لا أخفي، وعلى تواضعي، وبساطتي، وبعيدا عن أي نوع من التشفي أو الشماتة، أنني لم أستغرب للصفعة، القاسية، الذي تعرض لها طاغية أصيلا على مدار الأسبوعين الأخيرين، ولا أعتقد أنه "قاس" (ومن القياس، هنا، وبمعناه النفسي تعيينا) "زمنا" (وبمعناه النفسي أيضا) مثلما قاس الأسبوعين سالفي الذكر. وقد حصل له ذلك مثلما حصل لأجداده من الطغاة من الذين انتسب إليهم، ودون أدنى حياء، على مدار العقود الثلاثة الأخيرة التي ظل خلالها يتديك ويتأسد ويتفرعن... والأخطر يغنم، ويغنم، ودون حسيب أو رقيب، ودون أن يخطر بباله، يوما، قوله تعالى "وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون". وتلك هي حال الطاغية الذي يتصرف وكأنه لن يموت... مع أنه يبلغ حد الجثة المترهلة. والسبب، والمباشر، في حال أصيلا، هو "حركة شباب 18 فبراير" كما أسمت نفسها، وهي حركة أشرَّت على حضورها "الاجتماعي" وحتى "السياسي" (ودون وعي منها) من خلال بيان حمل عنوان "حركة شباب 18 فبراير البيان رقم واحد". وهي التي أفادت من المناخ العربي، الصاعد، الذي أفضى إلى متغيرات عربية وحتى إقليمية كما لا ينبغي أن نتغافل عن ذلك. وهي الحركة، كذلك، التي تولدّت، وفي حال أصيلا، دائما، في أعقاب التظاهرة الرهيبة التي نظمها الشباب ذاته، يوم الجمعة (18/02/2011)، أو "جمعة "الغضب" (كما اصطلحوا عليها)، والتي حُوصِر فيها الطاغية بباب البلدية قبل أن تتم ملاحقته إلى بيته، وبما ترتب عن ذلك من تداعيات جمة إعلامية وسياسية... من المؤكد أنها زحزحت الطاغية الذي ظل حريصا على التسويق للصورة الإشهارية ذاتها (والفاسدة ابتداءً) لنفسه وبقوة "الخداع" تارة وبقوة "المال" تارة أخرى والذي يحصل عليها باسم الساكنة أو عن طريق "السْعاية" (بفصيح العامية) ولأمر في نفس يعقوب كما يقول المثل المتداول. واللافت للنظر أن هؤلاء الشياب ظلوا، وفي جميع تحركاتهم، يحملون رايات المغرب وصور رئيس البلاد، بل ويرددون النشيد الوطني، في دلالة على أن المشكل في المفسدين الذين يسيؤون ل"العهد الجديد". وطاغية أصيلا لم يكتف بالإساءة للعهد الجديد فقط، وإنما تطاول، وهو "القزم"، على الدولة المغربية... وفي أكثر من مناسبة؛ وآمل أن يتاح لي الوقت لي أكتب في الموضوع إجمالا لأول مرّة لا أقول: تتغير صورة الطاغية، التي يعرفها العارفون، ومن غير الممالئين المتربصّين ب"الشْكارة"، وإنما تمّت تعريتها فقط، وعلى وجه التحديد تعرية طبقات المساحيق التي كان يحيط بها "هالته الخادعة" و"المهشّمة"، وخصوصا كذلك إذا ما ذكَّرنا بأن "حدث جمعة الغضب" كان موضع تغطية إعلامية امتدت إلى الجارة الإسبانية التي لا تزال تترقب كل صغيرة وكبيرة بالجار المغربي. وعلى هذا المستوى فقد ذهبت جريدة "الباييس" (المنتشرة على نطاق واسع) (عدد الأحد 20 فباري 2011، الصفحة 2 تعيينا) (وبما يفيد عدم التأخر عن تغطية الحدث ومواكبته) إلى ما هو أبعد مما يمكن أن نتصور، أو حتى أن نتخيل، وذلك حين "قرأت" في محاصرة "قصر الطاغية" (وقد أشارت إليه بالاسم)، ومن قبل مئات الشباب، والتعبير لها، "un susto de muerte": "فزع موت" أو "ذعره" أو "فخه"... أو ما شئت من الترجمات التأويلية؛ هذا وأضيف، من جهتي، "التحذيق في الموت" تبعا لعبارة الفيلسوف الدنماركي سورين كيركارد. وفي الحق لا أرغب للطاغية، وعلى خلافي الوجودي والعمودي معه، في أي مصير من هذا النوع، ولا أرغب له حتى في عبارة من تلك التي تفيد "الطرشة واتتْ ذاكْ الحنك" كما علّق بها معلق على مقالي الأخير "نصيحة لطاغية أصيلا الجريح" هنا بموقع "لكم"، ودون أن يفيد ذلك أن جميع التعليقات كانت في صالحي. وحتى لا أطيل أكثر فالانتفاضة تجددت من جديد بأصيلا، وعلى وجد التحديد ما بعد صلاة جمعة 25 من فبراير. وقد لاحظت، ومن بعيد، وبمفردي، هذه المرة، أن وقعها كان أعنف إلى درجة إلى أن السياج الحديد داسه الشباب الغاضب نفسه. وهذه المرة كانت دواعي الانتفاضة رهيبة، وإن كانت تقع في المتصل ذاته الذي هو متصل "الفساد الإداري" أو "السياسي" (كما ألخصه) الذي ظل يزاوله، وفي وثوقية مطلقة، ورهيبة، الطاغية. ولا أخفي أنني لست "مراسلا صحفيا" (ودونما أي انتقاص من هذه المهمة التي كنت قد