01 مارس, 2016 - 09:56:00 أمام ''الكثافة الخطابية'' التي باتت تطبع المشهد السياسي المغربي، وأمام السياقات المختلفة التي من الممكن أن تؤثر في كل مناسبة سياسة أو حزبية، على الخريطة السياسية، يصعب على كل متابع للشأن الحزبي، أن يخرج بقناعات واستنتاجات فيما يخص تصريحات بعض السياسيين، التي يغلب عليها الطابع ''الفجائي''. أغلب هذه التصريحات التي باتت تؤثث الفضاء السياسي المغربي تنتمي في غالبها إلى ''المدرسة الواقعية''، التي تقر بتسمية الأسماء بمسمياته، حتى يكون للخطاب الموجه صدى لدى المتلقي، ولعل من التصريحات التي طبعت المرحلة السياسية الحالية، التي يقودها حزب "العدالة والتنمية"، قائد التحالف الحكومي، هو ''المباشرة في الخطاب" وبعث رسائل "مشفرة''، إلى من يهمهم الأمر. فرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ما فتئ يمرر عدة إشارات يصعب تفسيرها، سواء من خلال خطابه السياسي، أو عبر قنواته الحزبية، ولعل من أبرز خرجاته الإعلامية التي أثارت انتباه الملاحظين، هو إحالاته المتكررة إلى عهدي الجنرال محمد أوفقير وإدريس البصري، رجل ظل الراحل الحسن الثاني. ففي لقاء الأمانة العامة للحزب الشهر الماضي، قال بنكيران بالحرف ''هناك الذي يرفض أن يسترجع الشعب مبادرته ويأخذ مكانه الطبيعي، هذا التيار كان موجودا دائما، كان عنده رموز فيما سبق.. الله يرحم الجميع.. سي أفقير.. سي البصري.. وغيرهما..". فما هي خلفيات توظيف رئيس الحكومة لأسماء تنتمي معظمها إلى حقبة تاريخية سابقة، كالجنرال أوفقير، ووزير الداخلية السابق إدريس البصري؟ وكيف يقرأ الباحثون في مجال الإعلام والتواصل هذا التوظيف المباشر لرموز ارتبطت بتاريخ القمع في المغرب؟ وهل يدخل ذلك في إطار تمويه ونبش في مرحلة سياسية سابقة؟ وإلى من توجه هذه التصريحات؟ موقع ''لكم'' يعيد تركيب حكاية توظيف رئيس الحكومة لهذه الأسماء وينقل لقرائه موقف عدد من السياسيين والباحثين في التواصل السياسي. تثبيت خطاب القطيعة على مستوى نظام الحكم.. عبد الوهاب الرامي، أستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، أكد لموقع لكم أن ''توظيف رئيس الحكومة لأسماء تعود أساسا لفترة ما يسمى في المغرب بسنوات الرصاص، يراد منه تثبيت خطاب القطيعة مع ما يمثله هؤلاء الأشخاص على مستوى نظام الحكم''. وأضاف الباحث في مجال الإعلام والاتصال، أن "هذا ما يولد التصور بأن رئيس الحكومة ينخرط في تمثلات سياسية تضع مسافة مع النهج الذي كان قائما، والذي تمثله الأسماء الموظفة في الخطاب. وفي نفس الآن، يشجب الخطاب الذين استفادوا من الفترات المرتبطة بهؤلاء الأشخاص. وبما أن المواطنين عامة - وقد ينعتهم بعض علماء الاجتماع السياسي بالزبناء السياسيين- يميلون إلى الملموس والمحسوس، فذكر الأسماء التي تختزل توجهات معينة يقرب الخطاب السياسي أكثر من إدراك المواطنين البسطاء. ومن جانب آخر، يضيف الرامي، ''يعطي ذكر أسماء الأشخاص على مستوى السياسة دائما الانطباع أن السياسي الذي يوظف هذا المنهج يمتاز بالجرأة والوضوح". وقد يكون توظيف الأسماء بديلا للحديث المضمر عن نظام بأكمله. ثم لا ننسى أن كثيرا من المعارك الإيديولوجية الآنية قد تحسم، بتفعيل عناصرها على رقعة الماضي. بمعنى أن حسم الجدل على مستوى مكونات الماضي، هو في نفس الوقت حسم للجدل القائم حاليا. وختم الرامي تصريحه لموقع "لكم" بالقول: "هناك من جانب آخر إمكانية ذكر شخصيات مرجعية بحمولة إيجابية. وتكون هذه الشخصيات في الغالب من أولائك الذين يوجدون في صف خيارات الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة. وهو شيء طبيعي لإبراز الخيارات البناءة التي كانت قائمة آنذاك، ولتحسيس المواطنين باستمرارية النضال الذي يرمز إليه رئيس الحكومة، وإكسابه شرعية تاريخية". اللعب بورقة التحكم ومن جهته، أكد الأستاذ الجامعي والمحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي، أن رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ومن خلال توظيفه لبعض الأسماء التي أكل عليها الدهر وشرب، مثل البصري وأوفقير: ''يريد أن يقول أن الذين يقدمون الولاء للنظام السياسي قد يكونوا في نفس الوقت خطرا عليه''، وهو يقصد في