17 مارس, 2016 - 01:29:00 بدأت السلطات المغربية بإبلاغ مبعوثي "المينورسو"، بمقتضيات البيان الذي سيتم تفعيله ابتداء من يوم الأربعاء 16 مارس الجاري. وبموجب هذا الإبلاغ، سيكون على أعضاء المينورسو، من الآن فصاعدا، تحمل مصاريف وأعباء إقامتهم في الاقاليم الجنوبية. كما أخلى المغرب مسؤوليته التامة فيما يتعلق بتوفير الحماية الأمنية لأفراد البعثة. ويأتي هذا الإبلاغ، في سياق تستنفر فيه الدبلوماسية المغربية الرسمية جهودها للرد على تصريحات أمين عام الأممالمتحدة، بان كيمون، كان قد أدلى بها في متم مارس الجاري، خلال زيارته لمخيمات تندوف، وصف فيها الوضع في الصحراء ب"الاحتلال"، وهي حالة "الاستنفار" التي تأتي على بعد قرابة شهر من تقديم بان كيمون، تقريره لمجلس الأمن الدولي، حول الوضع في الصحراء، المقرر في العشر الأواخر من أبريل المقبل. وإلى جانب مسيرتين تنديديتين، بالرباط ثم العيون، خرجت الخارجية المغربية، في ظرف أقل من أسبوع، ببيانين رسميين، الأول يدين استعمال توصيف "إحتلال" وقال إنها خارجة عن القاموس الأممي المتعارف عليه، والثاني أعلنت فيه قرار إلغاء "المساهمة الطوعية" للمغرب في نفقات تسيير بعثة "المينورسو" المتواجدة بالصحراء، مع تخفيض المشاركة المغربية في المنظمات التابعة للأمم المتحدة. وبالمقابل، رد الأممالمتحدة لم يتأخر كثيرا، حيث خرج المتحدث بإسم الأمين العام للأمم المتحدة، بدوره، مرتين خلال أسبوع، الأولى يبرر فيها إستعمال المفردات التي أثارت حفيظة المغرب، والثانية، يعرب فيها عن "شجبه وغضبه". لكن مع تسارع هذه الأحداث وتوالي ردود الأفعال الرسمية، بين المملكة المغربية، من جهة، ومنظمة الأممالمتحدة من جهة أخرى، تختفي حقائق ضائعة وراء جدار هذا "التوتر" وحول حقيقة تواجد بعثة "المينورسو" في الاقاليم الصحراوية، والالتزامات الدبلوماسية والمادية للمغرب تجاهها، وخسارته أو ربحه عقب قراره لإلغاء مساهمته الطوعية على مستوى بعثاتها؟ بطاقة تعريف "المينورسو" بعثة "المينورسو" هي إختصار ل"بعثة الأممالمتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية"، وبذلك، تحدد الأممالمتحدة مهمتها بتوافق مع المغرب وجبهة "البوليساريو"، بموجب إتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين، في أبريل 1991 في "تنظيم استفتاء في منطقة الصحراء، المتنازع عليها، أمميا، وكذا حفظ السلام ومراقبة تحركات القوات المتواجدة في الصحراء من جانب المغرب والبوليساريو". وإرتبط تواجد بعثة "المينورسو" في منطقة الصحراء محل النزاع، منذ 1991 بالضرورة الملحة التي كانت لدى الأممالمتحدة في وقف إطلاق النار وحالة الحرب بين المغرب و"البوليساريو" التي بدأت عقب نونبر 1975، تاريخ المسيرة الخضراء. وأمميا، تأسست بعثة حفظ السلام الأممية "مينورسو" بموجب قرار أممي لمجلس الأمن للامم المتحدة رقم 690 في أبريل 1991، ونص على وجود مكتبها المركزي بالعيون، كبرى حواضر