الوعي الشقي في تناول مسألة اللغة و الهوية اللغة و الهوية (الجزء 7) محمد المباركي أثار الحوار حول اللغة والهوية – كمدخل لاستيعاب معيقات التأخر المعرفي الذي نعانيه والارتكاز على المقومات الأساسية لتجاوز عوامل التأخر المزمن والتبعية التي تحد من سيادة واستقلال البلاد و ولوج مجتمع الحرية والكرامة، أي المبتغى الذي نطمح اليه كيساريين. لكن عوض أن يندرج الحوار بشكل هادئ منتج وبناء، هناك بعض التدوينات، عن وعي أو عدم وعي، تعبر عن وعي شقي حين تناولها القضية المطروحة للنقاش والتي تفرض رغما عنا وضع اللبنات الأساسية للقيام بالنهضة الثقافية التي لا مناص عنها لإحداث التغيير المجتمعي الضروري. والمحزن حقا، أن هذا الوعي الشقي الذي يرمي شتاتا من الكلمات والألفاظ متناقدة عند تصفيفها، موجود داخل صفوف اليسار. ذلك في الحين كون النقاش المطروح هو أساسا فكريا، يجرنا دعاة الوعي الشقي الي جذال عرقي تافه لا هو سياسيا أو نظريا، حراك أن يكون فكريا معرفيا. بكل صراحة أمقت الحديث عن شخصي ولكن للضرورة أحكام، وحكمتها و نحن في هذا الحوار الجدي و المصيري في آن واحد و الذي ينبغي له أن يكون هادئ و ممتع بشأن اللغة و هي مفرد يعبر عن جمع و الهوية و هي كذلك مفردا في صيغة جمع، يأتوا الغلاة من دعاة الوعي الشقي فيضعون تعارضا ما منه من تعارض و يقيمون حواجز ما لها من حواجز بين اللغة العربية و اللغة الأمازيغية. ومنه من منطلقهم يقيمون شرخا عميقا في هويتنا المتعددة الأصول والينابيع. يريدون خلق شذوذ في هويتنا الأمازيغية العربية / العربية الأمازيغية والتي هي وحدة لا تتجزأ و لو كره دعاة العرقية المقيتة. قلت لم أتعود استعمال الأنا، لكن وجب هذا نظرا لأهمية الموضوع. أنا محمد بن على بن عبد الكريم، و على بن عبد الكريم هذا من أصل أمازيغي ريفي. قاوم في صفوف جيش الأحرار الى جانب عبد الكريم الخطابي عام الريف. كما نسميها في منطقتنا أي أيام حرب التحرير الوطنية الشعبية و بناء جمهورية شمال المغرب الملقبة بجمهورية قبائل الريف. و الريف هنا نعث لكل شمال البلاد و ان كانت الانطلاقة من قبائله الشرقية. أما الوالدة و هي أيضا من زمان كان، فهي من أصل عربي أندلسي، كانت تزعم أنها تنحدر من قبيلة بني مخزوم و لذى كان حبها لابن عمها خالد بن الوليد، كما كانت تقول، ما بعده حب و أنا أيضا أحببته مثلها، لنخوة كانت فيه قبل و بعد اسلامه. حبي له يخص أساسا اجتهاداته التي تعارض الدغم الديني في كثير من الجوانب. حبي لخالد و أبو در نفس حبي لجدنا أمازيغ، الانسان الحر و لطارق بن زياد المقدام فصيح اللسان. و بما أن جنين الهوية المغروسة في وجداننا، هي من نسغ أدب الوالدين التي ارتوينا منه عند النشأة، ما المعمول ادن يا ترى؟ هل أضحي بالأب الغيور و الملقب بقاتل المائة، كنية لكثرة فتكه بأعداء هويتنا وحريتنا، هذا من أجل التشبث الأعمى بأصل من وهبتني الحياة العربية الأصل؟ أم أضحي بأمي الطيبة الكريمة الحرة من أجل أصل والدي الأمازيغي؟ أقول هذا و أنا أعلم أنه ليس هناك عرق صافي لا أمازيغي أو عربي أو غيرهما. لقد اختلطت الأقوام و الشعوب عبر الحقب و لم يبق سوى الدم الأحمر في عروق البشر. مما ذكرت يفهم أنه فقط على المستوى الشخصي أني انسان مخضرم ككافة المغاربة. ثم أن هذه الأصول الثقافية المؤسسة لهويتي تلقحت مع ثقافات أخرى و هذا أمر طبيعي و ضروري، لكن عضم هذه الهوية و هذه الثقافة يظل ذلك النسغ الأول الذي تفتحت عليه عينيا في أحضان أنعم أسرة و أجمل بقعة. الهوية هي وجدان، و الوجدان عنوان الحرية و المطلوب منا هو كيف نطور هذا الوجدان الروحي و الشعوري الذي يعطي ثقة في النفس ليتحول الى وجدان واع، منفتح على الأخر و الآخرين لنبني مجتمع الحرية الطبيعية التي نشأنها في أحضانها. فعوض حضانة الوالدين التي كنا عليها صغارا سنبني مجتمع محصن و حاضن و نحن كبار. و حتى يكون المجتمع حاضنا لمواطنيه و مواطناته، لا بد من عقد مجتمعي يضمن حقوق كل فرد و كل جماعة. في حضن المجتمع المتحرر، سيكون هناك امكانية خلق دولة ديمقراطية تضمن هذه الحرية الفردية و الجماعية و عبرها حرية تأسيس كيانات قائمة الذات في أطار الدولة الكونفدرالية. هذه الكيانات التي لها خصوصياتها اللغوية الزناتية و الريفية و الزيانية و السوسية و الحسنية ..