شهدت تونس في الأيام الأخيرة موجة جديدة من الإرهاب، تمثلت بانتحال صفة رجال الأمن لتنفيذ أعمال عنف ضد المواطنين، حيث شيع الآلاف من التونسيين يوم أمس في مدينة جندوبة (شمال غرب) شهداء العملية الإرهابية، التي وقعت أول من أمس، في منطقة أولاد مناع وذهب ضحيتها أربعة مواطنين من بينهم مدني وثلاثة من الحرس الوطني. وكان ثلاثة تونسيين وأجنبيان، يُرجح أنهما جزائريان، قد نصبوا كميناً للضحايا وقتلوهم، حسبما أفاد بيان وزارة الداخلية. وجاء في البيان أنّه يوم 16 شباط الجاري، وإثر توافر معلومات عن قيام مجموعة من الأشخاص بقطع الطريق والسلب بالقوة في منطقة أولاد مناع في محافظة جندوبة، توجهت دورية من الحرس الوطني إلى المكان. وحال وصولها فتح أربعة عناصر إرهابية النار بكثافة مباشرة صوب رجال الأمن، ما أدى إلى مقتل اثنين وجرح ضابط. وأضاف بلاغ الداخلية: «وبتوجيه تعزيزات أمنية تبيّن أنّ نفس المجموعة الإرهابية أوقفت في وقت سابق سيارة على متنها ضابط في الحماية المدنية برفقة مواطنين ورجل أمن وتمّ إطلاق النار عليهم، ما أدى إلى مقتل العريف أوّل عصام المشرقي والمواطن محمد علي اللقطي وإصابة مرافقيهما بجراح». هذه العملية جاءت بعد أسبوع من نجاح قوات خاصة من الحرس الوطني في القبض على خلية إرهابية في حيّ النسيم من مدينة اريانة شمال العاصمة. خلية كانت تضم عناصر خطرين جداً، من بينهم متورط في اغتيال القيادي الناصري محمد البراهمي، هو معروف ب«الصومالي». ونجحت القوات الخاصة أيضاً في نفس الضاحية في القضاء على خلية أخرى تضم سبعة عناصر، من بينهم المتهم الرئيسي في اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد قبل عام. وجاءت العملية الإرهابية في قرية أولاد مناع أول من أمس، رداً على الضربات القوية التي وجهها الأمن التونسي للخلايا الإرهابية وتشديد الخناق على المسلحين في جبل الشعانبي على الحدود التونسيةالجزائرية. وسجلت هذه العملية تطوراً نوعياً في العمليات الإرهابية؛ إذ اعتمد الإرهابيون أسلوب انتحال شخصيات عناصر الحرس الوطني بارتداء بزّات عسكرية مشابهة، والقيام بدورية وهمية، وهو نفس الأسلوب الذي اعتمده الإرهابيون في الجزائر في التسعينيات. الجريمة الإرهابية هزّت الشارع التونسي الذي بدأ يتفاءل بعد نجاحات الأمن في تفكيك الخلايا الإرهابية، وبعد ارتفاع مؤشر البورصة وارتفاع قيمة الدينار. تطورات ظهرت بعد مغادرة حركة النهضة للحكم. وتجدد الجدل في الشارع السياسي بعد هذه العملية حول مسؤولية «النهضة» في توفير الأرضية الملائمة للإرهاب من خلال التعيينات في وزارة الداخلية والسيطرة على المساجد ونشر الثقافة التكفيرية، التي تمثل مصدر الإرهاب الأساسي. من جهتها، اتهمت الأحزاب السياسية، وخاصة الجبهة الشعبية وحزب المسار الديموقراطي الاجتماعي، حكومة الترويكا السابقة بتوفير التربة الخصبة لانتعاش الإرهاب، عبر تكديس السلاح والمواد التي تستعمل في صنع المتفجرات وتسهيل تحركات العناصر المطلوبين للقضاء المتهم بالتواطؤ مع الإرهابيين؛ إذ تبين أن بعض منفذي جريمة أول من أمس، قُبض عليهم في عمليات اعتداء على مراكز أمنية، لكن أُطلق سراحهم. وجدد الاتحاد العام التونسي للشغل والجبهة الشعبية ونداء تونس مطلب مراجعة التعيينات في وزارة الداخلية بشكل فوري، حتى يستعيد الجهاز الأمني نجاعته، وكذلك تحييد المساجد. كذلك طالبت نقابات الأمن وزير الداخلية لطفي بن جدو، بمراجعة التعيينات، وهو الشرط الذي قدّمته النقابات مقابل دعمه في الحفاظ على منصبه في الحكومة الجديدة. وتزامن هذا الجدل في مسؤولية الحكومة السابقة وحركة النهضة عن تقديم غطاء سياسي للإرهاب مع دعوات لإقالة الرئيس المؤقت محمد منصف المرزوقي، إذا كان ينوي الترشح للانتخابات المقبلة. وقد صدرت هذه الدعوات حتى من حلفائه مثل «النهضة» وحزب التكتل من أجل العمل والحريات، وذلك حتى يكون للمرشحين نفس الحظوظ، وأن ينطلقوا من نقطة واحدة، حسبما قال رئيس المجلس الوطني التأسيسي، مصطفى بن جعفر، قبل أيام. لكن أنصار الرئيس ومستشاريه رفضوا رفضاً مطلقاً استقالة المرزوقي، مؤكدين أنه سيترشّح من دون أن يستقيل. ويبدو أن هذه القضية ستكون لها تفاعلات كبيرة في الأسابيع المقبلة. وفي انتظار ما ستنتهي إليه قضية استقالة المرزوقي، انطلق المجلس التأسيسي في مناقشة القانون الانتخابي وسط تجاذبات بين الكتل؛ إذ يسعى نواب «التكتل» و«المؤتمر» وحركة وفاء وحزب التيار الديموقراطي وبعض المستقلّين، إلى فرض فصل يُبعَد بموجبه أنصار النظام السابق من الترشح للانتخابات.