الصحراء، ولها 11 مركزا موزعا على كل المنطقة المتنازع عليها، حتى التي تقع شرق الحزام الرملي. واستهلت البعثة عملها في الصحراء، ب500 عنصر، يرتدي 230 فردا منهم الزي الرسمي، بما في ذلك 26 جنديا و6 ضباط شرطة و198 مراقبا عسكريا و95 من الموظفين المدنيين الدوليين و145 موظفا مدنيا محليا و23 من متطوعي الأممالمتحدة. ليصل تعداد العاملين في هذه البعثة، حسب تقرير أممي سنة 2014 إلى 1000 شخص مدني و1700 عسكري، وتتشكل وحدة الأمن من حوالي 300 ضابط شرطة، مموزعين عبر 11 مركزا، على أساس متطلبات المراحل المختلفة للفترة الإنتقالية. وتُصنف بعثة "مينورسو" المغرب، وفق تقرير أممي، في المرتبة ال15 ضمن البعثات الأكبر بالعالم، حيث تحتل بعثة "يونسفا" بأثيوبيا، المرتبة الأولى بحوالي 8326 موظفا، منهم 550 من النساء. خلافات بين البعثة والمغرب طيلة ما يقارب 25 عاما، تمر العلاقة بين المغرب وبعثة "المينورسو" الأممية، بحالة روتينية وودية، لا، بل ويصف متتبعون لشأن النزاع الأممي حول الصحراء، كون وضع موظفي "المينورسو" بالمغرب، هو "الاريح" في تاريخ بعثات حفظ السلام بالعالم، ماعدى شائبتين إثنتين. الأولى همت تقرير لأمين عام الأممالمتحدة، لمجلس الأمن الدولي، كان قد إتهم فيه السلطات المغربية، ب"التجسس" على بعثات "المينورسو" بحواضر الصحراء. وهو الأمر الذي أُثار حفيظة الرباط، ونزلت بثقلها تحتج على إتهامات "التجسس" بل وذهبت أحزاب سياسية إلى حد المطالبة ب"رحيل" بعثات قوات حفظ السلام "مينورسو" من المنطقة. الثانية، تكمن في إحتجاج الرباط، على ضابط قوات "المينورسو" (مصري الجنسية) ظهر في شريط فيديو في جلسة حوارية بمخيمات تندوف، مع شباب يوجههم بكيفية التعامل مع المغرب إزاء ملف نزاع الصحراء. الأمر الذي أخذته الأممالمتحدة بعين الاعتبار، وأصدرت قرار توقيف الضابط، بطل شريط الفيديو. "المساهمة الطوعية" للمغرب تلتزم منظمة الأممالمتحدة، بتمويل بعثاتها لحفظ السلام عبر العالم، غير انه بإمكان البلدان المستضيفة لبعثاتها، "التطوع" بمساهمة خدماتية، على مستوى السكن والإيواء، وتوفير أرض لمقرات البعثات وتجهيزاتها، وتسهيل بعض الخدمات اللوجستيكية لها". المغرب، يحدد "مساهمته الطوعية" لبعثة "المينورسو" في الصحراء، في جانب الإيواء والسكن عبر فندقين مصنفين بالعيون (نكجير والمسيرة)، وتسهيلات لوجستيكية، على مستوى التزود بالوقود، وتوفير أرض لبناء المقر المركزي للبعثة بالعيون، مع فروع أخرى بباقي المناطق الخاضعة لسيطرة المغرب. وحسب تقرير أممي رسمي، تبلغ القيمة المالية الاجمالية لميزانية بعثة "المينورسو" بالصحراء، بفروعها ال11 ما بين يوليوز 2015 إلى غشت 2016، إلى حوالي 53 مليون و190 ألف دولار أمريكي. ويتكلّف المغرب، بموجب موجب المادة 17 من ميثاق الأممالمتحدة، المتعلق بتكاليف مساهمة الدول السنوية لبعثات حفظ السلام، بتوفير النقل، والحجز في الفنادق لأفراد البعثة، ومساهمات مالية آخرى. وبالمقابل، تحدد