وضع التقرير عن الخمسينية، الذي تم إنجازه في نونبر 2005، أفقا له السنة التي ندخلها (2025) باعتبارها وقتها، مستقبلا غير قريب! كان الموعد وقتها يبدو بعيدا نسبيا يسمح بصناعة اليوتوبيا والحلم والتفكير في إنضاج شروط مغرب جديد، نابع من تمحيص نصف قرن من الاستقلال. كان ذلك منذ عشرين سنة خلت، عندما شرع المغاربة، أو على الأقل مجموعة من نخبته، في قراءة نقدية، تحليلية وتركيبية، لنصف قرن من وجود الدولة المستقلة والمجتمع المتطور تحت مظلتها، وقد انطلق هذا المجهود، وفيما يشبه تصفية الماضيsolder ، وإغلاق حسابه، بعد تأدية كل ديونه وفتح حساب آخر مع الحاضر والمستقبل. ولعل التلخيص الذي تفرضه المناسبة لن يستوفيَ كل مخرجات التقرير، لكنه يدفعنا إلى استحضار دعوته إلى الدخول في هندسة جديدة للتغيير .. وذلك بغية«التنبؤ بالمتغيرات الحاسمة لمغرب العقدين المقبلين، حيث ستكون صورة المغرب متأثرة بالترابط المتنامي بين الأمم، في خضم ظهور فضاءات جهوية وازنة وعدم تواجد مستقبل للدولة المنعزلة» ومن ذلك : اهتمام المغرب بعملية بناء وتطور أوروبا. رهان الحفاظ على البيئة. ضعف الكميات المتوافرة من الماء وتراجع جودتها وشبح الأزمة المائية. التأثر بشيخوخة ساكنة البلدان المصنعة من خلال هجرة الأدمغة. حصول تقدم نوعي في التكنولوجيات الحديثة. مراعاة التوجهات العالمية في مجال الطاقة واستمرار سياسة تنويع مصادرها. إكراهات المتغير الديمغرافي مع ارتفاع الشيخوخة. تزايد الضغط على سوق الشغل. كما يتوقع أيضا تزايد نسبة التمدين الذي تضاعف من حدته الهجرة القروية المتسارعة ويطبعه توطيد المحور الأطلسي، وكل هذا يجعل آفاق النمو والتشغيل غير واضحة.»… ماذا تعثر يا ترى؟ لعل أهم ما فقدناه هو نافذة الأمل، التي كان التقرير قد فتحها مراهنا على الشباب، أو ما سماه «فرصة النافذة الديموغرافية» لشعب يتطلع إلى قوته المستقبلية الكامنة في شبابه. والواضح أن فئة الذين «لا تعليم لهم ولا تكوين ولا شغل» أو «النيتوين»Neet دليل واضح على قرب إغلاق هاته النافذة، وإذا أضيفت إلى الشيخوخة التي تمس البنية الديموغرافية كما بينها الإحصاء الأخير، يتبين أن الموضوع مقلق للغاية والآفاق ليست كما توقعها التقرير … علاوة على ذلك يرى الباحث السي محمد الطوزي الذي خص التقرير بقراءة تحليلية بأن الهدف كان هو "ألا يكون لدينا، في أفق 2025، أي فرد ما بين 15 و25 سنة خارج المدرسة أو بدون تكوين"، وهذا الأمر يصعب إن لم يكن يستحيل الحديث عنه بإيجاب. وبما أن العام عام المدونة لا يمكن إغفال تراجع نشاط المرأة، لأسباب عديدة يرجع بعضها إلى المناخ المحافظ الذي ساد اتخاذ القرار في عقد من الزمن والتشنج بين مراكز القرار، وإذا كانت قطاعات وأنشطة أخرى مثل الإقلاع الاقتصادي والحكامة الترابية وبعض التثمين الترابي قد تقدمت، بل إن التوجهات العامة التي طبعت هاته السنوات قد تحقق بعض آفاقها.. فإن الجانب الذي تحدثنا عنه يعرف تعثرا .. والواقع أن هذه الطاقة البشرية غير معروفة بما فيه الكفاية، خاصة وأن الشباب المغربي يعاني من عدة مشاكل لعل أبرزها البطالة، وهذا ما انتهت إليه سنة 2024 بوجود نسبة 21 ٪ ! تقرير الخمسينية، الذي عملت عليه نخبة متميزة وتأسست عليه مجموعة من المبادرات، داخل الدولة وداخل المجتمع لا حاجة للرجوع إليها، لم يستوف زمانه، وذلك بأن الحاجة إلى تقرير آخر فرضت نفسها قبل حلول موعد 2025. وذلك عندما أعلن الملك عن تشكيل لجنة تعمل بطريقة مغايرة، وعلى قاعدة فتح حوار وطني واسع، بهدف صياغة تقرير حول نموذج تنموي جديد، بعد ثبات تآكل النموذج الذي اشتغلت عليه اللجنة التي سبقتها. اشتغلت لجنة شكيب بنموسى على شعار مغاير للمغرب الممكن، الذي رسم ملامحها بعد الخمسينية، بحيث اختارت لتقريرها الذي قدمته إلى ملك البلاد عنوان «النموذج التنموي الجديد، تحرير الطاقات وبناء الثقة لتسريع المسيرة نحو التقدم والازدهار من أجل الجميع». .. في أفق2030 ، بزيادة زمنية قدرها ..خمس سنوات كما يقال! وتمحورت أحلامه الكبرى في المقترب السيوسيواقتصادي حول : اقتصاد منتج ومتنوع قادر على خلق قيمة مضافة ومناصب شغل ذات جودة، عن طريق إزالة الحواجز الإدارية والتنظيمية بطريقة نسقية، وضمان منافسة سليمة وتقوية أجهزة الضبط وتوجيه الفاعلين الاقتصاديين إلى الأنشطة المنتجة وإحداث صدمة تنافسية والعمل على انبثاق "مغرب الجهات" مزدهر وحيوي، عبر تسريع عملية الجهوية المتقدمة موازاة مع لاتمركز فعلي، إلى غير ذلك من مقومات المغرب الجديد. والحال أننا نوشك أن نعانق 2025 ونحن ما زلنا ما دون آفاقها المعنية، لاسيما في الجوانب القابلة للقياس، وفي قلبها مناصب الشغل، باعتبار العمل هو أهم عناوين … الدولة الاجتماعية التي صارت لازمة النخب والجماهير في مغرب آفاق 2025!