ومعها خصوصيتها الثقافية و كلها تغني الثقافة الوطنية و تصلب الهوية الوطنية عبر اللغة الجامعة. هذه الفكرة التي تساير منظور اليسار كما تربينا عليه، عبرت عنها حين في احدي المقالات التي عالجت اللامركزية ، أكدت أنها لن تكون عملية الا اذا اعترفت بالثقافات المحلية عبر استقلال ذاتي للمناطق الست كما كنت قد حددتها. 1 – الخلود للغتنا لأمازيغية، المجد للغتنا العربية و أهلا بكل اللغات من قال يوما أننا لا نحب ولا نعتز بلغتنا الأمازيغية، لغة أجدادنا ودارجة جزء هام من شعبنا المغربي وأمتنا العربية؟ المشكل المطروح ليس هو: هل نحن مع اللغة الأمازغية أو مع اللغة العربية؟ لأنه ليس هناك من اليسارين من يقف هذا الموقف. التحدي المطروح أمامنا والذي يشكل عائقا لتحررنا وتقدمنا هو أية لغة ثقافية جامعة تساعدنا بشكل إيجابي وفعال القيام بالصحوة الحضارية التي بدونها لن ننفلت من مخالب التأخر والتبعية؟ لأن المستقبل رهين باختيارات اليوم. كما يقول المثل الشعبي “الواجد خير من غير الواجد” و “ريال في اليد خير من عشر غدا”. والواجد الآن كحصانة ثقافية في مستوى الأمم التي لها وجود وفعالية في العالم الذي تسوده و توجهه الامبريالية المتوحشة و ثقافتها الاستعمارية العنصرية هي بالتأكيد لغتنا و ثقافتنا الجامعة. لنبتعد عن الحشو والغباوة السياسية وعن اللغو والخلط لنقول: ما حيلة الشعوب العربية المقهورة المسلوبة الممزقة وعاهات حكامها المخذولين سبب كل ويلاتها؟ أمرجع مشاكلها كون هذه الشعوب المقهورة والمسلوبة تتواصل فيما بينا ثقافيا وحضاريا عبر لغة الضاد؟ نحن جزء لا يتجزأ من الشعوب العربية الوثاقة للحرية والكرامة والوحدة ونحن أكثر من أي كان ضد مضطهديها ومستعبديها وظلامها القابعين على رقابها باسم الدين والعروبة والأصالة وغيرها من أساليب ووسائل الاستبداد والاستلاب. ما حيلة وجريمة اللغة الفصحى التي تجمعهم حضاريا وثقافيا وتثبت وحدة مستقبلهم لمواجهة تكتلات الدول والأمم في وحدة سياسية واقتصادية وثقافية لحماية نفسها والتسلط على الضعفاء من الشعوب والأمم الضعيفة. هناك من يرى أن الموقع الطبيعي للمغرب هو ضمن التكتل الذي تمثله شمال افريقيا وأوروبا أو الاكتفاء بوحدة المغرب الكبير، أي أرض تامزغا. ونحن نرى أن وحدة المغرب الكبير ضرورة آنية تدخل في سيرورة بناء الولاياتالمتحدة العربية الديمقراطية الشعبية. التي تعادي العنصرية والقومجية والعروبية البدوية وتقر بحق مصير شعوبها وأليتها الثقافية واللغوية والتي تشكل الحصن النيع في وجه أي استيلاب وأي تبعية للغرب أو الشرق او غيرهما. 2 – الهوية الوطنية و منظور الرئيس محمد عبد الكريم الخطابي قبل الدخول في تفاصيل الهوية الوطنية و الوقوف عن التصور الذي يطرحه المفكر العروي في مصنفه ” الجدور الاجتماعية و الثقافية للوطنية المغربية من 1820 الى 1912″، كمدخل في هذا الباب، ثم نلقي نظرة عن الاستراتيجية الماكيافيلية للمرشال ليوطي واضع نمط دولة الأصالة و العصارة لاستيلاب و تجزة البلد و استعباد أهلها بأرخص الأثمنة. ثم بعد نخص شطرا للإرهاصات الأولى للقومية المغربية الحديثة كما حاول وضعها كل من الأمير عبد الكريم الخطابي و الحركة الوطنية و اليسار المغربي.