26 يونيو, 2017 - 10:48:00 لا تزال الاحتجاجات الاجتماعية مستمرة في منطقة الحسيمة، شمال المغرب، بعد ثمانية أشهر من انطلاقها. وعوض أن تؤدي الاعتقالات التي طالت مائة شخص، ومعظمهم من الشباب، منذ 26 ماي، إلى تهدئة النفوس، فقد زادت من قوة الحركة، وأخرجت النساء إلى الشوارع للمطالبة بالإفراج عن أزواجهن وأطفالهن. كما أن العاصمة الرباط، شهدت يوم الأحد 11 يونيو، مظاهرة جمعت عشرات الآلاف من الناس، بدعوة من أحزاب يسارية ونشطاء من 20 فبراير وجماعة "العدل والإحسان". حشد غير مسبوق منذ اندلاع الثورات العربية قبل ست سنوات. المقاربة الامنية الزائدة المقاربة الأمنية التي اختارت السلطات أن تنهجها حيث أرسلت الآلاف من الشرطة إلى منطقة الحسيمة تفتقد إلى الفعالية في هذا البلد الذي أثبت مع ذلك قدرته على مسايرة تطور المجتمع، ويقدم نفسه كجزيرة استقرار وسط المنطقة. أوائل عام 2011، عندما اندلعت الاحتجاجات في المغرب في أعقاب الثورتين التونسية والمصرية، استطاع القصر الملكي أن يستبق الغضب حيث وعد بإجراء إصلاحات دستورية واسعة، وانتخابات برلمانية مبكرة. بعد ست سنوات، كان رد السلطات مختلفا جدا، حيث قامت بإرسال عدد هائل من الشرطة إلى الريف واعتقال المحتجين الشباب، وبعضهم بتهم ثقيلة جدا على غرار تهديد الأمن الداخلي للدولة، والانفصال وتمويل الحراك من الخارج. هذا الحراك، وهو الاسم الذي أطلق على حركة الاحتجاج في الريف، رفع مطالب اجتماعية واقتصادية في المقام الأول، وليست سياسية، وليست لديه أهداف انفصالية، بل على العكس من ذلك فإن الريفيين يطالبون بالمزيد من حضور الدولة من خلال الجامعات والمستشفيات والمصانع. كما أنه، أي الحراك، استطاع أن يحافظ على السلمية منذ بدايته. ولهذا، فطيلة سبعة أشهر، كانت حالات المواجهات بين الشباب والشرطة قليلة بالرغم من الإحتكاكات المتوترة في بعض الأحيان. إن خصوصية تاريخ الريف الذي طالما تمرد وتم قمعه من طرف السلطة المركزية لم تؤخذ بعين الاعتبار في هذه المقاربة الأمنية البحتة للأزمة. ممارسات قديمة يرى المحلل السياسي محمد مدني، وهو أستاذ في كلية الحقوق بالرباط أن "السلطة تعيد انتاج الممارسات المخزنية القديمة في تدبيرها للعلاقة التي تربط السلطة المركزية مع الأطراف، ظانّة أنها لا تزال فعالة. إنها أسيرة تصوراتها التي تبنى على مزيج ما بين القمع والفعل الاجتماعي، وتعتمد عليها ل"إخضاع" المدن المتمردة، والواقع أن الوضعية تغيرت". ثم أضاف أن "الامور تتم كما لو أن السلطة لم تستوعب التحولات التي عرفها المجتمع المغربي". وذكر الأستاذ الجامعي أن "هناك مدينتين أخريين شهدتا انتفاضات مماثلة ما بين 2005 و 2007، وهما بوعرفة، بالقرب من الحدود الجزائرية، وسيدي إيفني في الجنوب"، مشددا على أن "ما يحدث في الحسيمة ليس محصورا على منطقة الريف، وإنما هي ظاهرة تخص العديد من البلدات والمدن المتوسطة التي تطالب هي الأخرى بنصيبها من التنمية". وأضاف قائلا: "وقتها كان رد السلطة على هذه المطالب الاقتصادية والاجتماعية مماثلا: مزيج بين القمع والزيارات الرسمية لإعلان مشاريع جديدة. لكن الثورات العربية لعام 2011 غيرت المعادلة حيث تخلص الناس من الصمت وأصبحوا واعين بأن لديهم هامشا للمناورة من أجل المطالبة بحقوقهم. كما أن شبكات التواصل الاجتماعي تسهل انتشار المعلومة". وردا على سؤال طرحته "لوموند" على مسؤول مغربي، مطلع يونيو، حول الأزمة، بدا في موقف دفاعي وقال إن "كل دول العالم تشهد مظاهرات". فعلاً، وجود مطالب سلمية ليس مشكلة في حد ذاته. ولكن وسيلة الرد هي لتي تكشف عن المناخ السياسي للبلد. مظاهرات غير مؤطرة لقد كشفت أزمة الحسيمة عن محدودية النظام المغربي. فبالإضافة إلى الجانب القمعي تم الحكم على 25 شابا بثمانية عشر شهرا سجنا، كما أن ائتلافاً مشكلا من منظمات غير الحكومية ندد بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان قدمت السلطات مجددا وعوداً اجتماعية، ولكنها لم تباشر أي حوار مباشر مع المتظاهرين. إن اعتقال معظم الشباب الذين شكلوا العمود الفقري للحراك، ترك المتظاهرين دون تأطير، ما أدى إلى تضاعف الإشتباكات الليلية العنيفة بين الشباب وقوات الأمن خلال الأيام الأخيرة. وفي هذا البلد الذي تتعرض فيه الهيئات الوسيطة، والأحزاب السياسية، وممثلي الجمعيات، والمنتخبين للإضعاف بشكل ممنهج من طرف القصر الملكي، ليست هناك أية هيئة تحضى بالتمثيلية، في أعين المواطنين، للعب دور الوساطة. إن "أزمة الريف هذه خسارة كبرى" يقول صحفي مغربي بأسف، قبل أن يستطرد "وكأنها تمحى الخطى التي خطوناها سنة 2011"، مبرزا أن "السلطة عاجزة على الانتقال إلى المرحلة التالية في الديمقراطية وهي احترام ذكاء مواطنيها" ويقصد بذلك على الخصوص اتهامات الانفصال والتمويل من طرف جبهة البوليساريو التي وجهت للحراك. ثم أضاف أن "هذا يتجاوز الحسيمة لأن محاولة التراجع عن التقدم الذي حققناه في 2011 بدأت خلال السنوات الأخيرة". وعلى سبيل المثال يشير إلى التأخر في تطبيق الجهوية أو الأزمة السياسية التي أعقبت الإنتخابات البرلمانية التي جرت في أكتوبر 2016، عندما اضطر رئيس الاسلامي عبد الإله بنكيران، الذي يحظى بشعبية كبيرة، إلى الإستسلام لليأس، بعد شهور من "البلوكاج"، لصالح عضو آخر في حزبه، يعتبره القصر الملكي أكثر إذعانا. بقلم: شارلوت بازوني المصدر: "لوموند"