هل لنا أن نتصور مشهدا انتخابيا قد يفضي إلى إدخال التجربة الديمقراطية لما بعد دستور فاتح يوليوز في منطق اللوائح الانتخابية (اللائحة المحلية – اللائحة الوطنية – لائحة الشباب – لائحة الأطر – لائحة المهاجرين..)، وهو المنطق الذي قد يعكس منتوج ثقافة التوافق بين الأحزاب السياسية ووزارة الداخلية؟. وما هي تبعات هذا المنطق في حالة سَيرانه على المشهد السياسي ببلادنا، وما هي المخلفات السلبية التي قد يحدثها إذا ما تم إعماله؟ حري بالذكر أنه إذا كانت بلادنا ستدخل محطة الانتخابات التشريعية كأول اختبار دستوري/مؤسساتي، فهذا يعني أن أي انزلاق في تأويل مقتضيات الدستور، أو التحايل على منطوقه لصياغة توليفة انتخابية خارج ثوابت الديمقراطية التمثيلية وأعرافها ستكون له بالضرورة انعكاسات على المسار الآني والمستقبلي للترسيخ الديمقراطي ببلادنا. لماذا؟ لأن الأصل في العملية الانتخابية هو أن تكون عاكسة لاختيارات الناخبين عبر صناديق الاقتراع. وبما أن صناديق الاقتراع هي التعبير الأسمى عن إرادة الناخبين، فإن الاجتهاد في صناعة ديمقراطية مغربية بصيغة اللوائح قد يجر التمثيلية السياسية إلى متاهات فئوية لا حصر لها. فإذا كانت اللائحة الوطنية (لائحة النساء) قد اعتمدت في السياق الانتخابي المغربي فلأن المبرر "الموضوعي" هو إعمال تمييز إيجابي سيمكن النساء من ولوج البرلمان ما دام أن الثقافة الذكورية تسيطر على البنية الثقافية للمجتمع ولا تسمح من وصولهن إلى المؤسسة التشريعية. وعلى الرغم من أن هذه العملية هي نفسها غير ديمقراطية، فإن اعتمادها قد يكون، والحالة هاته، مستصاغا في الشروط السوسيو-ثقافية لبلادنا، لكن أن تتحول الديمقراطية التمثيلية إلى "وزيعة" سياسية بمبررات تمس جوهر الديمقراطية فهذا الأمر سيشكل سابقة ستتحول إلى أعراف في النظام الانتخابي المغربي، و"مكاسب" سياسية سيتم الدفاع عنها في كل المحطات الانتخابية القادمة. لكن دعونا نتساءل: لماذا يتم الدفاع عن اعتماد لائحة الشباب، سواء كانت منفردة أم داخل اللائحة الوطنية للنساء؟ علما بأن هناك أيضا مطالب تهم لائحة المهاجرين ولائحة الأطر. فإذا كان المبرر هو فسح المجال للأطر أو للشباب بحجة أن العملية الانتخابية لا تمكنهم من ولوج البرلمان فهذا الأمر مردود عليه. أولا، لأن اعتماد هذا المبرر في التحليل السياسي فيه اعتراف صريح من لدن الأحزاب ووزارة الداخلية بأن الانتخابات العامة المباشرة باللوائح المحلية هي انتخابات "خاصة" بمحترفي العملية الانتخابية أي ب"الحرايفية" أولئك الذين يعرفون كيف يصطادون المقعد النيابي. وهذه الفئة، بحكم مراسها الانتخابي، سواء بامتداداتها العشائرية/القبلية أو بتفاصيلها الغنائمية البرغماتية أو بلعبة المال والتحكم في شراء الأصوات، أصبحت تشكل القوة الضاغطة لدى الأحزاب السياسية التي أصبح قرارها الحزبي مرهونا بها، وبلعبة نفوذها حتى أضحت اختياراتها تنساق وراء منطقها الانتخابي انسياقا. إذ أصبح ترشيح مناضل في الحزب من قبيل السبة والتهكم، أو ترشيح إطار من شبيبته من قبيل الحمق الانتخابي والبلادة السياسية؟. إلى أن أصبح المشهد الانتخابي غارقا في متاهات البحث عن "المقعد" بكل الوسائل. وهكذا، أصبحت الأحزاب اليوم تدفع أطرها وشبيباتها للدفاع عن نفسها أمام وزارة الداخلية علها تغنم بلائحة من اللوائح. والحال، أن المنطق السياسي السليم يفرض أن يتم ترشيح هؤلاء الشباب والأطر ضمن القوائم المحلية المباشرة، وأن يتم القطع مع حسابات هذه الثقافة الانتخابية البئيسة التي أساءت كثيرا للديمقراطية التمثيلية، باعتماد الديمقراطية كتمرين سياسي تكون قاعدته المقدسة هو التنافس البرنامجي بين الكتل السياسية المتصارعة، دون تمييز بين الفئات العمرية أو المهنية. ولعل هذا الأمر هو الرهان الذي تفشل فيه القوى السياسية ببلادنا، أو الذي تكون قد سلمت عمليا بفشلها فيه، مما يضطرها للاستعاضة عنه، بتفريخ مقترحات قد تفضي إلى المزيد من تشويه العملية الانتخابية. في حين، أن المطلوب اليوم هو إحداث مصالحة بين الشعب والسياسة، من خلال إعادة الاعتبار للعملية الانتخابية نفسها، وليس التحايل على القواعد الديمقراطية بتكريس نفس المشهد الانتخابي الفاسد. إن ما ينتظر المغرب اليوم ليس هو الانتخابات بل ما بعدها. وإذا ما تم التمادي في منطق التوافقات كما هو عليه الآن والإصرار على صم الآذان وتجاهل مطالب الشارع، فإن النتائج السياسية ستكون كارثية. علما بأن مخلفات الانتخابات السابقة، ومؤشراتها العامة، ما زالت تلقي بظلالها على المشهد السياسي العام ببلادنا، وهو ما يعني، بلغة الأرقام، بأن المحطة الانتخابية القادمة إذا ما فشلت في إحداث الرجة المطلوبة، فإن العزوف الانتخابي سيكون أفضع مما سبق. فالمطلوب، ليس هو إجراء انتخابات بأي شكل من الأشكال، وصناعة برلمان وحكومة وانتهى الأمر، بل إن المسألة تتعلق أولا وأخيرا بثقة الشعب في المؤسسات وبمدى انخراطه في الحياة العامة وإذا لم يفهم الأمر على هذا النحو، فإن الحصيلة ستكون كارثية.