سفير فرنسا: باريس تعتزم جلب رؤوس الأموال إلى الصحراء المغربية    انعقاد الاجتماع الخامس للجنة العسكرية المختلطة المغربية – الموريتانية    نظام الجزائر على شفا الهاوية.. هل تقترب لحظة الحسم؟    الركراكي يستدعي بلحيان لتعويض ريتشارسون المصاب        الحكومة تخصص 14 مليار درهم في مالية 2025 لاحداث مناصب الشغل    اختتام فعاليات الدورة السابعة من مهرجان القصبة للفيلم القصير    فتاح: الحكومة "متفائلة جدا" بشأن النمو الاقتصادي في 2025    لقجع: أسعار بعض الأدوية في المغرب مضاعفة 5 مرات ونرفض الاحتكار وفرض أثمنة مرتفعة بحجة "الصناعة الوطنية"    وزارة التربية الوطنية ترخص للأساتذة تقديم ساعات إضافية في المدارس الخصوصية    المغرب يجدد التأكيد أمام مجلس السلم والأمن على دعمه لعملية سياسية شاملة في ليبيا    هيئة رئاسة فرق الأغلبية تتجاهل المبادرة البرلمانية لتقريب وجهات النظر بين وزير العدل والمحامين    الأحمر يُوشّح تداولات بورصة الدار البيضاء    الحرس المدني الإسباني يحجز أكثر من 4.7 أطنان من الحشيش بالتعاون مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    مباراة المغرب و الغابون.. تغييرات في اللائحة الجديدة للأسود    عاجل.. تأجيل محاكمة إلياس المالكي لهذا السبب    "أكديطال" تنخرط في مشروع للطب 4.0    يوعابد: العاصفة الجوية "دانا" ستؤثر على المغرب ولكن بكيفية ضعيفة    منيب: المهداوي مظلوم والمغرب يعيش تكميم الأفواه بكل الطرق    المرض يُغيب المالكي عن المحكمة .. والدفاع يرفض المزايدة بالأمازيغية    أوجار يشيد بجهود الحكومة في تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية كما أرادها جلالة الملك    لقاء مغربي إسباني بالرباط لبحث سبل تأهيل وتحديث قطاع اللحوم الحمراء    تقديم كتاب بجنيف عن صحراء المغرب    إتحاد طنجة يبحث عن ملعب لاستضافة المغرب التطواني بدلا من ملعب سانية الرمل    سبتة تطالب مدريد بالدعم المالي للتعامل مع قضية القاصرين في المدينة    وزير النقل يريد ربط الحسيمة بخدمات القطار بدون سكة حديدية!    حملة توعية بضرورة الكشف المبكر عن سرطان الرئة    "تصريح خطير".. وزير المالية الإسرائيلي: 2025 هو "عام السيطرة" على الضفة الغربية    "لارام" تورط جامعة كرة القدم في حفل "سخيف" لتقديم قميص المنتخب الوطني    مجلس عمالة الدار البيضاء يخصص 150 مليون لكل من الرجاء والوداد    التغير المناخي يهدد حياة اللاجئين في مناطق النزاع والكوارث الطبيعية        الجيش الإسرائيلي يعلن فتح معبر جديد لدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    تقارير.. المغرب من أكبر مستوردي الأدوية الروسية في إفريقيا    كيوسك الثلاثاء | الوقاية المدنية أنقذت أزيد من 25 ألف شخص من الغرق في 2024    التمسماني: طنجة كانت وستظل مثالًا يحتذى به في احترام التنوع الثقافي والرياضي    ألباريس: المغرب بلد صديق وشريك استراتيجي لإسبانيا    الدولار إلى أعلى مستوى خلال أربعة أشهر    أخنوش أمام قمة الرياض: جلالة الملك يضع القضية الفلسطينية ضمن ثوابت السياسة الخارجية للمملكة    قمة الرياض تؤكد على مركزية القضية الفلسطينية            بروفايل |يوسي بن دافيد.. قائد دبابة "ميركافا" بجيش الإحتلال على رأس "مكتب الاتصال الإسرائيلي" في الرباط    تحسين ظروف السكن ل16 ألف و300 أسرة كمعدل سنوي خلال الولاية الحكومية الحالية    التصفيات الإفريقية تقترب من الحسم    مقتل 4 جنود إسرائيليين شمال قطاع غزة    دراسة: تناول الدهون الصحية يقلل من احتمالات الإصابة بالسرطان    الصين تطلق بنجاح صاروخا تجاريا على متنه 15 قمرا اصطناعيا    طنجة تحتضن فعاليات الدورة الأولى لملتقى الزجل والفنون    قمة الرياض مكرر.. كل شيء تغير، ولا شيء تغير ..    