انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي و"طرد البوليساريو".. مسارات وتعقيدات    بايتاس يُشيد بالتحكم في المديونية    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    هل تغيّر سياسة الاغتيالات الإسرائيلية من معادلة الصراع في الشرق الأوسط؟    هاريس وترامب يراهنان على المترددين    مشفى القرب بدمنات يواجه أزمة حادة    طرائف وحوادث الإحصاء    "النملة الانتحارية".. آلية الدفاع الكيميائية في مواجهة خطر الأعداء    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    بذل عمل جديدة لعناصر الجمارك "توضح تراتبية القيادة" شبه العسكرية    الشرطة توقف مروج كوكايين في طنجة    فاتح شهر ربيع الآخر 1446 ه يوم السبت 5 أكتوبر 2024    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت وتقارير إعلامية تتحدث عن استهداف هاشم صفي الدين    المياه المعدنية "عين أطلس" لا تحترم معايير الجودة المعمول بها    رسميا: فيفا يعلن عن موعد انطلاق مونديال كرة القدم سيدات تحت 17 في المغرب    الحسيمة.. عائلة من افراد الجالية تتعرض لحادثة سير خطيرة على طريق شقران    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    المنظمة العالمية للملاكمة تقرر إيقاف الملاكمة الجزائرية إيمان خليف مدى الحياة    الملك يهنئ رئيس الحكومة اليابانية الجديدة    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية        بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب        أخبار الساحة    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    القطب الرقمي للفلاحة.. نحو بروز منظومة فلاحية رقمية فعالة        وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمهات عازبات .. ضحايا لا بغايا
نشر في هسبريس يوم 17 - 09 - 2009

إن لفظ "الأم العازبة" أو "single mother" أعم من لفظ "الزانية"،فالأول قد يعني إنجاب امرأة لوليد خارج إطار الزواج "out of wedlock" كما قد يعني أمومة غير بيولوجية وإنما بالتربية والرعاية لطفل ما سواء بالتكفل أو بالتبني..كما قد يكون الإنجاب نتيجة ممارسة جنسية بالتراضي أو بالإغتصاب والإستغلال الجنسي أو تحت التهديد.. ""
و يطلق لفظ "الأم العازبة" غالبا بدل إطلاق "الزانية" على المرأة التي ولدت ابنا غير شرعي أو ما يصطلح عليه فقها بابن الزنا تقليدا لنظرة الواقع الحداثي الغربي للعلاقة بين الجنسين عموما والتي لاتشترط الزواج لقيام العلاقة الجنسية وإنجاب الأطفال! (وقد كتبت مقالا سابقا في هسبريس حول هذا الخصوص وهو :(الأسرة في ظل الحداثة المادية والحركة النسوية ) وهو موجود على مدونتي:رسالة المدونة 1/برنامج world focus وأم "الأمهات العازبات":
"أمهات مغربيات عازبات يعاملن باحتقار وإخزاء" هكذا عنون موقع world focus لفيديو يتناول النظرة الإجتماعية ل"الأم العازبة"،واستهل البرنامج بلقاء مع نموذج ل" أم عازبة" والتي أنجبت وليدها في عمر 18 سنة من صديقها الذي رفض الزواج بها،فاضطرت للهرب دون أن تشرح ظروفها لأبويها..وأشار البرنامج إلى أن "الأم العازبة" لا تستطيع العيش حياة عادية وطبيعية في مجتمعها كما أشار إلى أن الثقافة الإجتماعية تؤثر في الفهم الصحيح للإسلام ،هذه الثقافة التي تزدري "الأم العازبة" وتحتقرها..