ذلك، حزب (الأصالة والمعاصرة)، والأشخاص الواقفين من ورائه". ولعل من تجليات هذا الخطر حسب ذات المتحدث، هو "دفع الملك إلى تبني سياسة ضد مصلحة البلاد أو دعنا نقول ضد "المصلحة العامة" بمفهومها الشمولي، إما من خلال محاربة الإسلاميين وعرقلة محاربة الفساد، أو اللعب بورقة التحكم". وأضاف النويضي ''رئيس الحكومة يريد تبليغ رسالة إلى الملك على أساس أن يحذره، ولأن ميزان القوى لا يسمح له بالمواجهة المباشرة، فهو يتواجه معه بشكل غير مباشر، إن كان يعبر دائما عن قناعته بأنه مع الملكية، ونحن لا يمكننا أن ندخل في النوايا". الحزب "المعلوم" في مقابل ذلك، أكد القيادي عبد العزيز أفتاتي، القيادي في حزب "العدالة والتنمية"، أن " بنكيران يلجأ إلى المقارنة وضرب الأمثلة، لوضع المغاربة في الصورة، التي يسعى كل سياسي لإيصالها إلى المواطنين"، مضيفا ''أن البؤس مرتبط بالحكرة والاستبداد والقمع، هناك حزب سياسي، يعرفه المغاربة، يريد تطبيق نظام "بنعلي'' في المغرب، فكيف يمكن مواجهته؟" مشيرا إلى أن "المغاربة أذكياء لدرجة أنهم يعرفون من يستغلهم، والجهات المستبدة التي تشتغل في السر''. وأشار أفتاتي في معرض حديثه، أن ''رئيس الحكومة يوظف بعض الإشارات "الرمزية'' سواء خلال خطابته أو في التجمعات الحزبية، للرد على الجهات التي تريد العودة بالمغرب إلى الوراء، وأنا سأسميهم البؤساء''. قبل أن يضيف: "الريف هو الخطابي، هناك "بؤس" يريد أن يحل محل الخطابي، الذي يرمز للحرية والإشراق"، مؤكدا أن '' الحزب المعلوم سيفضح أمره قريبا لأن المغاربة أذكياء". الحاضنة ''البصراوية'' تتسرب إلى "لاوعي " بنكيران من جهة أخرى ، أكد عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسي، أن "هناك من يريد انتقاد بنكيران ويقول ''كان صالح فيهم غير البصري"، الذي يرمز في المخيال الجمعي إلى السلطة''. وأردف ذات المتحدث، أن هناك جانبين لفهم وتحليل خطاب بنكيران، "الجانب الأول، بصفته مواطنا مغربي يتحدث كما نتحدث نحن عن أوفقير والبصري، دون أن ننسى أن جزء من ماضي بنكيران مرتبط بوزير الداخلية إدريس البصري، فهناك حديث عن تعرض بنكيران للتعذيب في فترة البصري، وهنا يطرح هاجس الخوف من تلك المرحلة". من جهة أخرى يضيف العلام ''رئيس الحكومة يعتبر نفسه بأنه في عهد غير عهد البصري، وهنا يحاول عرض مقارنة بين العهدين''. ويضف العلام أن بنكيران، بصفته رئيسا للحكومة، لا يستطيع أن يميز ما بين صفته الحزبية وصفته كرئيس حكومة، فهو نفسه تختلط عليه المواقف، فهو يتموقع داخل الأغلبية، لكنه في مرات عديدة يضع حزبه في موقف المعارضة. وزاد العلام: "شخصيا ألمس أن رئيس الحكومة لم يتطبع مع كونه رئيس الحكومة، تجد بعض خطبه تموقعه في المعارضة، لأن حزب العدالة والتنمية لا يوجد بشكل طبيعي في الحكم، وهو لا يوجد اليوم إلا في المؤسسات التي حضر إليها كمنتخب، كالحكومة والبرلمان والمجالس، بيد أننا لا نجد البيجيدي مثلا في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمنظومة الدبلوماسية، التي يشارك فيها بسفير واحد''، يضيف العلام. أما استحضار البصري في خطابات بنكيران فيفسره العلام بأنه ''يريد أن ينتقد تجربة سابقة، ولأنه لا يستطيع فعل ذلك بطريقة مباشرة، ينتقد la femme de ménage ديال حسن الثاني". ويتساءل العلام: "أليس بنكيران يقوم اليوم بنفس ما كان يقوم به البصري؟''، مبرزا في ذات السياق أن بنكيران الذي ينتقد أسلوب البصري في الحكم، تجد أحيانا أن لديه بعض السلوكات التي تتسرب إلى وعيه أو لاوعيه، تنتمي إلى "الحاضنة البصراوية"، أو أسلوب حكم البصري. ''الجيل الحالي لا يعرف البصري وأوفقير.. وفي ما إذا كانت تصريحات رئيس الحكومة، التي يستحضر فيها، "البصري وأفقير"، ترمز إلى حزب سياسي بعينه، قال عبد اللطيف وهبي، القيادي في حزب "الأصالة والمعاصرة"، ''إن رئيس الحكومة ماكيساليش، لا يهمه إلا ''تقرقيب الناب''، والضرب في شرف أعضاء المعارضة''. وأضاف وهبي، "نحن غير مستعدين للرد على تصريحات رئيس الحكومة اللامسؤولة، فهذا نقاش لا يجدي شيئا، ولا يهم المغاربة"، معتبرا أن ''الجيل الحالي لا يعرف البصري وأوفقير، هذه محطة تاريخية تهم جيلنا، وهذا في نظري، لا يهم المغاربة".