كثيرة هي الأحداث بمناطق الريف التي كانت مجرد النقطة التي أفاضت كأس التوتر بين أحفاد محمد بن عبد الكريم الخطابي والدولة المركزية، وآخرها قضية بائع السمك الشاب محسن فكري التي خلفت احتجاجات شعبية عارمة بمدينة الحسيمة والمناطق المجاورة مازالت متواصلة إلى حدود اليوم والتي أظهرت، أن الدولة عجزت حتى الآن عن القيام بمصالحة حقيقية من شأنها أن تضع حد لأجواء الإحتقان والتوتر بتلك المناطق. وحول هذا الموضوع، أوضح الناشط بالحراك الشعبي بالحسيمة، المرتضى اعمراشن، أن استمرار التوتر بالريف مرده بالأساس إلى أن الدولة ترفض الحوار مع قادة الحراك بالرغم من أن هؤلاء عبروا في بلاغ صدر عنهم استعداداهم للحوار لإيجاد حلول معقولة لمطالب الساكنة، مشيرا أن الدولة لم تكتف برفض فتح باب الحوار مع نشطاء الريف، وإنما قامت أيضا، لتبرير القمع، بترويج أخبار مغلوطة عن الحراك الشعبي بالحسيمة مفادها أن الواقفين وراءه يطالبون بالإنفصال ويتلقون الدعم من الخارج، في إشارة إلى الإتهامات التي وجهتها الأغلبية الحكومية إلى الحراك الشعبي بالحسيمة عقب اجتماعها يوم الأحد المنصرم بحضور رئيس الحكومة سعد الدين العثماني ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت. ووصف نفس الناشط الوضع في الحسيمة ب « الكارثي » بسبب غياب المشاريع الاستثمارية بالمنطقة القادرة على التخفيف من حدة البطالة والتهميش، موضحا أن المشاريع الإقتصادية والإجتماعية المخصصة للحسيمة والتي تتحدث عنها قنوات الإعلام الرسمي غير موجودة على أرض الواقع والدليل على ذلك أن فتيل الإحتجاجات بالريف من أجل التشغيل والخدمات الصحية لم تتوقف منذ الإحتجاجات التي نظمتها حركة 20 فبراير بمختلف مناطق المغرب سنة 2011، بما فيها المناطق الريفية. وكشف اعمراشن أن الدولة لم تتصالح مع الريف، وإنما قامت فقط بمجموعة من الإصلاحات التجميلية التي لم تصمد أمام واقع الإهمال والحصار الذي تتخبط فيه المناطق الريفية، معتبرا أن الوصفة الوحيدة للخروج من هذه الأزمة التي دخلت شهرها السادس هو جلوس جميع الأطراف إلى طاولة الحوار، وفق تعبيره. من جانبه، قال رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بطنجة، عبد المنعم الرفاعي، أن العلاقة المتأزمة بين السلطة المركزية وساكنة أقاليم الريف ترجع بشكل أساسي إلى واقع التهميش الذي تعاني منه تلك المناطق والناتج عن غياب المشاريع الإستثمارية بالمنطقة التي من شأنها خلف فرص الشغل للساكنة بالإضافة إلى محدودية مصادر العيش، مشيرا أن ساكنة الريف تعيش على المساعدات التي تتوصل بها من أبنائها المقيمين بالخارج، على حد تعبيره. وأوضح نفس المتحدث أنه في ظل التهميش الذي تعاني منه المنطقة منذ الإستقلال إلى الآن من الطبيعي أن تكون العلاقة نوعا ما متأزمة بين الدولة وقاطني المناطق الريفية، واصفا هذا الأمر ب »العلاقة الجدلية »، قبل أن يضيف بالحرف: « لو كان الريف واحد المنطقة لي هي مزدهرة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا الأمور غادي تكون الأمور عادية ». وكشف الرفاعي في اتصال هاتفي مع « فبراير. كوم » أن مطالب الحراك الإجتماعي بالريف عادية جدا، وعلى رأسها إحداث مستشفى للأمراض السرطانية وتشييد الجامعات حتى يتمكن شباب المنطقة من استكمال دراستهم العليا وتعبيد الطرق من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، معتبرا أن التفسير الوحيد لبلاغ الأغلبية الحكومية الذي نعت نشطاء الريف ب « الإنفصاليين » هو أن الدولة باتت غير قادرة على تلبية المطالب الإجتماعية للسكان وتحاول سلك سياسة الهروب إلى الأمام من أجل تغليب المقاربة الأمنية على المقاربة الإجتماعية لإخماد الإحتجاجات الشعبية هناك، على حد قوله. ونفى نفس الناشط الحقوقي صحة ما جاء في بلاغ الأغلبية الحكومية بخصوص حراك الريف، مشيرا أن مضمون البلاغ لا يمت إلى الواقع بصلة بمبرر أن الملف المطلبي لساكنة الريف يتضمن مطالب اقتصادية واجتماعية لا علاقة لها بالإنفصال والتمويل والخارجي، على حد تعبير المحامي بهيأة طنجة.