19 نوفمبر, 2017 - 09:51:00 "الحكومة مسؤولة أمام الرأي العام" جملة من خمس كلمات، تصدرت الصفحة الأولى من جريدة " التحرير"، كادت أن تلقى في السجن برئيس تحريرها الذي لم يكن آنذاك سوى عبد الرحمان اليوسفي، الذي خضع إلى استنطاق الشرطة التي أحالته بدورها على قاضي التحقيق. قصة هذه الجملة يرويها عبد الرحمن اليوسفي في حوار مطول أجراه معه الكاتب الصحافي جمال المحافظ، مدير إعلام سابق بوكالة المغرب العربي للأنباء، بمناسبة إعداد دكتوراه في الحقوق حول مسار وتحولات العمل النقابي في الميدان الصحفي والتأثيرات المتبادلة بين العوامل السياسية والنقابية وبين الممارسة الصحافية. وحسب اليوسفي فقد تم تقديمه أمام قاضي التحقيق سنة 1959 "نتيجة بضع كلمات فقط نشرناها في جريدة التحرير، فكان مصيرنا الاعتقال، وبعد ذلك سقنا إلى السجن " يقول ساخرا الوزير الأول في حكومة التناوب. وفي نفس السياق أضاف الوزير الأول في حكومة "التناوب التوافقي" ما بين 1998 و2002 "لقد شرحنا للقاضي جيدا أثناء فترات التحقيق، أن الرأي العام تمثله الصحافة التي أصبحت سلطة رابعة معترف بها في العالم كله، الى جانب السلطات الدستورية أي التنفيذية والتشريعية والقضائية. وزدنا في التوضيح كذلك، أن كل المفكرين يجمعون على أن هناك قوة رابعة في المجتمع هي قوة الرأي العام". ويواصل اليوسفي كاشفا عن ملابسات وتفاصيل هذه "المتابعة القضائية" بالقول "فلما اعتقلنا من أجل ذلك الموضوع المنشور بالجريدة (مديرها الفقيه البصري)، وتم تقديمنا بعد ذلك أمام قاضي التحقيق، الذي بادر إلى طرح سؤال حول ماذا كنا نعنى ونقصد بتلك العبارة (الحكومة مسؤولة أمام الرأي العام)، فقلت في جوابي سيدي القاضي إن المعروف عالميا، أنه هناك أربع سلط والرأي العام هو السلطة الرابعة الذى تمثله الصحافة، فنحن لم نخترع شيئا جديدا أو شيئا ما من وحي خيالنا، إن هذا الآمر معمول به في كل المجتمعات المتحضرة ". ويتذكر اليوسفي: "تزامن إصدارنا لهذا المقال مع فترة تولى عبد الله إبراهيم رئاسة الحكومة وكان الى جانبه عبد الرحيم بوعبيد وزيرا مكلفا بالاقتصاد، حيث دعا المغفور له محمد الخامس إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الوزراء، وتوجه في مستهله بسؤال مباشر إلى مولاي عبد الله إبراهيم، أنت يا رئيس الحكومة، مسؤول أمام من؟ فأجابه على الفور أمام جلالتكم ". وزاد اليوسفي راويا ذكرياته: "فرد عليه الملك محمد الخامس: وما هو تفسيرك وقولك فيما تضمنه المقال الذي كتبه صاحبك، (في إشارة لليوسفي)، فظل مولاي عبد الله صامتا ولم يرد على سؤال الملك "، يشرح اليوسفي الذى يخلص الى القول "فهمنا آنذاك في أسرة تحرير الجريدة، أن هذا هو الأصل في قرار إحالتنا على القضاء ومحاكمتنا، لأن السلطات العليا - وعلى كافة مستوياتها - كانت لا تستسيغ آنذاك هذه الفكرة، بل وأكثر من ذلك لا تؤمن، في ذلك الوقت بأن تكون الحكومة وأعمالها أيضا تحت رقابة سلطة الرأي العام الذي تؤثر في توجهاته بطبيعة الحال الصحافة" التي كان لها دورا أساسيا في الحياة العامة. يذكر أن الملك محمد الخامس كان قد كلف سنة 1959 عبد الله إبراهيم بتشكيل أول حكومة سياسية في المغرب بعد مرور ثلاث سنوات على نيل الاستقلال، تقودها شخصية من المعارضة اليسارية، ممثلة في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي أنيطت بعناصره أهم الحقائب الوزارية مباشرة بعد انفصاله عن حزب "الاستقلال" خلفا لأمينه العام أحمد بلافريج الذى لم تستغرق حكومته سوى ثمانية أشهر على تعيينها. وباعتباره من مؤسسي النقابة الوطنية للصحافة المغربية سنة 1963 الى جانب كل من عبد الكريم غلاب ومصطفى العلوي وعلي يعتة وآخرين "جيل التأسيس"، تحدث عبد الرحمان اليوسفي، في هذا الحوار عن مختلف المراحل والمحطات التي رافقت إحداث أول إطار نقابي للصحافة، فضلا عن السياقات والتحولات التي أثرت على هذه المنظمة المهنية والاشكالات والصعوبات التي واجهت الممارسة الصحفية في مغرب نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي. وضمنت ملاحق هذا البحث الذى يعد الأول حول اشكاليات العمل النقابي في الميدان الصحفي، حوارات مع أجيال النقابة منهم محمد اليازغي ثاني كاتب عام للنقابة ومحمد البريني عضو المكتب الوطني وهما من "جيل التأهيل والتنظيم"، ويونس مجاهد رابع كاتب عام للنقابة وعبد البقالي الرئيس الحالي للنقابة والبشير زناكي عضو المكتب الوطني للنقابة وهم من جيل "التغيير في ظل الاستمرارية". واشتملت هذه المقابلات على شهادات وآراء هذه الأجيال المتنوعة من الصحفيين الذين اضطلعوا بمهام قيادة النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ساهمت عمليا في تأسيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وتحملت مسؤولية قيادة هذه المنظمة الصحفية، ومنها من تحمل فيما بعد مسؤولية تدبير الشأن العام، خاصة في منتصف التسعينات.