وأجرى البرنامج لقاء مع (عائشة الشنا) رئيسة جمعية التضامن النسوي في المغرب،حاضنة "الأمهات العازبات" التي تأمل أن تتغير نظرة المجتمع لهذه الفئة من النساء،وجمعيتها توفر لهن المأوى والمطعم وحضانة أطفالهن وتساعدهن على الإندماج في المجتمع وتوفر لهن عملا..ولم تخف عائشة الشنا استنكار بعض المتطرفين الدينيين كما سمتهم لعملها الإنساني لكنها لقيت تشجيعا من زوجها الذي حثها على المضي وعدم التراجع عت تأدية رسالتها النبيلة..ولا تهدف عائشة الشنا من خلال جمعيتها لزيادة أعداد "الأمهات العازبات" بل تود حمايتهن كما أشارت من السقوط في الدعارة واحتراف البغاء..
2/ "الأم العازبة" والنظرة الإحتقارية:
إن مسمى "الزانية" له من الحمولة الإحتقارية والنظرة الدونية ماينطوي على ظلم اجتماعي و تبسيط وتسطيح في مجتمعاتنا العربية و الإسلامية، هذه الحمولة الظالمة ليست ذاتية في مسمى الزانية..فالقرآن وردت فيه هذه الكلمة كما وردت في الحديث لكن ليس للتحقير والنظرة الدونية الإقصائية بل وردت كغيرها من الألفاظ ككافر ومشرك ومجرم،عزلا لحالة معينة وبيانا لها لأنها تترتب عليها آثار وأحكام شرعية معينة..هي حالة غير طبيعية في المجتمع الإسلامي تسلتزم العلاج بعقل وإيمان لا بالإقصاء وسل سيوف الظلم والإحتقار! الشريعة في ذاتها بريئة من احتقار الناس ولو كانوا غير مسلمين وغير طائعين إنما الإحتقار من بعض المسلمين المرضى الذين يبحثون في القرآن عن كل آية يجرونها على ألسنتهم على غير السياق القرآني لينتقصوا من الآخرين،والأجدى بهم البحث عن أخلاق القرآن وآدابه للتحلي بها..والفقهاء إنما دورهم استنباط الأحكام الشرعية التي جاءت لمصالح العباد وحفظا للمجتمع الإسلامي من أن تصدعه مخالفات منهج الله سبحانه بعيدا عن إصدار الأحكام التنقيصية في حق الناس فذلك ليس دورهم ولا شأنهم إنما هو منهج واستنباط وتفسير وبيان..أتحدث عن الفقهاء لا المتفيقهين ! وليس كل من ظهر في الإعلام أو قال عن نفسه فقيه هو كذلك..
أريد القول من هذا كله أن كثيرا من النساء اللائي وضعن ولدانا سفاحا بطريق غير شرعي في المجتمعات العربية هن ضحايا سياسيات معينة..لم يخترن هذا المصير..المسألة يتداخل فيها ماهو سياسي واقتصادي وعولمي وحداثي، إصدار أحكام متسرعة ونظرات محتقرة هو من قبيل القصور وغياب الوعي بحيثيات المسألة وأبعادها المتداخلة.
3/ الأم العازبة بين تطبيق الشريعة واعتبار القانون:
كان قيام الإسلام على أساس العدل بين الناس وتأدية الأمانات إلى أهلها "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"..فكل الأحكام الإسلامية التي قد تنتظم في مؤسسات وتسهر الدولة الإسلامية على تفعليها وسريانها ،تحقيقا للمقاصد وحفظا للمصالح، إنما تروم حفظ هذا المبدأ العظيم المشار إليه في الآية،ولذلك كان تطبيق الحدود الشرعية مرتبطا بهذا الإطار لايخرج عنه قيد أنملة وهو إطار العدل وتأدية الآمانات إلى أهلها..أما لو تحدثنا عن تطبيق الحدود الشريعة في معزل عن المناخ الإسلامي العام وفي ظل دولة لم تتخذ الإسلام منهجا فلن تكون سوى ظلما للناس لن يصدر عنه سوى المُباغضة بدل المُواطنة ! والعربية السعودية خير مثال على ما أقول فهي تطبق الحدود لكن النظام السياسي فيها بعيد كل البعد عن منهج الإسلام في السياسة القائم على الشورى وتداول السلط وكذا النظامين:الإقتصادي والإجتماعي إذ هناك تكديس للأموال في يد فئة محدودة من السعوديين وغالبهم من الأمراء في حين يرزح الشعب تحت عتبة الفقر والحرمان! وهناك تخدير لبعض الدعاة للناس بوعظهم وخطاباتهم الدينية المتأزمة التي لاتتطرق للمشاكل الحقيقية لهم ولا للظلم الذي يمحقهم..