احتشدت المعارضة العلمانية وخصومها من الاسلاميين في شوارع تونس امس الثلاثاء في استعراض جديد للقوة بينما يستمر التوتر السياسي غير المسبوق في البلاد منذ اغتيال المعارض محمد البراهمي قبل ثلاثة اسابيع فيما اجرى الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) مفاوضات الاثنين مع حركة النهضة الاسلامية الحاكمة لايجاد حل للأزمة السياسية في تونس، من دون أن يتوصلا إلى نتائج. اما على الصعيد الامني فقد اصيب دركيان تونسيان قرب الحدود الجزائرية بعد هجوم تعرضوا له من قبل مسلحين يعتقد ان لهم صلة بتنظيم القاعدة. وكانت المعارضة العلمانية الغاضبة من اغتيال قياديين منها قد دعت الى مظاهرة حاشدة امس الثلاثاء في ذكرى الاحتفال بعيد المرأة في تصعيد للضغوط على الحكومة التي يقودها اسلاميون ومطالبتها بالاستقالة وحل المجلس التأسيسي المكلف بصياغة الدستور. الاحتكام للشارع يستمر بينما لاتزال الازمة السياسية التي فجرها اغتيال المعارض محمد البراهمي في 25 يوليو/ تموز الماضي دون حل وسط تشبث طرفي الصراع بموقفيهما. وترفض حركة النهضة الاسلامية اقالة رئيس الوزراء وحل المجلس التأسيسي وقالت انهما خط احمر. وكانت حركة النهضة قد دعت انصارها الى مظاهرة ايضا بمناسبة عيد المرأة في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة ولكن ايضا لاظهار حجم التأييد الشعبي الذي تحظى به. وبينما يتزايد التباعد والخلاف بين الاسلاميين والعلمانيين في تونس تتزايد المخاوف من امكانية تكرار السيناريو المصري حيث تمكنت المعارضة من اسقاط مرسي بدعم من الجيش. ويخشى التونسيون من ان استمرار النزول للشوارع قد يتحول الى صدامات بين مؤيدي ومعارضي الحكومة خصوصا ان مئات من انصار مؤيدي النهضة معتصمين بساحة باردو منذ اسابيع. وقال المحلل السياسي سفيان بن حميدة ‘اذا استمر الانسداد السياسي فهناك خشية من انتقال المواجهات في الشارع.' وفي مؤشر على تفاقم الازمة دخلت واشنطن الاثنين على الخط والتقى السفير الامريكي في تونس رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي وهما الطرفان الاساسيان في الصراع في مسعى لايجاد حل للازمة المتفاقمة وتقليص الهوة بين الاسلاميين وخصومهم. والاسبوع الماضي حشدت المعارضة عشرات الالاف من انصارها بعد ايام قليلة من مظاهرة ضخمة للاسلاميين شارك فيها حوالى 150 الفا. وقال نجيب الشابي وهو قيادي بارز في الحزب الجمهوري المعارض ‘مظاهرة اليوم يجب ان تكون رسالة يتعين على حركة النهضة ان تفهمها جيدا.' وشارك الاتحاد العام التونسي للشغل في مظاهرة المعارضة احتفالا بعيد المرأة. ويرى البعض في المشاركة قربا اكثر من المعارضة. وفي مصر حدد النفوذ العسكري مصير حكومة الإسلاميين لكن في تونس قد يتضح أن نفوذ الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يضم 600 ألف عضو هو عامل الحسم. فإضراب يوم واحد يمكن ان يكلف البلاد مئات الملايين من الدولارات. وقد يكون الجيش التونسي لعب دورا في الإطاحة بزين العابدين بن علي برفضه إطلاق النار على المتظاهرين لكنه على عكس الجيش المصري لم يتدخل في السياسة. وجيش تونس ليس أمامه خيوط تذكر يمكنه جذبها كما انه على عكس الجيش المصري لا يتمتع بمزايا اقتصادية يسعى لحمايتها. وقاد المفاوضات التي استمرت نحو اربع ساعات حسين العباسي الامين العام لاتحاد الشغل وراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة. واثر اللقاء، قال الغنوشي ان الجانبين بحثا ‘مبادرة' أطلقها الاتحاد لاخراج تونس من الازمة السياسية و'اتفقا على مواصلة التشاور في اقرب وقت ممكن، ربما الاربعاء. من ناحيته قال العباسي إن ‘مبادرة' الاتحاد ‘تواجه صعوبات' بسبب ‘تمسك' كل من الحكومة والمعارضة بمواقفه. واوضح ان المعارضة تطالب بحل المجلس التأسيسي (البرلمان) والحكومة التي تقودها