علاج واعد جديد لفقدان السمع المفاجئ الحاد    خلط في خبر وفاة محمد المسيح وشقيقه عبد الاله    نصائح للوقاية من آلام الظهر والرقبة بسبب الجلوس لفترات طويلة    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنية الخطاب الشعري وتجليات المعنى الثالث :انزياحات المخاطب والمكان في ديوان مليكةالجباري
نشر في العرائش أنفو يوم 23 - 01 - 2017


بنية الخطاب الشعري وتجليات المعنى الثالث :
انزياحات المخاطب والمكان
في ديوان : "في قلب العاصفة " للشاعرة " مليكة الجباري"

الميلودي الوريدي
الشعر شعر وما يميزه هو الخطاب الشعري الذي يتحول طبقا لمبدأ " بول ريكور " إلى نص تغدو صيرورته التداولية مشروطة باكتمال الدقة الثلاثية ك (دقة الفهم ، دقة التفسير ، ودقة التصور ) ... ومنه يصبح الخطاب شكلا تفاعليا وليس نصا لغويا مسطحا ولا ثابتا ، وبالتالي تتحدد قيمته على أساس قدرته الحوارية داخل فضاء تحقق فيه العلامة الدلالية قيمتها الوظيفية التي تتجسد عند (المخاطِب ) كوظيفة تعبيرية وعند ( المخاطَب ) كوظيفة إفهامية ، وضمن (السياق أو المقام ) كوظيفة مرجعية نسقية ، ومن هذه الوظائف تتحقق وظيفية الخطاب الشعرية أو الإنشائية ...
ولتأصيل هذا المفهوم داخل إطار الشعرية العربية – ما دام الشعر ابن اللغة التي يكتب بها – لا بد أن نستند إلى تعريف ابن قتيبة القائل للشعر الجيد : وهو ( ما حسن لفظه وجاد معناه ) وهو التعريف الذي استند عليه المحدثون في بناء مفهوم الشعرية موازاة مع اشتراط مبدأ " الانفعال المدرب الذي يتميز به الشاعر المجيد دون غيره ممن لم يراوح شعرهم التوسط او الرداءة ، فكان الشعر عند صلاح عبد الصبور هو " الصوت المنفعل " وعلة الموسيقى عنده أن الانفعال عندما يصل إلى مداه ورد مورد التنغيم ... أو ما يسمى نقدا ب" الإيقاع " بمفهومه الواسع طبعا ، ونقصد به المفهوم الأشمل الذي يسعى إلى استثمار كل الطاقات الصوتية والدلالية والبلاغية بدافع من تعقد التجربة الشعرية وعمقها ، مع ما يفرضه العمق من توجه إلى المستويات الدلالية العميقة قبل السطحية ...
من هنا كان لا بد من ربط الإحسان والإجادة بأصولهما الجمالية ومعاييرها النقدية القائمة على تحقق عناصر الجمال الكامنة في الموضوع من جهة الشكل كالدقة والجودة والتناسب والإتقان، والتوافق والإيقاع المنسجم مع التراكيب والألفاظ، والصور الموحية الموَشَّاة.لكننا سنطمئن إلى رؤية" آن سوريو " في مقولته الجمالية القائلة بانسجام النموذج الانطباعي والنموذج الانفعالي والتنظيم الموضوعي الداخلي لعناصر العمل الفني المكونة من مجموع المتطلبات المحققة للذة النص الشعري وإمتاعه ، وهي المتطلبات التي سنستهلها ببنية المتعاليات النصية :
بنية المتعاليات النصية في الديوان :