زاولتها، وبافتخار، في مقتبل مساري الكتابي)، ولست أميل إلى "التحقيق الصحفي" الذي ينقصني الوقت لإنجازه... ما أفعله تجاه أصيلا أعده داخلا لا في نطاق "قول الحق في وجه السلطة" تبعا لعبارة إدوارد سعيد التي ثقفتها في كتابه "المثقف والسلطة". ذلك أنه في حال أصيلا ليس هناك، وسواء من قريب أو من بعيد، أي مجال ل"السلطة" وبما في ذلك "السلطة القامعة" لكي لا أشير إلى "السلطة المنتجة" التي لا يفقه فيها الطاغية المعاق والهرم. هناك مجال ل"للاستبداد الفردي" و"التغول المرضي" اللذين يتم التستر عليهما أمام الكاميرا ب"الصهللة اللغوية" تارة وب"الابتسامة الآسيوية الصفراء" تارة أخرى. والحالة التي أود أن أركز عليها فيما تبقى، والتي كانت وراء جمعة 25 فبراير، والتي كانت ستنتهي إلى ما آلت إليها الجمعة التي سبقتها، هو "الوثيقة الفضيحة" التي جوبه سكان "حي المكسيك" (كما يلقبه الأهالي). وهي الوثيقة التي تم اسنتساخها، وعلى نطاق واسع، ومثل السندويش، داخل المدينة، مثلما تم استنساخ وثائق أخرى تفيد جميعها، وفي منطوقها الصريع، "النصب" أو"لاحتيال" الذي يزاوله الطاغية وب"التحصن بالقانون" ظنا منه أنه في مثل هذه الحال لا يترك بياضات أو ثقوبا. لقد بدا واضحا أن الطاغية يجعل من يلدية أصيلا ذرعا لمآربه الشخصية، وأنه لا يشتبث بالمجلس إلا من أجل "الجشع الأرضي"، وإلى درجة أن الأهالي راحوا، وفي نكتة ساخرة، يطلبون من بعضهم البعض أن يتحسسوا أوراق بيوتهم وما إذا كان قد تم تفويتها ل"منتدى أصيلة". ولنتصور أن الحي سالف الذكر شهد النور العام 1920؟ ومعنى ذلك أنه من أقدم أحياء الصفيح بشمال المغرب، بل هناك من يحسم أنه أقد حي بالمنطقة ذاتها؟ وفي الحق أن تاريخ هذا الحي طريف وفريد، ولا يمكن تصويره إلا من خلا نص روائي جميل ومستقل يبدأ من قصة باشا العرائش الأشهر الذي تمادى على الحي رفقة وسيط وأب فنان (وبين قوسين فنان) وهو الثلاثي الذي أرغمه جيش التحرير على الفرار إلى إسبانيا غذاة الاستقلال؟ وحتى لا أطيل أكثر فإن الطاغية "حفَّظ" الكاريان لفائدة "منتدى أصيلة" ومنذ زمان، وفرض على الناس أن يهجروه إلى الشقق المقابلة التي بناها ب"السْعاية" و"الأرض بالمجان". وقد فرض على هؤلاء البسطاء شراء الشقق، وكما كتبت جريدة "المساء" (الأربعاء 09/02/2011) بثمن يتراوح بين 15 و20 مليون، مع أن هذا المبلغ كاف لاقتناء شقة بطنجة وبجوار "معمل" والتخلص، بالتالي، من جانب مهم من حموضة اليومي التي كان الطاغية أحد أسبابها المباشرة بطرزانيته المقيتة وفرعونيته البليدة؟ وأصل الحكاية، وما أكثر حكايات أصيلا، البريئة، هو هذا السطو على أرض ورثتها ساكنة قبل 90 عاما (أي قبل أن يسجل الطاغية اسمه سيء الذكر في دفتر الوجود)، ولولا ضغط 18 فبراير لما عرف هؤلاء البسطاء مصير أرضهم التي هي في ملكيتهم بحكم "الحيازة"؟ وإذا كان الطاغية قد برع، ومن قبل، في التستر على "قصة المكتبة الزجاجية" (أو "مكتبة الشيطان" كما اصطلح عليها شباب حركة 18 فراير) (والتي شيدت من أموال "السْعاية" من عواصم البترول) (والتي لا تفتح أبوابها إلا لمناسبة مهرجان "التأنتيك") ، وإذا كان أيضا قد برع في التستر على "حكاية الخيرية"؟ فإنه في حال "لغم السكن" (سكن البسطاء) وحال "اللعب بالقانون" وجد نفسه "ساقطا بين كرسيين" كما يقول المثل الفرنسي، وخصوصا إذا ما ذكرنا بالثمن البخس الذي اقتنى به حيا بأكمله (ما يزيد عن 800 براكة) ودون إخبار أهاليه بما حصل، ومع أن هؤلاء كانوا أولى به. وفي ضوء ما سلف، وفي ضوء "الغموض" (أو "التْخرويضْ") الذي يطال "ملف التعمير" ككل بأصيلا (شأن ملفات أخرى في مقدمها ملف الثقافة المفترى عليها)، أقول: هل "مؤسسة منتدى أصيلة" (أو بالأحرى ما يسمى...) منتدى "ثقافي" أم أنها وهذا هو المؤكد وكالة تجارية (لا أخلاقية)؟ وكيف تم التفويت؟ والأطراف المشاركة فيه؟ وألا يمكن محاسبة الطاغية أو "لَمْطوَرْ" أم أنه سيظل فوق القانون؟ أو أنه جاء مع "الأمطار الأخيرة" وسيذهب مع الأمطار ذاتها؟ لقد صار الطاغية "متعبا" (بالفتحة والكسرة معا على العين) للسلطات المحلية وللدولة المغربية ككل، والأفضل له أن يريح وأن يستريح... وأن يعي أنه صار "مكروها".