لذلك لا تؤتي هذه المواعظ والخطابات أية نتائج لأنها مبتورة عن المنهج الشامل للإسلام ومفصولة عن القاعدة القرآنية التي يأمر الله فيها بتأدية الآمانات والحكم بالعدل،إنما هي في معظمها قلقلات باللسان تجفوها الآذان ! يكفي أن تنظر لفضائح السعوديين خاصة والخليجيين عموما –رجالا ونساء- على مواقع الإنترنت وما يتعدى الفضائح إلى مايعجز عن وصفه اللسان وعن نقله القلم ! وغير خاف كبت أغنيائهم وأمراهم وهوسهم بالزنا الذي يصرفون في سبيله ما تقصر الأفهام عن تصوره والعقول عن إحصاءه ولو قطعوا في طريقه البلدان والبحار- ولو تفهمت الدولة أنها منفصلة عن شمولية منهج الله عطلت الحدود وتركت الأمراء يزنون ببنات بلدهم فهن أولى بأموالهم من المغربيات والمشرقيات أما أن تنافق وتدعي تطبيقها للإسلام -جزءا لا كلا- فهذه إساءة للإسلام نفسه ربما أشد من الإساءات الرسومية لأنها أوخم عاقبة وأوغل في ظلم المسلمين وغير المسلمين!- في حين ليس المواطنون السعوديون والخليجيون بمنأى عن الفقر والحرمان..لكن لما صار الناس يكونون "معارفهم" من خلال الشارع والمقاهي والإستماع لخطابات دينية معينة أكثرها متأزم تسيء للإسلام أكثر مما تدعو إليه، تنفر الناس ولا تبشرهم، ومن خلال وسائل الإعلام التي تخلط ولا تمحص وتنفث قيما معينة لها أبعاد ومنعكسات، صار هؤلاء الناس يتجنون على غيرهم بما لايليق بأخلاق دينهم بل صار تدينهم وتصورهم للدين نفسه مستمدا لا من مصادر هذا الدين قرآنا وسنة بل مستمدا من الشارع تارة ومن القنوات الفضائية تارة أخرى أو من تنظيم معين ووساطات شيوخ وزعماء! فكان من الطبيعي أن تسري إليهم قيم من يستمدون منه لأن القيم لازمة للخطابات لاتفارقها والقيمة معنى لايدرك بالحس وهي تبرمج في الإنسان كما تبرمج الوظائف المعلوماتية في الحاسوب..لذلك نجد مثلا متدينين من الطرق الصوفية أكثر تسامحا وتفتحا ولا مبالاة-وأيضا أكثر خيالية- و متدينين متسلفين ممن يسمون ب "الوهابيين" يشهرون على الناس صنوف الخطابات المنفرة والمتوعدة والناهرة والمحتقرة والإستعلائية ويمارسون عليهم "إرهابا" فكريا مقيتا..وهؤلاء بالذات كثيرا مايشحنون لفظا شرعيا معينا بنظرة احتقارية و دونية اللفظ في حد ذاته برئ منها..فلماذا هذا الإختلاف الأخلاقي والقيمي بين الطائفتين مع أن كلا منهما تدعي وصلها بالكتاب والسنة وبمنهج السلف الصالح ؟ والجواب : أنهما ليستا موصولتين بالكتاب والسنة بقدر ماهما موصولتان بواساطات زعمائهما وفهمهم للدين وتقديسهما لهذه الفهوم..فمن الطبيعي إذا كان الشيخ أو الزعيم مخرفا أو مغلظ القلب أن يكون مريدوه وأتباعه -الخاضعون منهم- كذلك أو أشد ! ومن هنا تجد كل خصوم الإسلام حين يريدون النيل من هذا الدين ينطلقون من التصورات الجزئية أو المنحرفة لهؤلاء ويوفرون لهم المداخل التي يستغلونها في حربهم الشعواء ضد إسلام لم يفهموه إلا بطريق الوساطات الفكرية الغربية أو المتغربة ! ومن ثم فاعجب كثيرا حين قيل لأحدهم ما منهجك في فهمك للإسلام ؟فأجاب :"منهجي هو اللامنهج" !!! على الأقل هذا الشخص اعترف بأن الفوضى هي "منهجه" في الفهم !