وأول ما يثيرنا منها العتبة الغلافية ( في قلب العاصفة ) وهي حسب منطوقها جملة إنشائية غير تامة المعنى ، لا تستقيم إلا على التقدير والتأويل والتوليد ، ما دامت خبرا لمبتدأ محذوف جوازا يمكن تقديره –بما أننا أمام خطاب شعري – ب: " أنا في قلب العاصفة " لكننا قد نتمادى في تدبر المعنى المشاع على الجنسية ليصح التقدير ب" نساء في قلب العاصفة " ...ومع ذلك نجد أنفسنا أمام تحد دلالي طرفاه الرمز ودلالته ، فمن ناحية أولى نلاحظ أن لفظة " قلب " مسبوقة بحرف الجر " في " الذي لا يعدو معناه " ظرفية مكانية " يختص المبتدأ المحذوف بالوجود في مشمولها – وهنا قلب العاصفة - ... أما العاصفة كرمز أيقوني فاحتمالاتها الدلالية واسعة ومتجذرة في بنية الوجدان والعقل الإنسانيين لعلمنا أن العواصف كانت في البدْء الحافز والداعي لنزوع الإنسان إلى تجاوز المعقولات في اتجاه المظنونات الغيبية (الخرافة ، الأسطورة ، الخيال ، السحر ، الموسيقى، الشعر ...) كتفاسير موازية للوقائع الطبيعية المعجزة ... ومن هذه الاحتمالات الدلالية التي يؤديها رمز " العاصفة " : (الخوف ، الضعف ، العجز ، الشك ، الحيرة ، الرغبة في الاحتماء ، الشعور بالانقلاع ، الوحدة ، الانهزام ، الصراع ، التأرجح بين الاستسلام والمقاومة ، السواد ، المأساة ، الظلام ، الاغتراب ....) وبما ان العاصفة كانت ولا زالت رافدا من روافد المتخيل الأدبي أرى لزاما الإشارة إلى تناصات عتبة الديوان ، فهي من حيث المنطوق تتناص تناصا شاملا مع عنوان كتاب يحمل نفس الوسم ل"جورج تينيت " رئيس المخابرات المركزية الأمريكية ، والذي يصف فيه الخوف والرعب الأمريكي الذي كرسته هجمات 11 شتنبر(كعاصفة إيديولوجية ) ... ويتناص جزئيا مع قصة الشاعر والأديب " سهيل عيساوي " (قبطان في قلب العاصفة ) الذي يصور الهروب الجماعي من الظلم والفقر والبؤس في اتجاه المجهول الأرحم ... ويتناص دلاليا تبعا لتقديرنا للعتبة أيضا مع المجموعة القصصية "أنثى في قلب العاصفة " لشادن المحاميد التي تصور فيه عاصفة من الأحداث المتداخلة تعيشها الأنثى بكل تناقضاتها وتداعياتها كنتيجة للتصدعات الانفعالية والاحتراقات الداخلية المجسدة لحالة الصراع المقيم ، والبحث الدائم عن الذات المشروخة في نشدانها عالما إنسانيا إيجابيا يحاكي عوالم إفلاطون المثالية ....
بقي أخيرا أن نشير في مقاربة العتبة الإشكالية إلى انزياح شعري مجازي لا يقارب إلا عقلا ويتجلى في أنسنة العاصفة بوصفها جسدا له قلب ترى الشاعرة أنه الملجأ الذي يؤسس للمفارقة الشعرية الدرامية التي يتساوى عبرها التهديد بأسباب الخلاص ، فيصبح مصدر الخوف هو نفسه مصدر القوة ... لكن ذلك لا يتم إلا بالالتفات لظاهرة بلاغية سماها فقهاء البلاغة ب: التناوب الدلالي للحروف أو تبادل الحروف على المعنى ، ومفاده عند أهل الكوفة ، أن قصر حرف الجر على معنى حقيقي واحد وإخراجه مما يدخل فيه غيره من المعنى تعسف غير داع ..وشواهده في القرآن اكريم متعددة ومتمنعة عن الحصر نكتفي في إيضاحه بقوله تعالى : (فخرج على قومه في زينته ) أي مع زينته .. وفيه تبادل ( في ) التي تفيد حسب الجرجاني " الوعاء والتضمين والظرفية " حرف الجر (مع ) الدال على المصاحبة ، والواضح أنه بالإمكان مبادلة (في ) ب(من ) ليتحقق معنى ثالثا للعتبة الغلافية يقدر على ( قصائد من قلب العاصفة ) ... وبعد هذا الغوص في العتبة الإشكالية ، نخلص إلى وظيفة التعتيب كما أسس له النقاد في اشتراط انسحابه على مقصود النص لنجد أن دلالة النصوص تتلاقى تصريحا مع دلالة العتبة الغلافية كما هو ملاحظ في : ( أيها الظلم ، تسألني أين أكون ، حيرة ، حلم ضائع ، مغتربة ، لغة الظلام ، إنسانيتي تئن ، زفرات ، قيودي ....) كما تتلاقى تلميحا مع بقية عتبات النصوص ...
