تعتبر وسائل الإعلام الأداة الأساسية للهيمنة الاجتماعية و أحد الوسائل الأكثر نجاعة وفعالية لإخضاع الشعوب والتلاعب بعقولها والتشويش على أفكارها؛ بل وتجريد إدراكها من الوعي بالحقيقة والقضاء على قدرتها على التحليل؛ فتقدم لها وعيا جاهزا يتماشى وأجندة الأنظمة؛ حيث يتم تجييش الفضائيات والبرامج لغزو عقول الناس والتلاعب بها؛ فيروج لقيم على حساب قيم أخرى، وأفكار على حساب أفكار ،أخرى ويموه على الناس ويخدعون وتطمس الحقيقة! فتغدوا التفاهات والرذيلة والرقص والمجون والسفور قيما مثلى وممارسات تستحق المشاهدة والمتابعة؛ بينما الحشمة والوقار ودماثة الخلق مرض وعقد بل ورجعية وتخلف يجانب قيم الحداثة والانفتاح. إذن فليس بالغريب أن نعاين مسؤولي القطب الإعلامي المتجمد بوطننا الحبيب وهم يبرمجون قنواتهم التلفزية وما يتناسب وأنظمة التشغيل لدى المغاربة ،بل وما يتناسب مع مصالحهم؛ فتصبح على الرقص و وهز الأكتاف، وتمسي على مسلسلات "بوسي الواوا "و"هيشك بيشك و "أخبار "العام زين" ،ليصور تجار الشهوانية الغناء الفاحش والاعوجاج المتكسر عبر برامج وأفلام الخنى والغنى فنا رفيعا وثقافة وانفتاحا، ويا له من انفتاح! يحير العاقل منا ويجعله يتساءل عن جدواه وقيمته، وما الفائدة من صرف أموال طائلة على تفاهات مجردة من أي قيمة تربوية أو معرفية؟ بل والأسوء من ذلك أنها مبطنة بثقافة وقيم لا علاقة لها بقيم إمارة المؤمنين وثقافة المسلمين!؛ فهل يا ترى أن الأمر لا يعدوا أن يكون عبث وعشوائية أشخاص أم أنه يتعلق بمؤامرة؟ ولربما العمل وفق أجندة خارجية ومخطط مدروس ومضبوط؟. فما يجهله البعض هو أن ما يسمى الفن الراقي والمسلسلات والبرامج الماجنة ومختلف الصور والمعلومات والأخبار هي التي تحدد معتقداتنا ومواقفنا، بل وتحدد في النهاية سلوكنا ورؤيتنا للأشياء؛ حيث أن التكرار يعد من الثوابت في النظريات الإعلامية. وكما نرى ونتابع فجل برامجنا وأفلامنا ومسلسلاتنا مكررة تحت عدة مسميات و ليست بريئة بالمرة؛ فهي منتقاة بعناية لا من حيث المضمون ولا من حيث الشكل، وحتى توقيت بثها دقيق وحساس؛ حيث تتكفل القناة الثانية بنشر ثقافة العري وإمطار الشباب المغربي الفقير روحيا وفكريا بالمجون وإشباع جوعه العاطفي بصور فاضحة ومشاهد مخلة بالآداب وممارسات يندى لها الجبين؛ بينما تتفرد القناة الأولى بأخبارها الحصرية ولا تكف عن دس السم في العسل والرقص على نواح الثكالى و صراح الأيتام وأنين الفقراء وإخفاء ملامح المغرب الباهتة خلف صورة "أجمل بلد في العالم" ،ورفع شعار: "العام زين". وحتى الأزواج والشيوخ كان لهم نصيب من الاهتمام في القناة الثانية عبر برنامج "لالة لعروسة" "اللي يبغا يدير الإشهار لمراتو يجيبها للبرنامج" ترى من يقبل أن تكون امرأته محط أنظار الجميع؟!، وتحت أضواء عدسات التصوير التي تسلط ضوءها على صدرها العاري تارة وعلى ساقيها وأردافها تارة أخرى!