حتى وإن كان غسيل مهزلة افتتاح مهرجان أصيلا، وعلى الأقل في الجانب الأهم منه، لم يخرج بعد إلى الوجود فإن ما تم تداوله على شبكة الاتصال الدولي، بخصوص هذا اليوم الذي سيظل منقوشا في ذاكرة المدينة، ومن صور بالغة الحدة ومن صور اليوتوب العفوية، أدى مهمة التبليغ وبنجاح ساحق وبصدق بالغ. فما تم بثه على الشبكة، ولحد الآن، أكد على الصورة الحقيقة لما لحق ب"سيد المهرجان" من "إذلال مشين" نتيجة "الصفعة المدوِّية" التي وجَّهها له شباب لم تملك "آلة الطاغية" (الجريح، ومنذ زمان) إلا أن تنعتهم، وعبر بيان مهزوز، وغير مختوم، ب"المنحرفين" و"المأجورين" و"المخمورين"... وغير ذلك من النعوت والأوصاف التي امتدت إلى "أشباه المثقفين والجاحدين" في إشارة إلى من أسهموا في الحدث بواسطة "الكلمة" أو "الخطاب". وقد اكتمل المشهد بدخول "هيئة ثقافية عالية" على الخط من خلال بيانه التضامني مع "مهرجان الطاغية" بل والأكثر من ذلك الإسهام في بازار التحقير من خلال الإشارة إلى "المشردين" الذي أفسدوا الافتتاح، وأساؤوا للضيوف. المؤكد أن ما سلف يعكس حال الإرباك والتخبط غير المسبوقين في "تاريخ" ارتزاق الطاغية باسم كرامة ساكنة المدينة ب"حجة الثقافة" المفترى عليها في مثل هذه الحال. وأود أن أشدّد على أنني، وعلى تواضعي وبساطتي، لا أوَّد أن أفرض على أحد ما ينبغي فعله بخصوص هذه المدينة، ولا سيما من الأصدقاء من الذين يترددون على المهرجان ومن غير الذين بلغوا درجة جنرال في الانتهازية العفنة. غير أن ذلك لا يحول دون أن يجعلني أعترض، وبشراسة، ولا سيما وأنني أنتمي للمدينة، على الذين يتسوقون بآلام الناس من البسطاء وبما يعمِّق "جراحهم اليومي"... وكل ذلك في المدار الذي يزيّْن للطاغية "طموحه المهترئ" وبما يعمّق، وأكثر، من حالات الاحتقان الاجتماعي. وآمل أن يتم، وعبر "فضيلة قول الحق"، ودونما اكتراث ب"زبيب الشكارة"، الالتفات إلى أن ما يقوم به طاغية أصيلا فظيع، جدا. ذلك أنه ظل، وكما قلت أكثر من مرة، يتسوّل باسم كرامة الناس. وحصل ذلك، وفي أصيلا البريئة، وعلى مدار فترة تزيد على ثلاثة عقود، وعلى نحو بدا فيه الطاغية وكأنه في "محمية شخصية" وليس في مدينة تنتسب للدولة المغربية. ويهمني أن أوضح أن من انتفض، في الافتتاح، وفي اليومين التاليين، ومع ما رافق ذلك من "انزلاقات"، ليسوا "منحرفين" أو "مشردين"، وإنما هم مواطنون بسطاء الكثير منهم أدرك سر التسول والارتزاق بهم في "عواصم النفط السخط" ولغاية في نفس يعقوب، والكثير منهم أيضا أدرك سر أن يأكل صنف من المدعوين "اللانكوسطا" (بلغة الأهالي) في حين أنهم لا يجدون حتى "العدس". ولا أخفي أنني كنت، وعلى مدار الأيام الثلاثة، بجوار أطباء وأساتذة ومحامين وموظفين. وجميع هؤلاء صفقوا، ومن بعيد، للطفلين الذي تسلقا حائط "القصبة" السميك وعلقا، وبجوار لافتة ما يسمى ب"منتدى أصيلة..."