11 يونيو, 2017 - 05:23:00 حملت المسيرة الحاشدة التي شهدتها يوم الأحد 11 يونيو مدينة الرباط تضامنا مع "حراك الريف" عدة رسائل إلى من يهمهم الأمر في هرم السلطة في المغرب. فهذه أكبر مسيرة تشهدها العاصمة الرباط منذ مسيرات الحراك الشعبي عام 2011، وهو ما دفع الكثير من المراقبين إلى اعتبارها استمرارا أو إحياء لتلك الهبة الشعبية التي خرجت فيها شرائح واسعة من الشعب المغربي تطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. مسيرة الرباط التي أرادها منظموها أن تكون "وطنية"، أي جامعة جاءت لتتوج المسيرات المتواصلة منذ سبعة أشهر والتي بدأت من مدينة الحسيمة ليلة مقتل بائع السمك محسن فكري بتلك الطريقة البشعة التي هزت مشاعر المغاربة، قبل أن تنتقل شرارتها إلى مدن وقرى الريف حتى بات يطلق عليها "حراك الريف" الذي انتقلت عدواه إلى مدن وقرى مغربية كثيرة مهمشة ومنسية. فمن كان يتوقع أن الاحتجاجات التي انطلقت قبل سبعة أشهر سوف تتمدد وتتوسع في المكان والزمان وتنظم إليها شرائح كثيرة وبمطالب مختلفة؟ لقد جاءت مسيرة الرباط لتزكي الحراك الذي كان يصفه نشطاء الريف ب "المقدس" وتعطيه زخما قد تشهده الأيام المقبلة إذا لم تتدخل السلطة لتهدئة الشارع وامتصاص الغضب المتصاعد. رسائل مسيرة الرباط الحاشدة التي ستتضارب الأرقام حول عدد المشاركين فيها، كثيرة ولا يمكن حصرها. أول هذه الرسائل، هو تلقائية هذه المسيرة التي جاءت الدعوة إليها في البداية ردا على القمع الذي تعرضت له الوقفة الاحتجاجية التي سعى نشطاء إلى تنظيمها بعد اعتقال قائد حراك الريف ناصر الزفزافي، فتمت مواجهة المشاركين في تلك الوقفة بالقمع والضرب والتعنيف. وسرعان ما انضم إلى تلك الدعوة التي أطلقها نشطاء على المواقع الاجتماعية هيئات وتنظيمات مدنية وسياسية ونقابية. فردة الفعل غير الموزونة التي جابهت بها سلطات الرباط وقفة تضامنية رمزية هي التي كانت وراء هذه المسيرة الحاشدة التي جاءت لتقول "لا للقمع" ولتعلن أن الشعب المغرب أسقط "جدار الخوف" من السلطة منذ عام 2011. الرسالة الثانية، تكمن في تنوع التنظيمات التي شاركت في مسيرة الرباط، فبالإضافة إلى الحضور الرمزي لعائلات معتقلي "حراك الريف"، وممثلي تنسيقيات جاءوا من الريف للمشاركة في هذه المسيرة، كان لافتا للانتباه الحضور القوي لجماعة "العدل والاحسان" التي نزلت بكل ثقلها من أجل إنجاح هذه المسيرة، وهي المتمرسة في اختبار استعراض العضلات عندما تدعوا الحاجة إلى ذلك. وإلى جانب "العدل والإحسان" سار قادة ومناضلو حزب "النهج الديمقراطي" اليساري الراديكالي، ومن المعلوم أن الجماعة الإسلامية والحزب اليساري، ظلا طيلة حراك 20 فبراير كتفا إلى جانب كتف في جميع المسيرات التي شهدها المغرب عام 2011 قبل أن تقرر الجماعة الانسحاب من الحراك آنذاك، من جانب واحد. فمسيرة الرباط أحيت من جديد ذلك الحلف الاستراتيجي بين الإسلاميين واليساريين والتقدميين من أجل التغيير. الرسالة الثالثة، هي تلك التي حملتها شعارات المسيرة، وهي نفس شعارات حركة 20 فبراير، ما يعني أن لا شيء تحقق منها بالرغم من مرور ست سنوات، وبالرغم من كل الوعود بالإصلاحات التي اطلقتها السلطة سواء فعلت ذلك بصدق أو فقط من أجل ربح قليل من الوقت يبدو أنه بدأ ينفذ. الرسالة الرابعة، تكمن في سر قوة الحراك الذي بدأ في مدينة الحسيمة قبل أن ينتقل إلى مدن وقرى أخرى ويحط ركابه في العاصمة الرباط. فما جعل من هذا الحراك قويا ومستمرا هو سلميته ومطالبه الاجتماعية التي وحدت حوله ألوان الطيف السياسي المغربي وشرائح المجتمع المغربي. وعكس حراك 20 فبراير الذي مزقته الخلافات السياسية حول سقف المطالب ونوعيتها، فإن المطالب الاجتماعية لحراك الريف هي التي أعطته زخمه وقوته وشجعت على تمدده وتوسعه. الرسالة الخامسة، التي حملتها مسيرة الرباط هي بمثابة رد على المقاربة الأمنية التي واجهت بها السلطة "حراك الريف"، فمسيرة الرباط جاءت لتقول "كفى" من القمع وبالتالي تعلن عن الفشل الرسمي للمقاربة الأمنية التي اعتمدتها السلطة، أو على الأقل، الجناح المتشدد داخلها، كأسلوب للتعاطي مع الاحتجاجات التي ترفع مطالب اجتماعية. والرسالة السادسة، والأخيرة، وليست الآخرة، هي تلك التي جاءت لتعلن عن فشل مشروع السلطة التي نجحت إلى حد ما في الالتفاف على مطالب الشارع عام 2011، لتجد نفسها مجددا وجها لوجه مع الشارع كما حصل قبل ست سنوات، مع فارق كبير، وهو أن "الوسائط" التي استعانت بها السلطة عام 2011 لتهدئة الشارع وعملت كل شيء طيلة السنوات الماضية على أضعافها وتدجينها وهو ما جعلها تصبح اليوم أكبر غائب عن مسيرة الرباط وقبل ذلك عن "حراك الريف". فالسلطة التي استمرأت إطلاق النار على أقدامها، عفوا وسائطها، طيلة السنوات الماضية تجد اليوم نفسها حافية القدمين أمام شارع غاضب بدون واقٍ ولا صمام أمان قادر على أن يطمئن السلطة ويهدئ الشارع.