، والحاجة لعكوزة تصرخ بعد أن ربحت زوجة ابنها بعض النقاط :"سير الله ايغطيك بالرضى" فعن أي ستر تتحدثين بعد أن عرت الكاميرة مفاتنها! وقبل أسبوع تفردت قناتنا الثانية بتقرير حصري لها عن مسابقة أجمل طفلة ،فظهرت طفلة بريئة تتحدث ببراءة وعفوية على أحلامها في أن تصبح نجمة غنائية "وكيعجبها تغني وتشطح!!" وهذا هو جزاء من أنجب و ترك التربية على 2m و مثيلاتها. فعوض أن تعمل قنواتنا على تأطير المشاهد عبر برامج هادفة ومسلسلات وأفلام ذات بعد تربوي وتعليمي نجد جل البرامج والمسلسلات بقنواتنا التلفزية تسبح في مستنقع المجون ،وتقفز على حبال العاطفة ،وتلعب على عقول المشاهدين ونزواتهم لتجسد البطولة في مخيلتهم بمغامرات الحب وقصص العشق و الغرام ،والنجومية في الغناء والمشي المتكسر. وتقرن الترويح عن النفس والاستجمام بالغناء الصاخب والرقص الساقط والحفلات الماجنة؛ ليصير الانفتاح فتحا والثقافة ضما،و الحقيقة وهما تم تغييبها وطمسها بل وتزييفها. ومن ثمرات تربية إعلامنا أن شبابنا يبكي على غير كلمة لا اله الا الله ،و ويفقد الوعي على المعازف والألحان ،ويتمتع بالرقص مع الشيطان ،وبعيد كل البعد عن السنة والقرآن؛ فأين هو العمق الإسلامي والعربي للمغرب في مشهدنا الإعلامي؟ وعن أي هوية وعن أي اسلام نتحدث وأجيالنا لا نعرف من إسلامها إلا الأسماء !وشبابنا يسجد عند أقدام المطربين والمطربات! ويعبد السهرات والحفلات!. وقنواتنا المغربية العربية الإسلامية ما فتئت تنحر الطهر وتغتال الحشمة وتغتصب الحياء وتنشر الدياثة ببرامج اللم والضم وهز الأكتاف واستعراض الأجساد؛ بالله عليكم ماذا تنتظرون من إعلام ساقط و من جيل: "ستوديو دوزيم" و"لالة لعروسة" و"مهند ولاميس وزعطوط"؟!فهل لهؤلاء أن يطلبوا حقا ؟!أو ينصروا قضية؟! أو يمنعوا دياثة ؟!أو يحفظوا شرفا و كرامة ؟!. لا والله، بل إنهم لموازين مباركون ،وعلى درب الدياثة سائرون ،وفي ثقافة العري والمجون راغبون. فالحرية عندهم في قصر الثوب، والحداثة في الأكل بالشوكة والسكين، والانفتاح في الدياثة؛ لأنه أمام هذا الصخب الإعلامي وأجواء النشاط والتكرار أصبح الأمر طبيعيا ومعتادا لديهم ولا يجدون فرصة للتدبر والتحليل؛ فيتابعون مختلف الصور والمشاهد في صمت ونشوة. وحتى وإن وجد من في قلبهم ذرة إيمان فرصة للتساؤل والشك؛ فإنهم يتحولون إلى أقلية تفكر عكس التيار وتخالف العوام ويبدون مغفلين لا يفهمون، وقد يضطرون وهذا ما يحدث غالبا إلى إخفاء تساؤلاتهم وقناعاتهم، ويتظاهرون بأنهم مثل كل الناس حتى لا يتهموا بالرجعية والتخلف. فلنتابع ونمرر مختلف المشاهد والمعلومات والصور والأخبار عبر المصافي الثلاث : الحقيقة والخير والفائدة . ونتساءل: ماذا يريدون لنا أن نعرف و ماذا يريدون لنا أن لا نعرف ؟ ولكم في حملة الإستفتاء خير مثال حيث أن حملة الاستفتاء بالدول المتحضرة تتم عن طريق تنظيم ندوات و محاضرات ومناظرات يحضرها عموم المواطنين من أجل فتح نقاش موسع وشرح مضامينه لكن عندنا في المغرب الدستور تشرحه الدقة المراكشية ،و الطبل والغيطة ،و عبيدات الرما ،والسهرات؛ زد على ذلك لمقدم و الشيخ و القايد .و عوض أن يشرحه فقهاء القانون الدستوري، يشرحه فقهاء المنبر بيا أيها اللذين آمنوا صوتوا "بنعم" على الدستور. يقول الخبير الفرنسي كريستيان كود فرويحيث " كلما واتتني الفرصة كي أشاهد برنامجا أو اقرأ مقالا أكون على دراية كاملة و مسبقة بمضمونه، أصدم برؤية كم زيفت الحقيقة، فكل أساليب التضليل و الدعاية بكل أنواعها و التعتيم الإعلامي التي كان يستعملها هتلر في زمانه أجدها قد وضفت بعناية في المقال أو البرنامج".