أقلعت الطائرة من مطار الدارالبيضاء... أغلب الركاب هم مغاربة مقيمون بكندا... أخذ نصف حبة منوم علها تساعده على النوم... فقد كان متعباً لأنه لم ينم منذ 24 ساعة. بحث عن غطاء ووضع وسادة صغيرة إلى جانب النافذة. وضع رأسه على الوسادة الصغيرة... وبدأ يستعرض أحداث الأسبوعين الذين قضاهما بالمغرب بين الأهل والأحباب... وحاول أن ينام ولكنه كان نوما متقطعا... كان يفتح عينه بين الحين والآخر... ويعاود النوم مرة أخرى... الى أن نبهته السيدة التى تجلس الى جانبه الى أنه وقت الأكل. سألته المضيفة بالفرنسية: دجاج أو سمك وأجابها بالمغربية: دجاج.. آه.. دجاج! بعد ذلك أخذ يتصفح مجلة العطور... ومر الوقت... وإذ بالمضيفة مرة أخرى بكلماتها المفرنسة تسأله إن كان يريد أن يشرب قهوة أو شايا. وطلب فنجان قهوة بدون سكر.. ارتشف جرعتين... شعر بالطائرة تهتز... فاضطر إلى اجتراع ما بقي في فنجانه... بدت المضيفات منزعجات وطالب الربان بربط الأحزمة... فساد صمت مخيف بين الركاب. لقد دخلت الطائرة منطقة اظطرابات... أخذت الطائرة تهتز وكأنها تصارع رياحا حمقاء... حاول أن يهدأ من روع السيدة بجانبه فقد بدا عليها التوتر والخوف وبدأت تتلو آيات قرآنية بصوت مسموع ...هو الاخر أخذ يردد بعض الأدعية ليهرب من الأفكار السوداء... ونطق الشهادتين وبدأ يعد المقاعد التي تفصله عن باب الطوارئ... لم يتذكر كم مر من الوقت... عادت الطائرة إلى هدوئها وأعلن الربان للراكبين إمكانية فك أحزمة السلامة... وإذ بالحركة تدب مرةً أخرى على متن الطائرة... تذكر الأمتعة وابتسم... تذكرالطاجين الذي اشترته أمه ليلة سفره... خشي أن يتكسر من جراء اهتزاز الطائرة ثم تذكر الشباكية...هي الأخرى قد تكون تعرضت لبعض التلف... عادت المضيفة المفرنسة لتطالبه هذه المرة بضرورة ملىء ورقة الجمارك التي توضح معلومات عن محتويات الحقائب! عبأ الورقة ووضع امضاؤه في أسفلها على أنه يتعهد أنه لا يحمل ممنوعات... حطت الطائرة بأمان... وتنفس الركاب الصعداء! ذهب يبحث عن حقائبه ...وتأكد من سلامة الطاجين وابتسم ابتسامة فيها انتصارعلى الاضطرابات ثم اتجه الى صف الانتظار لختم الجوازات.. نظرت اليه الموظفة وسألته: لم تصرح بأي شيء! ألم تحضر شيئا من المغرب ؟؟ بعض الزيتون مثلا؟؟ قال بلى ! نظرت اليه و قالت: اذن المعلومات فى الورقة غير مطابقة لما تحتويه الحقائب! ابتسم ابتسامة بليدة كأنه يؤكد كلامها... حدقت فيه... ثم طلبت منه فتح الحقائب وبدأت في التفتيش عن خزائن سليمان! وقعت عينها على زجاجة سمن فأخرجتها وقالت.. غير مسموح به! قال: لا سموم في سمن أمي! وأضاف: انه بيولوجي مائة بالمائة! كان متوترا وبدأ يطالبها بتذوقه أو على الأقل شمه... لم تكثرت لكلامه ثم توجهت إلى المراحيض.. وسمع مياه دورة تبلع معها سمن أمه.. بلع ريقه بصعوبة وابتسم ابتسامته البليدة... عادت موظفة الجمارك لتفتح هذه المرة علبة الفطائر التى هيئتها والدته ليلة سفره وسألته: ما هذا؟ وابتسم ابتسامته البليدة وبدأ فى شرح طريقة تهييء الفطائر المغربية... قاطعته وقالت : هي الأخرى لم تصرح بها وعلى أية حال لا يمكنك ادخالها الى كندا. وجد سلوكها غريبا وبحث فى عقله عن حل لاستعادة فطائره ...فقد كان على استعداد لأكلها كلها فى تلك اللحظة بدل رميها في القمامة... ولم تكترث... ولم يفلح معها لا الشرح ولا الابتسامة... أخذت تبحث كمسعورة عن أشياء أخرى تمررها في مجاري مطار مونتريال وتذكر الشباكية... وطار صوابه وقال: الا الشباكية! لا رمضان بدون شباكية... الشباكية هي طعم رمضان... طعم ترسخ في ذاكرته منذ الطفولة... لم يعد يبتسم ابتسامته البليدة... لا حيلة مع موظفة الجمارك الكندية.. فقط وضع اصبعه الوسطى فوق سبابته وأخذ يدعو الله أن يغشي عينيها عن الشباكية... نظرت إليه ... وقالت بلهجة قاسية: في المرة المقبلة تأكد من ملىء التصريح! ثم سمحت له بنقل حقائبه! ولم يلتفت وراءه... ولم يبتسم!