شعرية الصورة :
تنطلق الفلسفة الظاهراتية منأن الشئ لا يمكن إدراك وجوده إلا بعد أن يدخل حيز وعينا كتجربة حية في الشعور . ونحن كذلك علينا أن نلجأ في مقاربتنا النقدية إلى
ظاهراتية الخيال. وهذا يعني دراسة ظاهرية الصورة الشعرية حين تنتقل إلى الوعي كنتاج
مباشر للقلب والروح والوجود الإنساني، وهي مدركة في حقيقة هذا الوجود. وبما أن الشعر
من منظورنا هو ظاهراتية الروح أكثر من كونه ظاهراتية العقل ، وأن الشعور هو أول تجل
لالتزام الروح ، وأن هناك قوى تتبدى في الأشعار لا تمر عبر دوائر المعرفة المغلقة.وأن
كل ما يحتاجه بناء صورة شعرية هو ومضة روح .. ومن هذا المبدأ تنطلق الشاعرة " مليكة الجباري " لبناء صورها الشعرية منذ العتبة إلى آخر شطر في الديوان ،والصورة عندها تستطيع في وقت وجيز أن تبدو كأنها تكثيف للروح في كليتها ، ففي قولها من قصيدة أعشق حلمي : يقرأ جزء من القصيدة ص(8)
من هذه الصورة التي من الواضح أنها ليست نتاج تخطيط مسبق ، والتي يبدو جليا أنها لا تمر من دوائر المعرفة المستغلقة ، بل هي استرخاء عفوي لالتزام الروح الشفافة المطلة على براءة الوجود البسيط ( بيت ، أرجوحة ، لعبة ، مدفأة ، حطب ، خبز ، أستاذة ، ) وكلها تصلح لتكون موتيفات أو صانعة لموتيف أقوى مجسد في ختم الصورة ( كان حلمي الجميل ) فالحلم الجميل يستدرجنا لنشعر بالطاقة الشعرية التي ترتفع ببراءة في داخلنا بعد الترجيع الأصلي،فنحن كقراء نستطيع أن نعيش تجربة الرنين وترجيع الصدى وذكريات ماضينا. بفعل هذه الصورة الشعرية التي لمست الأعماق قبل أن تحرِّك السطح. لتصبح وجودًا جديدًا في لغة الشاعرة ، يعبر عنا بتحويل "أنا الشاعرة " إلى ما تعبر عنه. هنا تخلق الصورة الوجود.و العبارة الأخيرة تحدد مستوى الأنطولوجيا التي نسعى إليها، وعمومًا فإنني أعتقد أن كل ما هو إنساني بالتحديد في الإنسان هو (لوغوس). ونحن لا نستطيع أن نتأمل في المنطقة السابقة على اللغة، ولكن حتى لو بدت هذه المقولة كرفض لعمق أنطولوجي فيمكن اعتبارها، على الأقل، مقولة افتراضية تناسب موضوع الخيال الشعري وتتلخص في نوستالجيا الهروب من تعقيد العالم إلى نوستالجيا الوجود في بساطة الذكرى أو الهروب من العاصفة إلى الحلم الكبير .. وهذا ما تؤكده الصورة الرديفة في نفس القصيدة : يقرأ جزء من نفس القصيدة ص 9:
وهنا لا تفعل الشاعرة أكثر من استدراجنا إلى الإعجاب الذي يتجاوز سلبية الموقف الانفعالي التأملي ، فتبدو متعة القراءة انعكاسا حتميا لمتعة الكتابة ( أو بمعنى أصح ) الانكتاب ، ونصبح كأننا أشباح للشاعرة ... نصوغ المقارنة والمفاضلة عينها بين فناء الدار الذي كان وطنا كبيرا ... نبئره عبر ثقب السور .. ونختزل وجودنا عبر دوال الشاعرة ( القفز ، التمر ، الحلوى ) إلى أن تصيبنا الغصة التي تزج بنا في تناقضات العالم الكبير ...فنكتشف أن الشعر إذًا، هو إثراء لخصوبة الحياة ، ونوع من رجع الصدى بين أنواع الدهشة التي تنبِّه وعينا وتمنعه من الخدر وتبلد الروح .... شأن كل صور الديوان الي جاءت مخلصة ودالة كثافة الشعور وتوترها الانفعالي ، المناسب لتصورات الشاعرة الذهنية والحسية على حد سواء .. وذاك هو شعر الطبع الحي والحقيقة الجوهرية حسب تعبير العقاد ..