إنه من الظلم أن نرى الشريعة الإسلامية بعين واحدة ولا نستبين منها سوى الحدود وتطبيقها وكأن الإسلام يتشوف إلى تطبيق الحدود ويتلهف إلى سفك الدماء وسفحها أو هو دين دموي كما يصوره أعدائه وتكرس هذا التصور فئات من المسلمين المتخلفين أصحاب ثقافة الكهوف والجبال الذين يحلمون بقيام دولة إسلامية بطريق العنف وخردة السلاح القديم !
إن الحدود الشرعية في حد ذاتها ليست وحشية كما يصورها البعض،بل الوحشية في ظلم الناس وهضم حقوقهم ونزع ثرواتهم وبيع بلادهم وترك مجتمعهم تنخره أساليب العيش اللاأخلاقية والتي يضطر لها كثيرون وكثيرات ( الله إكون فالعوان)، أو الوحشية في أن نختزل الإسلام في هذه الحدود ونصوره دينا دمويا يعشق السيف كما تفعل السعودية للأسف والتي رسمت سيفا على علمها ! و جل علماءها باعوا ذممهم للأمراء وقدموا الإسلام مختزلا فخوفوا الناس ونفروهم ويكفي أنها "معمل" لإنتاج أصحاب اللحى الكثة الذين يتعالون على الخلق وينظرون شزرا وكأنهم ضمنوا الجنة،وحتى المبشرين بالجنة لم تزدهم بشرى رسول الله سوى خوفا ورجاء من المولى عزوجل فكأنهم لم يبشروا!
إن هذه الحدود لا تطبق إلا في إطارها العام عندما تسود العدالة الإجتماعية والمساواة ويتم القضاء على الفروق الطبقية ،ونوفر الشغل للجميع والحد الأدنى من العيش الكريم لهم،فيصير الشباب قادرا على الزواج..حينئذ من سرق تقطع يده ومن زنا تحت أنظار الناس ومسامعهم (الشهود الأربعة) يجلد أو يرجم حسب حالته متزوج أو عازب! أما الحديث عن تطبيق الحدود في ظل الفقر والحرمان واستحواذ فئة محدودة على الخيرات والدريهمات فأمر لايقول به من عقل الإسلام فهما واستقراء وتناولا شموليا غير مجزأ..أما والناس محرومون والشباب غير قادر على الزواج والأغنياء لايبالون وإنما يستفزون بسلوكاتهم ويسخرون باستعلائهم والإعلام يسوق لقيم وصور مثيرة للغرائز فلن ينتج عن ذلك سوى الإجرام والعهر وسعار جنسي..
