المختار العروسي - طنجة بجو من السخرية و الضحك،إحتضنت مدينة البوغاز مساء أول أمس السبت 4 يوليوز من الشهر الجاري،ندوة فكرية تحت عنوان"الكتابة الساخرة في الصحافة المغربية،سؤال الحضور و التأثير،وذلك بالمكتبة الوسائطية. الندوة التي نظمتها منظمة حرية الإعلام و التعبير-حاتم-طنجة،عرفت حضورا متميزا لألمع الصحفيين و الإعلاميين و المسرحيين و الفنانين بمدينة طنجة،كما عرفت الحضور العديد من الهيئات السياسية و النقابية و الحقوقية. الندوة عرفت مداخلة تميزت بنوعية من السخرية للأستاذ"عبد الله الدامون"مدير نشر جريدة المساء، حيث حاول "عبد الله الدامون" مقاربة تاريخ السخرية من خلال تراث الأدب العربي ، حيث استوحى تجربة المتنبي بكافور الاخشيدي، وهي التجربة التي خلدتها أشعار المتنبي بنوع من المقاربة الساخرة حسب عبد الله الدامون ، ثم عرج على تجربة أخرى من نفس المرجعية التراثية الأدبية ليشير الى نقائضهما المشهورة التي خلدتها الذاكرة الشعرية العربية كنوع من الشعر الذي اعتمد السخرية كمطارحة بين الصديقين اللذودين ، وتمنى أن يكون نفس القانون الذي ساد في ذلك العصر الغائب ساريا الى الآن بيننا. ولعل من مفارقات عصرنا حسب عبد الله الدامون أن نلج في النفاق ونشدد على الجدية المبالغ فيها ضدا على طبيعة الانسان الميال الى الترويح عن النفس عبر مختلف ضروب السخرية كالتنكيت والمبالغة ونسج المفارقات. ولم ينس عبد الله الدامون أن يذكر أن السخرية عندما يغيب عنها الهدف البناء تصبح مجرد تهريج، فالكتابة الساخرة حسب رأيه تتطلب ذكاء وقادا يجمع بين الكاتب والقارئ، فهي تمتح من الاشارات والرموز والايحاءات والايماءات عناصر ومكونات رسائلها المشفرة. فالكاتب الساخر شبيه بآلة فوتوغرافية يلتقط صوره من مفارقات الواقع، لكن عملية الالتقاط هاته تتطلب رؤية تركيبية عميقة تستطيع التقاط الصور الساخرة. من جهته حاول الصحفي الشاب بموقع "لكم"،رشيد البلغيتي،الذي عبر عن سعادته بتواجده بمدينة طنجة التعريف الكتابة الساخرة انطلاقا من بعدها التصاعدي كاحتدام للتناقضات والمشاكل؛ وهو ما يعبر عنه المثل المغربي الدارج " كثرة الهم كاتضحك " حسب مقاربته. وقد حاول إضاءة مداخلته بواقعتين اثنتين، الأولى تتجلى في سحب شهادة السكنى من الصحفي علي المرابط يوما بعد تمكينه منها، من قبل أحد رجال السلطة بتطوان، بسبب رغبته في إصدار صحيفة ساخرة، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تجد له تفسيرا أو تبريرا في نظام ديمقراطي يحترم مواطنيه. والواقعة الثانية تمثلت في حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة يقضي بإدانة الصحفي خالد كدار بثلاثة أشهر نافذة حول قضية تعود وقئعها الى ما يقرب ثلاث سنوات. وهاتان الواقعتان تعكسان وتترجمان بصدق انزعاج السلطات المغربية من الفن الساخر عموما، سواء كان كتابة أو تمثيلا أو كاريكاتورا . وقد ربط رشيد البلغيثي ظهور الكتابة الساخرة كجنس أدبي قائم الذات مع بدايات الثورة الفرنسية، وعرف ازدهارا في القرن التاسع عشر، أما في العالم العربي فقد ظهر هذا الجنس الكتابي في العراق في عشرينيات القرن الماضي، وقد تأخر ظهوره في المغرب كثيرا كجنس كتابي قائم الذات، إذ لم يعرف ازدهاره إلا إبان التسعينيات من القرن الماضي، غير أن حركة عشرين فبراير منحته رسوخا كبيرا في الساحة الإبداعية المغربية مع بروز وجوه جديدة قد تعطي الكتابة الساخرة بعدها الفني والأدبي والسياسي بالمغرب مستقبلا. بالمقابل" جمال بدومة"رئيس تحرير قناة 24 ،قام من خلال مداخلته على تعريف الكتابة الساخرة بقوله : هي أن نكتب بمنتهى الجدية عن أشياء خفيفة ، وبمنتهى الخفة عن أشياء جدية "، وقد ساق في محاولته مقاربة فن السخرية ما حدث بين إدغار موران ومالارميه حين عبر موران عن كم الأفكار التي تدور في رأسه، فرد عليه مالارميه أننا نكتب بالكلمات وليس بالأفكار، كدلالة على أن الكتابة عموما تخضع لنظام تركيبي وصياغي معقد بعد أن تتبلور في أفكار تدور في رأس كل واحد منا. ثم انتقل للحديث عن الأستاذ عبد الرفيع الجواهري كأحد رواد الكتابة الساخرة في المغرب، وهو القادم من عالم الشعر في بعده الواسع، مثله مثل الكاتب السوري الكبير محمد الماغوط. مما يعني أن الكاتب الساخر عليه أن يكون متمكنا من اللغة وتقنيات الكتابة والخيال الخصب، القادر على التوليف بين المتناقضات. وقد استشهد بودومة بالمقولة الشهيرة: يمكن أن نضحك من كل شيء ، لكن ليس مع أي كان. وقبل أن يختم مداخلته أكد أن السخرية في نظام ديمقراطي محصنة ومحمية رغم التهديدات التي قد تواجهها من هذه الجهة أو تلك .وساق في هذا المنحى واقعة " ، Les guignoles de l'info ، حيث حاول المالك الجديد لكنال بلوس وضع حد لهذه السلسلة الشهيرة، غير أنه تراجع في النهاية بعد الهجمات والمساندة غير المشروطة من الفاعلين والمواطنين الفرنسيين،وختم بدومة مداخلته بقراءة مقطع من مقال يضمه كتابه المحتفى به "باسم جيل ضائع"، وهو عبارة عن تجميع لأعمدته الساخرة بجريدة المساء التي تحمل عنوان "البلاد التي". و يذكر أن الندوة عرفت على هامشها توقيع الكاتب و الإعلامي"جمال بدومة" كتابيه " باسم جيل ضائع"، و "كيف تصبح فرنسيا في خمسة أيام" .