شعرية الموتيفات وانزياحاتها السياقية :
يعني لفظ " الموتيف " من خلال المنظومة النقدية الفرنسية خاصة وبشكل عام ، ذلك الجزء المتكرر باستمرار خلال متن شعري والحامل لمعنى أو قيمة ثقافية ، والذي يدخل كفاعل دائم في إنتاج الخطاب الأدبي ( الشكل ، البنية ، السياق المرجعي ...) أو المحتوى لمختلف تمظهرات الإنتاج الأدبي ... ومعناه كلفظة منقطعة عن السياق مرادف ل( المحرك ، المثير ، الملح ، الدافع ...) . وقد يتجسد الموتيف في ( كلمة ، فعل ، إسم ، أداة ، مكان، زمان، أو تعبير ..) يتكرر عند شاعر أو قاص أو روائي أو حتى فنان ... ونحن إذ نجدد الغوص في ديوان " في قلب العاصفة نكتشف أن الشاعرة " مليكة الجباري " مسكونة بموتيفات متعددة أبرزها ( الحلم ) الذي نعتبره لازمة من اللوازم في جل قصائد الديوان ، فهو يُستعاد لأكثر من خمسة عشر مرة مجردا أو مقرونا بنعوث مخصوصة سيأتي عليها السياق ، وبعده يندرج موتيف المكان ، وموتيف ( المخاطب )
1) رمزية الموتيفات : الحلم / المكان :
إن وظيفة الشعر الكبرى هي أن يجعلنا نستعيد مواقف أحلامنا. فالبيت عند الشاعرة مليكة الجباري هو أكثر من مجرد تجسيد للمأوى، هو تجسيد للأحلام كذلك؛ كل ركن وزاوية فيه مستقر لأحلام اليقظة. وعاداتها كما هي عاداتنا المتعلقة بحلم يقظة ما قد اكتُسِبَت في ذلك المستقر.
وحتى نتبين مدى ارتباطها – ونحن معها - بالبيت الذي وُلِدت فيه يساعدها الحلم أكثر من الفكر. إن قوة لاوعيها هي التي تبلور أبعد ذكرياتها؛ فعلى مستوى حلم اليقظة، لا الواقع، تظل طفولتها حية ونافعة شاعريًا في داخلنا. ومن خلال هذه الطفولة الدائمة تحتفظ بشعر الماضي. فسكنى البيت الذي وُلِدت فيه – حلميًا – يعني أكثر من مجرد سكناها في الذاكرة؛ إنها تعني الحياة في هذا البيت (الذي زال) بنفس الأسلوب الذي كنا نحلم فيه. وهكذا، تتخطى القيم الإيجابية للحماية، تشحن البيت الذي وُلِدت فيه وراقبت عبر ثقب السور فيه بقيم الحلم الذي تبقى بعد زوال البيت. تتجمع مراكز الوحدة والضجر والأحلام لتشكل بيت الأحلام، وهو أكثر ديمومة من ذكرياتها المشتتة عن البيت الذي وُلِدت فيه:
فتحت باب الرحيل // أسدلت ستائر النفاق // أهديت حذائي للرمال // وتركت قدمي تكسر صخور الجبال //
فالباب هنا برمزية الحاجز الفاصل بين الأمان / الحلم / اليسر و بين الضياع //التشظي // // العنث ..
وهو البيت الذي اصبحت أبوابه موصدة تحكي قصة وإن كانت قصيرة فإنها وسعت حلما كبيرا بحجم الوطن ....
باب الدخول موصد // أسوارك تعلو // تتبعثر الأوراق // ويصعد التنفس // ليحكيَ قصة // قصيرة بحلم كبير ..// (قصيدة : أتنفس فوق الأوراق )
و البعد عن المكان عند الشاعرة مرادف للأحزان والحيرة والتيه والاندثار وانعدام الهوية ... تقول : كتبتني أقلامك // لحن أحزان // ونسيت أناملك // أنني امرأة لها عنوان ... (ق: أيها الرجل الساكن في ذاكرتي )
وخلاصة القول أن البيت يشكل مجموعة من الصور التي تمنح الشاعرة براهين أو أوهام التوازن، ولتنظيم هذه الصور علينا أن نأخذ في الاعتبار موضوعين أساسيين: الأول تصوُّر البيت كائنًا عموديًا؛ إنه يرتفع إلى الأعلى فيميز نفسه بعاموديته؛ إنه إحدى الدعوات الموجهة إلى وعينا بالعامودية التي نحملها خلقة وطموحا . ثانيًا، تخيُّل البيت كوجود مكثف؛ إنه يتوجه إلى وعينا بالمركزية التي تجسد كل خصوصيات " الأنا " . وبما أن لكل بيت طرق عودة يسكنها الفرح تقول الشاعرة :
تسكن طرقات العودة // أيها الفرح الجميل // تغير ملامح الحزن الدفين //تحمل مناديل للغائبين // تسجل عناوين المغادرين // وتحمل أنفاس الرحيل للتائبين ..