إن الحدود أثبتت نجاعتها عبر التاريخ كما أثبتت القوانين المتساهلة عدم قدرتها على ردع المجرمين لذا نجد فقهاء القانون الغربي المتخصصين في القوانين الجنائية يرفعون عقيرتهم بالدعوة إلى تشديد العقوبات غيرة على أخلاق المجتمع ومقوماته،وهذا ما أشار إليه كاستون ستيفاني " gaston stefani" ومن معه في كتابهم بالفرنسية :" Droit pénal général et procédure pénale" وينبغي النظر للعقوبة على مستوى الردع النفسي،فالذي لايجد عقوبة صارمة توازي من الناحية النفسية إصرار المخلوق وتردعه فلن يزداد سوى إقبالا وإصرارا على إتيان الجريمة.وصدقوني فهؤلاء الذين ينتقصون من فعالية الحدود الشرعية في إطار عدواتهم للإسلام سواء أكانوا أصليين أم مقلدين فسيكونون أكثر وحشية وعداوة مع من أساء إليهم قبل اللجوء لقوانينهم "الرفيقة" وقضاءهم "الرحيم"! وكم تشهد وقائع اليوم والتاريخ على هذا! .. فإذن الشريعة لا تقبل التطبيق الجزئي وإنما تطبيقا كليا،ولنفهم هذه الفكرة نأخذ مثال السرقة، وأخذت هذا المثال لأن السرقة ظاهرة أي يسهل معرفة السارق ومحاسبته في حين أن الزنا الذي نحن بصدده جريمة غير ظاهرة يقوم بها طرفاها سرا.. والشروط الواجبة التوفر لإقامة حد الزنا صعبة التحقق،إذ الزنا لايثبت إلا بالإقرار من الزاني أو بشهادة أربعة رجال مع اعتراف الزاني بصحة ماشهد به ! فهل الزاني سيقر إذا لم يكن يخشى الله ويريد تطهير نفسه وتفادي عقاب الآخرة؟ ومن أين للقضاء بأربعة شهود يشهدون بالزنا ؟ ولو فرضنا أن تواطؤوا لإيقاع عدو لهم فاتهموه بالزنا فقد قلت أنه لابد من إقرار المتهم أو المشهود عليه بصحة ماذهب إليه الشهود، فينبغي النظر لهذه الناحية قبل التطاول على شرع الله مرضا ليس إلا! ولنرجع لمثال السرقة..فإقامة حد السرقة لابد له من شروط وهي :العدالة الإجتماعية وسقوط الظلم الإجتماعي، وتلتزم الدولة بوضع الحد الأدنى من العيش الكريم لجميع المواطنين،ويوضع حد لتبذير المبذرين وإسراف المسرفين،والفساد الذي يطال المال العام والتلاعب به،وتنفق الدولة على اليتامى والفقراء والأرامل والمحتاجين والزمنى والمعوقين وتؤخذ الزكوات وباقي الحقوق من الأغنياء - ( كما تؤخذ الضرائب بما فيها ضرائب القناتين بروميان والدوزيام قسرا وإكراها وكما تقتطع أجزاء من رواتب الموظفين لصالح التعاضدية العامة والضريبة على الدخل)- وترد على الفقراء، و" لايبيت المسلم شبعان وجاره جائع" (حديث شريف)،ولنتذكر جميعا كيف دخل يهودي فقير الإسلام واقتنع به لما خصص له الخليفة عمر بن الخطاب نفقة تعيله وتعينه ! فإن سرق أحد بعد هذا فلا أحد سيشفق عليه وكلنا نتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"والله لوأن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" وهذه هي الفلسفة الحقيقة لبناء الحكومة الإسلامية،حيث يتساوى الجميع أمام عدالة الشرع،وتهيمن هيبته على الجميع قويا كان أو ضعيفا أو حاكما أو محكوما سيدا أو مسودا. أما أن يترك الشباب عاطلا والفقر منتشرا،والحرمان مهيمنا،والفورق الطبقية طاغية،والأغنياء يعانون من البطنة ويكدسون الأموال،والمسؤولون ينهبون المال العام ويبذرون تبذيرا،وأبناء الأغنياء يعبثون بالسيارات الفاخرة والمراكب البحرية والدراجات النارية التي يكفي ثمن الواحدة منها لإعالة أسرة بكاملها،ويقيمون الحفلات الساهرة الماجنة،وأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم وصواحبهم بأيديهن وأعناقهن من الخواتم والساعات والماس والجواهر والذهب والفضة مالايقوم بثمن،حتى إذا سرق سارق دجاجة ليسد بها رمقه ويطفئ جوعه وقفوا لينادوا بتطبيق الشريعة وقطع يده! هذا هو الظلم بعينه والخروج عن الشريعة بحذافيره. ومن هنا نفهم الإجتهاد الحكيم لعمربن الخطاب حين عطل حد السرقة أيام المخمصة والجوع الشديد،لأن الإنسان في ظل تلك الظروف سيضطر للسرقة،والشريعة رخصت في ارتكاب المحظور اضطرارا أي لضرورة والضرورة مضبوطة ليست بابا مشرعا مفتوحا على مصراعيه وتقدر بقدرها..
