حول تصريح بنكيران لصحيفة الفاينانشل تايمز البريطانية: ليس المراد في هذا المقال مناقشة الموقف من الدستور المعدل. فلكل موقفه وخلفياته ويبقى الحوار الحر والهادئ إن توفرت ظروفه هو الكفيل بفرز الموقف الذي يمكن أن تتبناه غالبية المواطنين. إنما المراد هو مسائلة البعض حول مدى الالتزام بالحقيقة والتمسك بأخلاق النزاهة الفكرية و الأدبية ساعة الترويج لما أتى به الدستور المعدل من جديد. وحتى لا أطيل كلام المقدمات، أطرح مقتطفا من تصريح للسيد بنكيران نشر مؤخرا في صحيفة الفاينانشل تايمز البريطانية يتحدث فيه عن بعض الجد يد في الدستور المعدل.وللأمانة، سأورد المقتطف إياه باللغة الإنجليزية التي ورد فيها أصلا، ثم أحاول قدر المستطاع ترجمته إلى اللغة العربية، قبل أن أمر إلى مناقشته: “The king, by disengaging from the management of public affairs, by limiting himself to strategic matters – and that is what's in the new constitution – is doing a great service to the??????????? nation,” يمكن تحويل المقطع إلى اللغة العربية كما يلي: "بتخليه عن تدبير الشؤون العامة واكتفائه بالشؤون الإستراتجية- وهذا ما هو موجود قي الدستور الجديد- يكون الملك قد أسدى خدمة كبرى للأمة". وأول ما استحضرته لحظة قراءة المقطع هو أن ما ورد فيه يختلف وإلى حد بعيد مع ما ذهبت إليه تصريحات معظم القوى السياسية وغيرها بالمغرب، إن بخلفية مبدئية أو ولائية، والتي أجمعت على أن ما حدث هو في أحسن الأحوال خطوة هامة نحو الديمقراطية؛ أي أن جديد الدستور هو سير نحو الديمقراطية، وليس الديمقراطية ذاتها و ككل غير قابل للتجزيء. بل حتى حزب العدالة والتنمية نفسه، وعلى الأقل من خلال تدخل للأستاذ الرميد على قناة الجزيرة الناطقة بالعربية، لم يخرج عن هذا الإطار. فلماذا إذن تقديم تقييم مختلف لما تعلق الأمر بتصريح موجه أساسا إلى القوى العظمى وعلى رأسها أمريكا؟ لو صدر هذا الأمر من جهة غير ذات مصداقية لهانت المسألة. لكن أن يصدر عن جهة مهما اختلفنا هي ذات مصداقية وتؤخذ مواقفها مأخذ الجد، فهنا الخطورة التي سأحاول الخوض في تفاصيلها. حين يقول السيد بنكيران ما مفاده أن الملك وبمقتضى الدستور المعدل قد تخلى عن تدبير الشؤون العامة، فإن القراءة السياسية الأرجح لهذا الكلام هو أننا بصدد ملكية برلمانية مكتملة يسود فيها الملك ولا يحكم. أي أن صلاحيات تدبير الشؤون العامة تعود كلها إلى الحكومة الناجمة عن انتخابات تشريعية. فهل هذا هو واقع الحال بالنسبة لما ورد في الدستور المعدل؟ في اعتقادي أن قراءة أولية وغير مختصة للدستور تجعلنا نفهم أن الجديد في هذا الباب هو إشراك جزئي للحكومة في تدبير الشؤون العامة. فالمجلس الوزاري الذي هو أعلى سلطة تنفيذية يتم برئاسة الملك، وفي حال تفويض رئاسته لرئيس الحكومة، يتم ذلك على أساس جدول أعمال محدد. ولا داعي أظن لتسمية الجهة التي من صلاحياتها تحديد جدول الأعمال. فهل رغم هذا كله يرى السيد بنكيران أن تسيير الشؤون العامة أصبح من اختصاص الحكومة كسلطة تنفيذية وبشكل حصري؟ ثم ماذا عن تعيين الولاة و العمال ومسئولين في مناصب عليا وحساسة في الدولة كما في المؤسسات العمومية وشبه العمومية؟ هل آلت فعلا صلاحيات ذلك إلى رئيس الحكومة؟ أم ترى السيد بنكيران لا يرى تأثيرا لذلك على سير الشؤون العامة؟ الحقيقة أن ما يمكن سرده في سياق مسائلة السيد بنكيران حول تصريحه كثير، لكني أخمن أن ما سلف كاف. وأمنيتي في الأخير هو ألا يكون أفق الانتخابات التشريعية المبكرة هو البوصلة الموجهة لتحركات بنكيران ومن خلاله حزبه. كما أوضح إن كان التوضيح ضروريا أن دافعي في كتابة المقال هو غيرتي على الحقيقة وما يعنيه التمسك بها من مؤهلات فكرية وأخلاقية مفترضة. ذلك لأنه شخصيا ما يستفزني أكثر من غيره فكريا، بل حتى نفسيا، هو عدم التقيد بالحقيقة، وخاصة لما تكون هذه الحقيقة جلية. أما الاختلاف في الأفكار والمواقف والتقييمات، فذاك كله من صميم الديمقراطية لدى من يؤمن بها حقا. هذا وبطبيعة الحال إلى جانب حبي لوطني الذي لا يسمح لي بالسكوت حينما يكون الكلام ضروريا. المكي قاسمي