وهنا ينزاح البيت عن عرفه الدلالي الجامد والثابت ليلج حيز الأنسنة ، فيصبح منتظرا مع المنتظرين ، حاملا لبلسم يمحي دموع المغتربين ، مسجلا وشاهدا لتيه المغادرين في عناوين ممسوخة وماسخة لكياناتهم الإنسانية المفتقدة ...
لازمة الفضاء الشعري :
ترتبط محددات الفضاء الشعري في مجال وظائف اللغة بوحدات " الشفرة الشعرية " التي يحددها ياكبسون في الضمائر ، وأزمنة الأفعال ... وضمير المخاطب فعبر ديوان "في قلب العاصفة " من بين أهم مقروءات هذه الشفرة المحددة للبنيان الخاص للقول الشعري فيه ، من حيث تمثيلها لإطار " اللازمة الفضائية "الشاملة التي عني بها النقد الحديث في إطار ما يسمى نقدا ب" المحددات الحضورية " العاملة في اختلاق " قصائد حضورية " مسكونة بتوتر درامي فاعل في إنتاج القول الشعري ، وهي الأقدر على تبرير هوية الإحلات ضمن هذا الفضاء الشعري ... والشاعرة في اختيارها هذا قد تبنت اختيار تأمل الوجود 4ن طريق توظيف اقوال شعرية متنوعة ترسم الفضاء بكل أبعاده ، كما تستعمل وسائل إيضاحية أو قرائن لفهم هذا الوجود واكتشاف مجاهيله ، كالعبارات الشعرية المتماثلة لما نحمله في ذواتنا من افكار ومشاعر وقيم ...كنوع مت الرسم التخطيطي اللامحسوس الذي نجذ فيه ضالتنا المتعلقة بالبحث والتعبير ..كما تمكننا من تذويب واتنا وقضايانا في عبر فضائها الشعري ..
ولتتبع آليات تبادلية الخطاب والمخاطب ، كان لابد لنا من استقراء مقاصد وتمظهرات شعرية الآخر وإحالاته الدلالية .. لنكتشف أن الشاعرة " مليكة الجباري " كان لابد لها أن تشعر بنقص " أناها الأنثوية " لتقرر التحرك في اتجاه شعرية الآخر/ آخرِها العميق المؤثر في تجربتها الشعرية ... متجاوزة صيغ المخاطب التقليدانية إلى صيغ تجديدية تتجلى بعض تمظهراتها في :
- الأنت الأسلوبي : وضمنه تكون " الأنت " لا تعني أنت بالضرورة .. وتعبر عن هذا المنحى الاستحداثي قصيدة :( تسألني أين أكون ) حيث يكون الأنت مرادفا للشعر ..فتقول :
لفتني قصائدك // فأرتع في حقول / ضوء الكلمات // تلين اشجاني / فأشم رائحة الوجد / بين نسائم الحرف الرقيق / والآهات // سأغمض جفوني / وأترك لك جنوني / عشق كلمات // تسافر بها درب / الشعر والشاعرات // وأسكت أنا صمتا / يليق بالأميرات // ..
- الأنت الذي يحضر في القصيدة عند اللحظة التي ترفض الشاعرة ذاتها ، فتقوم باستدعائها لتوجه لها خطابها كآخر فيما يشبه حوارا تبادليا عبر المرآة ... وتمثله قصائد ك: " ثورة امرأة " تستهلها بقولها : ( لا تسأليني عن ضفائري / تركت المشط فوق وسائدي ) إلى أن تقول : (سأخط بأصابعي / حرفا / رسما / وشما / لغة / لن تفهميها // هي قصة امرأة لن تكتبيها //) وفي هذه القصائد يتوضح البعد الانتقادي للذات الشاعرة المصابة بالعطب والمثقلة بالخيبات الناتجة عن الحيرة واستغلاق فهم الوجود ...
- أنت المتسامية المحققة لرغبة الشاعرة في الجموح والتمركز في درجة عالية من السمو والصفاء والشموخ عبر سجاليات خطابية تقلل من عبء الذات ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.