أمام القانون الجنائي فيشير في الفصل 490 إلى :"كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة فساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة". مايعني أن "الأم العازبة" معاقبة بنص هذه المادة ! وهو ماقد يمنعها من متابعة شريكها في الجريمة لألا يطالها العقاب..وهكذا ينجو المفسد بفعلته ويضيع حق الطفل..
والغريب أن القانون الجنائي نجده جامدا أمام الواقع،فهو ينص أيضا على معاقبة كل إخلال بالحياء والتحريض على الجنس ونشر المواد الإباحية لكن نجد أن بعض وسائل الإعلام تقوم بكل ذلك دون متابعة أو عقاب ! فالقناتان المغربيتان وجرائد ممسوخة تخصص فقرات مبرمجة وأركانا لنفث الإباحية والتحريض على الزنا والإخلال بالحياء، وذلك عندها هو المضي قدما في المسؤولية و المهنية أي "سير النيشان" في العمل الصحفي ! وهو من القلب (المريض) إلى القلب (المريض)! أليس يصعد ذلك كله من السعار الجنسي في مجتمع يشهد أزمة زواج وعنوسة مرتفعة،ألا يطبع الشباب على الفجور؟ أليس ذلك من أسباب ظهور "الأمهات العازبات"؟ فلم لا يعاقب هؤلاء؟! أم أن القانون هو على الضعفاء ؟
4/ الأم العازبة نتاج العلمانية وحركة (الفمنزم):
إن " الأمهات العازبات" واقع يعيشه مجتمعنا وبدأ ظهوره بجلاء منذ الإستقلال الذي فسح زمانه لمنهج آخر وافد وغريب عن خصوصياتنا ليقود ويدير العجلة..نحن قلدنا الغرب وشكل دوما حقلا لتجربة نظرياته السياسية والإقتصادية والإجتماعية دون تمحيص أو تكييف أو استصلاح ! وكنا دوما نستورد الحلول بغية استنباتها في مناخ غير المناخ وأرض غير الأرض..ما أنتج الكوارث تلو الكوارث..قلدنا الحداثة الغربية وسرنا وراءها حذو النعل بالنعل،فما أردنا أن تكون النتيجة ؟
سيرنا في مسار الحداثة الغربية أورثنا واقع الحداثة الغربية من الناحية السلبية لاغير..فانظر إلى أي واقع سلبي في الغرب ستجده في مجتمعنا ومنه واقع "الأمهات العازبات" ! مفهوم يغيب حقيقة المرأة ويجعلها كائنا بسيطا وفق النظرة الحداثية المادية والعلمنة الغربية ذات المرجعية الكمونية الذاتية والتي ترى الإنسان مرجع ذاته وكائنا بسيطا لايتجاوز حدود المادة ويخضع لظروفها ولحتميات الطبيعة! إنسان طبيعي كسائر المخلوقات الطبيعية غير معني بالأسئلة الكبرى وحياته لا هدف ولاغاية لها إنما هي الصدفة والحركية العمياء ! والإنسان الذي يتحدث عنه في "حقوق الإنسان" هو وحدة كمية مستقلة أحادية البعد غير اجتماعية وغير حضارية لاعلاقة له بأسرة أو مجتمع أو دولة أو مرجعية تاريخية أو حضارية،هو مجموعة من الحاجات المادية المجردة ! لقد تنبأ الفيلسوف "طوماس هوبز" في إطار العقد الإجتماعي الدارويني بفكرة حرب الجميع ضد الجميع !
