ما هي الرسالة التي أراد مفجرو مطعم الأركانة بمراكش إيصالها الى المغاربة؟ وما هي الترجمة السياسية للعبوة الناسفة التي قتلت 16 بريئا يوم الخميس الماضي في ساحة جامع الفنا؟ وهل رسالتهم وصلت؟ وهل أهدافها تحققت؟ وضع قنبلة بمطعم بمراكش عاصمة السياحة بالمملكة يعني ان الجهة التي تقف وراء الانفجار تريد ضرب السياحة المغربية، المصدر الثاني للعملة الصعبة في المغرب وأحد القطاعات الإستراتيجية في النموذج الاقتصادي المغربي، أي أن انفجار الاركانة يريد ان يضرب المغرب في الأماكن الحساسة التي تؤلمه. ثانيا، قتل أجانب معناه المس بصورة المغرب في الخارج، وإظهار أن البلاد غير آمنة، وأن استقرارها شكلي، وأنها لا تختلف عن العراق وباكستان واليمن والجزائر وكل النقط السوداء على الخريطة العالمية. توقيت العملية الهدف من وراء اختياره واضح، وهو ضرب أسلوب المغرب الخاص في التعامل مع عواصف الثورات التي تضرب العالم العربي، أي وقف مسلسل الإصلاحات وبالتالي تأزيم الوضع، ودفع السلطة الى الباب المسدود، عن طريق تشجيع المقاربة الأمنية عوض المقاربة السياسية في التعاطي مع مطالب الشارع. عدم تبني أي جهة للعملية الإرهابية معناه الخوف من وصول أجهزة الأمن الى العقول المدبرة، أو أن الذين يقفون وراء العملية ليست لهم رسائل واضحة، أو لا يريدون ان يفصحوا عن أهدافهم حتى لا توظف ضدهم، وأن يترك المجال مفتوحا للتأويلات وللشكوك في وجود جهات داخلية وراء العملية. لابد من انتظار نتائج التحقيق للوصول الى خلاصات دقيقة واستنتاجات منطقية، لكن هذا لا يمنع من القول بأن ردود الفعل الأولية للشارع، كما السلطة، تسمح بالقول إن رسالة الأركانة لم تحقق أهدافها، نعم كانت ضربة مؤلمة وفي اماكن حساسة، وفي ظرفية صعبة، لكنها لم تحقق المراد منها. ومع ذلك لابد من القول إن المغرب مطالب بنقاش عميق حول مستقبل خططه الأمنية، وبنيته الاستخباراتية، واستعداداته اللوجستيكية لحماية سلامة البلاد والعباد من ظاهرة اسمها الإرهاب، التي لم تعد تقتصر على بلد دون آخر، ولا على مجتمع دون آخر. لقد رأينا دولا عدة استطاعت أن تقطع رأس الإرهاب، وأن تمنع تكرار عملياته فوق أراضيها، مثل ما وقع في أمريكا وبريطانيا واسبانيا وفرنسا حتى تركيا وتونس. كل هذه الدول نجحت بطريقة او بأخرى في الحد من حرية حركة الإرهابيين، وهو ما لم نستطع نحن تحقيقه منذ 16 ماي 2003، رغم القبضة الأمنية التي استعملها الجنرال حميدو العنيكري في مواجهة العمليات الاولى للارهاب. لقد تكررت التفجيرات مرات عدة، وبنفس الأسلوب تقريبا، في 11 مارس 2007 في سيدي مومن، وفي 10 ابريل 2007 في حي الفرح، و14 ابريل أمام القنصلية الأمريكية في الدارالبيضاء، وفي 13 غشت 2007 في مكناس، ثم الآن في 28 ابريل في مراكش. طيلة السنوات السبع الماضية لم تتوقف المحاكمات، وأخبار تفكيك الخلايا النائمة والمستيقظة، ومع ذلك لم تنج البلاد من نار الإرهاب، وهذا يعني شيئين: أولا: إن المغرب يتوفر على بيئة نموذجية ينبت فيها التطرف والعنف بسهولة، وهذه البيئة تتوفر على قدرة عالية على استقطاب الانتحاريين ودفعهم الى قتل أنفسهم وقتل الآخرين، ولهذه البيئة أسباب عدة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. ثانيا: يظهر ان أجهزة الأمن بكل فروعها لم تصل بعد الى وضع خطة أمنية ناجعة للتصدي للإرهاب، وهذا العجز النسبي مرده أمران: من جهة، هناك ضعف في الإمكانيات المادية المرصودة لعمل هذه الأجهزة في محاربة الإرهاب التي تتطلب أموالا كثيرة، وعقولا كبيرة، وإدارة محكمة، ومن جهة ثانية عجز أجهزة الأمن في للتصدي للإرهاب ناتج عن غياب آلية المحاسبة ومؤسسات التقييم والمراجعة التي تحتاجها السياسات العمومية، أكانت أمنية أو غير أمنية.