، لافتة مكتوب عليها "سكانة أصيلة تريد إسقاط الفاسد [...]" (أترفع عن ذكر اسمه). وفي جميع الأحوال ما حصل لم يكن غريبا، ذلك أن الطاغية، الجريح، أول من كان يعلم بما لحقه في ذلك اليوم المشهود. وللمناسبة سيظل أول من يعلم بما يمكن أن يلاحقه في قادم الأيام في حال عدم رحيله المعلن واعتذاره الجريء؛ وهو ما يبدو لي بعيدا ذلك أن الطاغية، ومن حيث هو طاغية، ومريض في حالة أصيلا، لا يمكنه أن يزيحه إلا المرض (وهو ما لا نتمناه لأحد) أو "الموت" (وهو ما لا حول ولا قوة لنا أمامه). وعلى صعيد الثقافة، التي ظل الطاغية يراكم الثروة بها، فإننا لا نجد ما هو أوضح من المطالب التي سطرتها هيئة حقوقية، وفي بيان استنكاري لها، على النحو التالي: الكف عن الانتقام المرضي من المدينة التحلي بروح المسؤولية وعدم الاستهتار بمطالب ومشاعر المواطنين التعامل بجدية وبحزم مع الحصار الثقافي الذي تعيشه المدينة إنشاء مركب ثقافي من قاعات متعددة الاستعمال ومفتوح في وجه الجميع تسمية فضاءات المدينة بأسماء مبدعيها وكتابها ومثقفيها وشخصياتها العامة إنشاء مكتبات متفرقة وممتدة على مدار المدينة بأكملها وبما في ذلك داخل الأحياء الهامشية تشجيع الأنشطة الثقافية على اختلاف أنواعها السماح للمراكز الثقافية الأجنبية بفتح فروعها بالمدنية الكف عن الاسترزاق باسم كرامة المدينة. وهي مطالب في غير حاجة إلى تعليق، وجديرة بأن تكشف عن حجم الفظاعة والوقاحة والنذالة. فما هو حاصل في أصيلا يعكس أننا لسنا بصدد "مدَّعي" أو حتى "مرتزق ثقافي" فقط، وإنما بصدد حالة مرضية هي في حاجة إلى أن تحال على أقرب مصحة نفسية. وأما فيما يخص الملف الاجتماعي فالرجل قام بما هو أفظع. قام بما يقوم به، وعادة، "الشنَّاقْ العقاري". وهو الآن واحد من المنتسبين لنادي الإقطاعيين الكبار. ثم إن تمترسه بالقانون (التحفيظ العقاري للأراضي التي يسطو عليها) لا يحول دون التأكيد على أنه "لص كبير". وآخر فضائحه "كريان المكسيك" الذي يعود تاريخه إلى العام 1912. لقد فاق الجيل الرابع في هذا الكريان، وذات يوم، على إيقاع نبأ كريانهم الذي أصبح في ملكية منتدى أو بالأدق مقاولة أصيلة. هي صفقة مشبوهة كان من المفروض أن يحال "أبطالها" على القضاء. وثمة صفقات أخرى كثيرة ولا داعي لإثارتها من جديد. تلك هي "بؤر التوتر" أو "شرارات الاحتجاج" في أصيلا البريئة والمظلومة. وأما أن يهان الكويتيون وأن تنسف سهراتهم... فهو ما لا نوافق عليه، وهو ما أكدته بيانات محلية. فالكويت، وكشعب وثقافة وحضارة، لا خلاف بصددهم وسواء في أصيلا أو المغرب عامة، وأما أن يتم الارتزاق بهم فلا شأن لنا به. ما حصل يتحمل مسؤوليته، التامة، الطاغية ذلك أنه أول من يعلم أن الشارع الأصيلي ظل يردد، وعلى مدار العام بأكمله، استحالة افتتاح مهرجانه. بل إن المهرجان نجا، وبشق الأنفس، من المصير نفسه في دورته ما قبل الأخيرة. ثم إن "مكبوت الحكرة" و"عناد الطغاة" يترتب عنه ما لا يخطر على البال. مصدر الإساءة هو الطاغية، وليس "المنحرفين". ومن جهتي لا أملك إلا أن أقول، وعلى غرار الشق الأكبر من ساكنة المدينة، "لا لمهرجان أصيلا، لا للفساد الثقافي... ولا للفساد المالي". ومن جهتي أيضا لا أملك إلا أن أختم بأن طاغية أصيلة المريض هو أحد كبار رموز الفساد السياسي (كما نعته بيان 20 فبراير بأصيلة) التي أودت بالمغرب إلى الوضع الحالي. وما أصيلا إلا واحدة من المدن الهامشية الغارقة في البطالة والمخدرات وباقي أشكال الانحراف... نتيجة إصرار رئيس المجلس البلدي والأبدي كما ينعت نفسه على أنها وكذبا "مدينة ثقافية" مع أنها لا تتوفر حتى على مكتبة عمومية بسيطة. طاغية أصيلا مؤشر، خطير، على عدم الاستقرار الاجتماعي. وأصيلا الطاغية "سيدي بوزيد مع وقف التنفيذ".