هذا هو الإطار العام للواقع الحداثي الغربي عامة و حركة التمركز حول الأنثى (الفيمنزم) -المسماة بالحركة النسوية خطأ في ترجمةfiminism وهي غير women’s liberation movement أو حركة تحرير المرأة- بشكل خاص كإفراز لهذا الواقع والتي وجدت في الغرب ثم صدرت إلى مغربنا وغيره..حركة أحادية تنظر لعلاقة الرجل والمرأة صراعا وهيمنة من قبل الرجل..فالمرأة إذن ذات مستقلة متمركزة حول نفسها لا توجد أرضية مشتركة بينها وبين الرجل،وحركة التمركز شبيهة بالحركة الصهيونية التي ترى البشر يهودا وأغيارا في حين ترى الفمنزم الناس ذكورا وإناثا، ومن ثم فاليهود والإناث وحدهم المظلومون ووحدهم الذي يقاسون ويعانون! هذه قيم لم تكن المرأة المغربية بمنأى عنها وهي في ظل الحداثة المقلدة وفي ظل العلمانية الشاملة التي لم تكن حركة الفمينزم سوى تبديا وإفرازا لها..وأشير هنا إلى أن المقصود بالعلمانية الشاملة هو فصل الدين والأخلاق لاعن الدولة فحسب بل عن حياة الإنسان ككل ونزع القداسة عن العالم ليصبح مادة استعمالية لصالح الأقوى،في حين أن فصل الدين عن الدولة هو العلمانية الجزئية..
إن "الأم العازبة" واقع أفرزته العلمانية،عبر سياستها في الإقتصاد والإعلام..وبما أن الدين مفصول عن الدولة..فمن الظلم أن تحاسب امرأة هي في الحقيقة ضحية العلمانية الشاملة والتحديث المادي ويلحق بها العار من أناس محظوظين جنب الله أمهاتهم أو أخواتهم أو بناتهم تلك الظروف التي سقطت فيها تلك المرأة،فبدل التجني والقدح فلينصرف هؤلاء إلى بناتهم وأخواتهم ألا يصبحن "أمهات عازبات" إن استطاعوا ولن يستطيعوا ردعهن عن المجون إن كن من اللواتي أخذهن الفكر الفمنزمي وغلب على تفكيرهن..و"الأم العازبة" هي فكرة لن أبالغ إن قلت إن أغلب الفتيات في المغرب لهن قابلية لها بحكم عدم وعيهن بإفرازات العلمانية وقيمها التي تسري لألبابهن وتجتاح قلوبهن كل لحظة عبر وسائل الإعلام والمناخ العام ! وسائل الإعلام تنقل كل شئ فورا وبسرعة..حتى أخبار القتل والتدمير صارت - لكونها أخبارا فورية instant news – مصدر تسلية فهي مفصولة عن أي تقييم أخلاقي أو ديني أو إنساني ! وقس عليها المواد الإباحية التي يراها المشاهد دون أي تقييم ! مالهدف ؟ الهدف هو تطبيع الإباحية والعنف وهي عملية شاملة تقوم بها وسائل الإعلام لتصير أمورا طبيعية عادية وهذا أمر متوقع مادامت المرجعية النهائية هي المادة ! والإعلانات التلفزيونية من أهم الوسائل لعلمنة الإنسان من الداخل بحيث يصبح وحدة استهلاكية مرتبطة بالسلعة وتوظف الغرائز الجنسية لدفع الإنسان إلى مزيد من الإستهلاك. ومن أهم الأليات الإعلامية لعلمنة الرغبات والأحلام بطلات التمثيل و الجنس والرقص والغناء بحيث ترغب الفتاة المشاهدة في تقليدهن والتزيي بأزياءهن ويصبح هدفها تحقيق اللذة الجنسية دون مراعاة لأية قيم متجاوزة، وفي مجتمعنا (المنافق) بحكم التقاليد تضطر هذه الفتاة لإظهار وجه الفتاة البريئة تتصنع (الحداكة أو الرزانة) والتدين بينما هي في دخيلة نفسها مشكلة ومبرمجة وتقول كما قالت مادونا Madonna :"أنا في عالم مادي لذا أنا فتاة مادية"! وتقول كما قالت هذه المهرجة: "give it to me" والترجمة (من راسك)..ليس بوسعها أن تكون بمنأى عن هذه القيم إلا إذا كانت واعية بظروفها التاريخية وبالعلمانية والحداثة والعولمة وآلياتها جميعا وأين فتياتنا من هذا الوعي ؟ يكفي أن تنظر للباسهن لتعلم؟ وليس اللباس أمرا بسيطا لايعبر عن هوية إنسانية ومجتمعية وحضارية بل تنميط للجسد يأخذ طريقه لتنميط الأفكار والقيم ! إن سروال الjeans أو T-Shirt مثلا يجعلان من الفتاة – والرجل أيضا- مساحة لا خصوصية لها غير متجاوزة لعالم الحواس الخمس،ولذلك لن يقتنع شخص تتفجر فيه الشهوة الجنسية بكلام فتاة ترتدي الجينز والتي شرت وتلطخ وججها بالماكياج حين تقول له إنني فكر قبل أن أكون جسدا،لأنها في الحقيقة تقول العكس بمظهرها و في دخيلة نفسها ! بل إن من بين فتيات المغرب من يرتدن مواقع الإباحية ويضعن صورهن العارية على الأنترنت،ومن الطالبات والتلميذات منهن من يجاهرن برغباتهن وإحساساتهن الجنسية،ومنهن سحاقيات ومحترفات جنس وهاويات ! هذا واقع لايتحدث عنه أحد للأسف ولازلنا نسمع بعض الوعاظ والدعاة الحالمين قولهم: النساء المسلمات على وجه التغليب والتعميم ! هم خارج العصر وينظرون من فوق أبراجهم ومن وراء الفضائيات ! ماذا تريد من إعلام يسوق لقيم العلمانية التي أشرت لها ومن تعليم لايؤدي مهمته كما ينبغي ومن أسرة مفككة الأوصال مقطوعة الروابط يعيش فيها أفرادها وحدات أنانية منفصلة؟! فتيات فيهن قابلية "الأمهات العازبات" !
5/ "الأم العازبة" ورحمة الله:
إن "الأم العازبة" لاشك ارتكبت خطأ فادحا تتحمل جزء من المسؤولية لا كل المسؤولية،والله سبحانه يغفر الذنوب جميعا،فهي إن تابت لربها واستغفرته ستجده غفورا رحيما..أما الذين ينظرون إليها باحتقار فأجدى بهم أن يحتقروا أنفسهم لأن الإستعلاء والإستكبار على الخلق ليسا إلا لله سبحانه،وربما كانت لهؤلاء أخوات أو بنات فيهن قابلية "الأم العازبة" أو محترفات الدعارة أو هاويات ! والحقيقة أنه من كانت لديه ابنة في هذا الزمان فليخش عليها من المناخ والجو العام بل والهواء الذي يختلط فيه الفجور والفساد بالأوكسجين ! ولو أقيمت دراسات متخصصة في تمحيص مدى قابلية النساء المغربيات لأن يصبحن "أمهات عازبات" لتفاجأ الجميع..صدقا وحقا..كفانا من النفاق والأحلام والقفز على الواقع..بل تعجب لفتيات ينتمين لتيارات محسوبة على "الإسلاميين" أي خلق ينتحلن وبأي بذاءة يكتحلن !
على المجتمع أن يوجه ازدراءه للمارد الذي يفرز واقعا مريرا..لا إلى ضعفاء يبرمجون على الكيف الذي يريده هذا المارد المتوحش ! ورحمنا الله جميعا،فمهما بلغت أعمالنا فليس لنا إلا رحمته وفضله سبحانه وصدق الصادق الأمين حين قال "لايدخل أحدكم الجنة بعمله قيل ولا أنت يارسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته"!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.