النهضة، وبتشكيل حكومة كفاءات غير متحزبة في حين ترفض حركة النهضة هذه المطالب وتقترح توسيع الحكومة الحالية. وقال ان مبادرة الاتحاد ‘أمسكت العصا من الوسط' والاتحاد ‘سيعمل على الضغط على الطرفين' (المعارضة والحكومة). وتعيش تونس ازمة سياسية حادة منذ اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي الذي قتل بالرصاص امام منزله في العاصمة تونس يوم 25 تموز/يوليو. وتأججت الازمة بعدما قتل مسلحون في 29 تموز/يوليو ثمانية جنود ونكلوا بجثثهم في جبل الشعانبي (وسط غرب) على الحدود مع الجزائر. والثلاثاء الماضي، اعلن مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التاسيسي (البرلمان) والامين العام لحزب ‘التكتل' أحد الشريكين العلمانيين في الحكم لحركة النهضة، تعليق أعمال المجلس الى اجل غير مسمى لاطلاق ‘حوار' بين الفرقاء السياسيين. ودعا بن جعفر اتحاد الشغل الى أن ‘يقوم بدور لجمع الاطراف حول طاولة الحوار' على اساس مبادرة اطلقها الاتحاد في 29 تموز/يوليو. ودعا الاتحاد في هذه المبادرة الى ‘حل الحكومة الحالية (التي يرأسها الاسلامي علي العريض) والتوافق على شخصية وطنية مستقلة تكلف بتشكيل حكومة كفاءات على أن تكون محايدة ومحدودة العدد وتتكون من شخصيات مستقلة يلتزم أعضاؤها بعدم الترشح إلى الانتخابات القادمة'. وطالب ب ‘مراجعة كل التعيينات (الحكومية) في أجهزة الدولة والإدارة محليا وجهويا ومركزيا وعلى المستوى الدبلوماسي' و'تحييد الإدارة والمؤسسات التربوية والجامعية والفضاءات الثقافية ودور العبادة، والنأي بها عن كل توظيف وعن السجالات السياسية والتجاذبات الحزبية وسن قوانين رادعة تحقق هذه الغايات'. وأوصى بإقرار ‘قانون مكافحة الإرهاب واشراك النقابات الأمنية في إصلاح المنظومة الأمنية' و'تشكيل هيئة وطنية للتحقيق في الاغتيالات وفي جرائم الإرهاب والعنف وكشف الحقيقة في اغتيال القادة السياسيين وجنودنا ورجال أمننا البواسل وذلك برفع العراقيل أمام البحث في هذه الجرائم السياسية والإرهابية'.وطالب ب ‘حل ما يسمى ‘روابط حماية الثورة' ومتابعة من اقترف منها جرما أو اعتداء'. على الصعيد الامني أصيب عنصران في جهاز الحرس الوطني (الدرك) بجروح ‘طفيفة' ليل الاثنين الثلاثاء عندما هاجم مسلحون مركزا للحرس على الحدود مع الجزائر، على ما افاد مصدر امني مراسل فرانس برس. وقال المصدر ان ‘ارهابيين' أطلقوا النار باتجاه مركز للحرس في منطقة ام الظفا بمعتمدية حيدرة من ولاية القصرين (وسط غرب) ثم هربوا نحو غابة قريبة مضيفا ان السلطات دفعت بتعزيزات امنية لتعقبهم. واطلق الجيش التونسي قبل اسبوعين عملية عسكرية واسعة النطاق في جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر للقضاء على ‘ارهابيين' قتلوا في 29 تموز/يوليو الماضي ثمانية عسكريين وجردوهم من اسلحتهم وملابسهم النظامية. وذبح المسلحون خمسة من العسكريين الثمانية حسبما اعلن القضاء التونسي. ومنذ كانون الاول/يناير 2012 تمشط قوات الجيش والأمن جبل الشعانبي بحثا عن مسلحين قتلوا في العاشر من الشهر نفسه عنصرا في جهاز الحرس الوطني (الدرك) في قرية درناية بمعتمدية فريانة الجبلية من ولاية القصرين. وخلال عمليات التمشيط قتل جنديان وأصيب ثمانية آخرون (اثنان بترت ارجلهما). كما اصيب عشرة من عناصر الحرس الوطني (ثلاثة بترت ارجلهم وآخر أصيب بالعمى) وراعي أغنام في انفجار ستة ألغام زرعها المسلحون في جبل الشعانبي. وانفجرت الالغام في الفترة ما بين 29 نيسان/أبريل الماضي و11 يونيو/حزيران الماضي. وفي الثاني من يونيو/حزيران قتل جنود بطريق الخطأ زميلا لهم في جبل الشعانبي خلال عملية تمشيط. واعلنت وزارة الداخلية ان المسلحين المتحصنين بجبل الشعانبي ينتمون الى ‘كتيبة عقبة بن نافع′ المرتبطة يتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي.