عن سن الثانية والتسعين من العمر مازال السي عبد الرحمان يحظى بنفس التقدير والاحترام، من مختلف أطياف الشعب المغربي. بمناسبة الاحتفال بعيد العرش المجيد، حظي بتكريم من نوع خاص من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حين أطلق جلالته إسم ‘‘ شارع عبد الرحمان اليوسفي ‘‘ على شارع السلام سابقا وسط مدينة طنجة كتكريم واعتراف بالخدمات الكبيرة التي أسداها، ابن طنجة، للمغرب طيلة مشوراه النضالي الكبير . بادرة وتكريم تحمل أكثر من معنى لقيمة سياسية كبيرة ما أحوجنا إليها في مغرب اليوم، حيث المزايدات السياسية هي سمة النقاش في الفضاء العمومي، والركوب على المصالح الشخصية، هي الاستراتيجية الأولى والأخيرة . درس حياة وكفاح ونضال السي عبد الرحمان، يجدر أن يدرس لكل مغربي ومغربية اليوم، حول قيمة التشبث بالوطن ورموزه ومؤسساته مهما بلغت درجة الاختلاف بيننا. درس التكريم أيضا، الذي أقيم ساعات فقط بعد خطاب العرش البليغ المحمل بالرسائل السياسية للفاعلين الذين يتحلقون اليوم حول مصالحهم ومصالح أحزابهم أكثر مما يتفقون على الوطن، مفاده أن الهامات السياسية الكبيرة في البلاد هي نبراس العمل السياسي في كل زمان وكل مكان. السي عبد الرحمان اليوسفي لمن لا يعرفه من أبناء هذا الجيل، سياسي ومناضل مغربي كبير في حزب الاستقلال أولا قبل أن يصبح من مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي سيصبح فيما بعد ‘‘ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ‘‘. كان من أشد وأكبر معارضي نظام الملك الراحل الحسن الثاني، قبل أن تتغير الأمور كليا، ويصبح أول رئيس حكومة في تاريخ المغرب بهذا الماضي السياسي، في ما يعرف في أدبيات السياسة المغربية بحكومة التناوب بين عامي 1998 و 2002 . ولد عبد الرحمان اليوسفي في 8 مارس 1924 في طنجة . حصل على الإجازة في القانون ودبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية و دبلوم المعهد الدولي لحقوق الإنسان . عمل عبد الرحمان اليوسفي محاميا لدى محاكم طنجة من 1952 إلى 1960 واختير نقيبا للمحامين في طنجة العام 1959 . تولى مهام الكاتب العام المساعد لاتحاد المحامين العرب من 1969 إلى 1990 وتحمل مسؤولية رئاسة تحرير جريدة ‘‘ التحرير ‘‘ الصادرة عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية . انخرط السي عبد الرحمان في العمل السياسي ابتداء من العام 1943 عن سن التاسعة عشرة، فانضم لحزب الاستقلال بالرباط حيث كان يدرس بثانوية مولاي يوسف وهناك أسس أول خلية نضالية في مشواره السياسي. طارده الاستعمار، فظل فارا بين آسفيومراكش إلى أن استقر في الدارالبيضاء، وعمل سرا في صفوف المقاومة وانتمى لتنظيمات عمالية ونقابية سرية . بعد نفي الملك الراحل محمد الخامس إلى مدغشقر سنة 1953، تولى سي عبد الرحمان مهام تنظيم المقاومة المسلحة وجيش التحرير إلى غاية سنة 1956 . أسس مع المهدي بنبركة والفقيه البصري والمحجوب بن الصديق وعبد الرحيم بوعبيد حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنشق عن حزب الاستقلال سنة 1959. اعتقل السي عبد الرحمان في الكثير من المرات، أولها سنة 1959 مع محمد البصري عندما كان رئيس تحرير جريدة ‘‘ التحرير ‘‘ بتهم التحريض على العنف والنيل من الأمن الوطني والدولة والأمن العام . في يوليوز 1963 اعتقل عبد الرحمان مع جميع أعضاء اللجنة الإدارية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتهمة التآمر وصدر عليه حكم بالسجن لسنتين موقوفة التنفيذ، قبل أن يحصل على عفو العام 1965. سافر اليوسفي في نونبر 1965 إلى فرنسا للإدلاء بشهادته في ملف المهدي بن بركة ومكث هناك لفترة 15 سنة في منفى اختياري. حوكم السي عبد الرحمان غيابيا في محاكمات مراكش بين 1969 و 1975 وطالبت النيابة العامة بإعدامه . صدر في حقه عفو عام سنة 1980 وفي متم نفس السنة عاد إلى المغرب . اختير مندوبا دائما للاتحاد الاشتراكي بالخارج سنة 1975 وعضو مكتبه السياسي منذ المؤتمر الثالث سنة 1978 . ثم انتخب أمينا عاما للحزب بعد وفاة عبد الرحيم بوعبيد سنة 1992 . بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 1993، استقال عبد الرحمان اليوسفي من كل منصب سياسي احتجاجا على ماشابها من خروقات وعاد إلى كان الفرنسية. ما لبث السي عبد الرحمان أن عاد للمغرب بعد ضغوط كبيرة من أصدقائه وفي سياق التغيرات السياسية الكبرى التي عاشها المغرب انطلاقا من منتصف التسعينيات، وانطلاقا من الرغبة التي أبداها آنذاك الحسن الثاني لإشراك المعارضة في الحكم . وهو ما حدث بالفعل بعد مفاوضات طويلة ومتعثرة، وأخذ ورد من هذا الجانب وذاك، بعد أن قبل عبد الحرمان اليوسفي عرض الملك الراحل الحسن الثاني لقيادة ما اصطلح عليه آنذاك حكومة ‘‘ التناوب ‘‘ أو ‘‘ حكومة التناوب التوافقي ‘‘ حيث عين وزيرا أولا في 4 فبراير 1998 . في 28 أكتوبر 2003 قدم السي عبد الرحمان استقالته من منصبه وأعلن بعدها اعتزاله العمل السياسي نهائيا . وشحه الملك محمد السادس وساما ملكيا رفيعا في أغادير، ثم وشحه العاهل البلجيكي بوسام عالي في مطلع السنة نفسها . بعد هذين التوشيحي، رفض السي عبد الرحمان الكثير من التكريمات والتوشيحات والدعوات المحلية والدولية، حيث أصر دائما على القول بأن ‘‘ ما قمنا به واجب وطني ونضالي . وفعل الواجب يسقط التكريم ‘‘. قيمة وهامة السي عبد الرحمان تنبع أيضا من أخلاقيات الشرف التي تحلى بها خلال مسيرته النضالية الطويلة . لم يتبث أن استمعل لغة منحطة أو مقللة من شأن الخصوم السياسيين، أو اعتمد التجريح أو الإساءة للنظام المغربي وتوابثه ورموزه، حتى في عز خصومته مع سياساتها، أو خلال محاكماته التاريخية . قيمة مغربية أصيلة وثابتة تؤمن أكيد بالكثير من المبادئ سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا، لكنها تحتفظ بالمعنى الأول للعمل السياسي في المملكة الشريفة : المغرب أولا .