستوري المرتقب"، واستغرب سعداني "حدة هذا النقاش في حين أن الأمر مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدستور". ترشيح استباقيّ لكنّ أحزاباً وشخصيات سياسية معارضة استبقت الحدث وراحت تنظم نفسها من اجل الوقوف في وجه الرئيس بوتفليقة دون ترشحه لعهدة رابعة، وأبرز الوجوه كان رئيس الحكومة الأسبق احمد بن بيتور أول شخصية سياسية تعلن ترشحها للرئاسيات المقبلة، والذي شن حملة كبيرة ضد ترشح بوتفليقة وأطلق مؤخرًا مبادرة ضد ترشح بوتفليقة برفقة رئيس حزب جيل جديد سفيان جيلالي. وقال بن بيتور ل"ايلاف" تعليقًا على هذه المبادرة:"على الجزائريين أن يجعلوا من رئاسيات 2014 فرصة لإحداث التغيير السلمي"، وذلك لن يكون حسب بيتور الا عن طريق "تحالف القوى المطالبة بالتغيير والعمل على تجسيد هذا التغيير". أضاف: "التغيير يكون بتجنيد المواطنين حول أربع نقاط اساسية، الأولى تتعلق برفض ترشح الرئيس الحالي لعهدة رئاسية رابعة، وثانيًا رفض تمديد العهدة الرئاسية الحالية، ورفض تعديل الدستور، وأخيرًا رفض التزوير في الانتخابات المقبلة". ووصف بن بيتور فترة حكم الرئيس بوتفليقة على مدار 14 سنة ب"الكارثة" وأضاف بأنه "لو لم يكن للجزائر البترول لكان حالها اسوأ مما هي عليه الآن". دفاعًا عن السيادة والذاكرة صف المعارضين لترشح بوتفليقة امتد ليشمل عشرة أحزاب منضوية تحت لواء ما يسمى ب "مبادرة الدفاع عن السيادة والذاكرة الوطنية"، والتي اتهمت في بيان لها صدر مؤخراً عقب اجتماعها بالجزائر العاصمة، النظام الجزائري ب "الفشل"، وقالت بأنه "مات معنويًا لدى الجزائريين"، وطالبت بانهاء حكم بوتفليقة. وتقول رئيسة حزب العدل والبيان نعيمة صالحي، أحد مكونات المبادرة:" هناك من طالب بإنهاء حكم الرئيس الحالي لسببين، الأول يتعلق بحالة الرئيس الذي هو عاجز عن تسيير شؤون البلاد بسبب تدهور حالته الصحية، والسبب الثاني بسبب انتشار الفساد خلال فترة حكمه ".
ورأت هذه الأحزاب بأن "ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة هو انتحار سياسي لمسيرته السياسية، وخطر على مستقبل البلاد التي تعيش حالة من الانفجار الاجتماعي والانسداد السياسي". حقّ الترشح للجميع في الصف الآخر، قال موسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية المعارضة إنه "لا يدعم الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة"، لكنه يرى أن "من يريد أن يمنع أي أحد من الترشح لأسباب معينة مهما يكن فهو لا يختلف عنه". وأضاف تعليقًا على مبادرة رئيس الحكومة الأسبق احمد بن بيتور" إن كان هناك اتفاق جماعي بأن مصدر كل سلطة هو الشعب، فعلى الجميع احترام الارادة الشعبية، وعلى كل واحد تقع عليه مسؤولية حماية الشعب من الأبوة المسلطة عليه، أعتقد أن السجال الحاصل بين بعض الأحزاب والشخصيات بخصوص عدم ترشح الرئيس بوتفليقة أو منعه من ذلك، يعكس ارادة كل طرف في خدمة مصالحه الشخصية، وليس مصلحة الشعب". ووسط هذا النقاش الحاد تغيب رؤية احزاب السلطة ،وهي حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي التي تعيش على وقع صراعات داخلية، خاصة بعد أن تم اسقاط كل من عبد العزيز بلخادم على رأس حزب جبهة التحرير الوطني، وأحمد اويحي على رأس التجمع الوطني الديمقراطي. ويرى متابعون أن ازمة هذه الأحزاب مرتبطة بانتخابات 2014، وتحديدًا برغبة كل من اويحي وبلخادم الترشح لمنصب الرئيس، لأجل ذلك تم اسقاطهم قبل هذا الموعد.