الأممالمتحدة، في تقرير ميزانية بعثة "المينورسو" (2015-2016) تكاليف النقل البري (Transports terrestres) في مليون و90 ألف دولار أمريكي، وتكاليف الايواء والحجز في الفنادق (Installations et infrastructures ) بقيمة ملونين و979 ألف دولار أمريكي. ومن جهة المغرب، تغيب المعطيات الدقيقة حول القيمة المالية لمساهمة المغرب، لبعثة "المينورسو"، لعدم تضمنها في مخصصات قانون المالية الحكومي، المصادق عليه في البرلمان. خفض التمثيل في المنظمات الأممية وإلى جانب إلغاء "المساهمة التطوعية"، من شأن قرار المغرب، المعلن عنه ليلة الثلاثاء /الاربعاء 16 مارس الجاري، خفض التمثيل المغربي في البعثات والمنظمات الأممية عبر العالم. وعمليا، يعد المغرب هو الدولة الخامسة عشرة في ترتيب البلدان الأكثر تمثيلية في قوات "القبعات الزرق" الأممية بالعالم، حيث يشارك ب2287 جندي، منهم 718 من النساء، حسب تقرير أممي. وبذلك، يصير المغرب مضطرا بموجب قراره، بسحب 2287 جندي من جيش "القبعات الزرق" الأممي. إلغاء المساهمة.. خسارة أم ربح ؟ يرى متتبعون للشأن الدبلوماسي المغربي، إقدام المملكة على إلغاء "المساهمة الطوعية" الموجهة لبعثة "المينورسو"، خطوة "خطيرة" قد تأتي بنتائج عكسية، وتُدخل قضية نزاع الصحراء، في خندق تصير معه القضية غير خاضعة للسيطرة أمميا. في مقابل من يزكي القرار، كونه يقوي من مواقف البلاد أمميا، ويترجم عمليا دبلوماسية الهجوم بدل الدفاع. وإزاء ذلك، يرى عزيز إدمين، الباحث المغربي، في العلاقات الدولية، في حديث مع موقع "لكم"، ان قرار إلغاء المساهمة الطوعية لبعثة "المينورسو"، من شانه أن يقوي من موقف المغرب، حول توسيع صلاحيات بعثة "المينورسو" في الصحراء، أمام الموقف المعارض لجبهة "البوليساريو". وأوضح المتحدث، ان الفقرة 39 من تقرير امين عام الأممالمتحدة، بان كيمون، أمام مجلس الأمن الدولي، عام 2015، تشير إلى "وجود إختلاف في وجهات النظر حول صلاحيات بعثة المينورسو بين المغرب وجبهة البوليساريو، الأمر الذي قد يضر بسمعة البعثة الأممية"، يورد بان كيمون في تقريره السنوي. وبذلك، قال إدمين، ان قرار "الغاء المساهمة التطوعية"، سيقر عمليا وواقعيا رأيه إزاء صلاحيات البعثة. وعن السيناريوهات المطروحة، في أبريل المقبل في ظل التطورات الحاصلة بين المغرب والأممالمتحدة، قال إدمين، ان مقررات وتقارير الأممالمتحدة، تقوم على سياسة الأمر الواقع كما هو كائن، لصالح المغرب. وعموما، تشير القرائن المرتطبة بتاريخ نزاع الصحراء، إلى كون قرار إلغاء المغرب لمساهمته الطوعية، وخفض تواجده في منظمات الأممالمتحدة، مجرد تكتيك دبلوماسي ظرفي يستجيب لسياق الموعد السنوي لاجتماع مجلس الأمن الدولي حول الصحراء، وكذا سحابة عابرة في سماء، ظل الطبيعي فيها إستمرار الجمود، والإستثناء، حصول حالات توتر لا تكاد تنتهي حتى يعود الملف من جديد إلى رفوف الأممالمتحدة، وحرب باردة بين أطراف النزاع..