الخطاب السياسي خطاب رمزي بامتياز ، ورمزيته لا تتوقف كالرمز الأدبي على الاحالة الغنية والمكثفة على المرموز اليه بجميع حوافه الدلالية والجمالية ، بل تتجاوز ذلك الى العملية التكتيكية . فاذا كان الرمز الشعري مثلا ، توظيفا تخييليا بالأساس ومعرفيا يشرع الخيال والمعرفة على قيمة ثقافية ، وقد تكون أحيانا ذات تحريض سياسي أو اثراء ميثولوجي ، وتأثيث جمالي . فان الرمز السياسي قد يوظف في تمويه العملية السياسية وتغليفها بمجموعة من العناصر الوهمية التي تستهدف انتظارات الناس ، وتغطي طبقات الخيال الاجتماعي . وبالتالي ينتقل الخطاب السياسي كرمز عملي يعمل على تصريف اجراءات عملية في مجال الامكان والواقع ، الى رمز زمني وظيفته استهلاك الزمن ، من.........الى _ عكس الرمز الأدبي الذي يعتبر رمزا لحظويا آنيا . ولن ندخل في تفصيلات الاختلاف بين الرمزين _السياسي والأدبي _ لطبيعة المقال ، وسندخل توا الى صلب الموضوع . ما يلفت النظر في خطابات رئيس الحكومة الجديد ، السيد عبد الاله بنكيران ، أنه يقترب من "خطاب التبئير"،أو خطاب التركيز على عقدة ما يمكن تسميته ، ب"تفجير لغم السياسة المغربية " ، وهو التركيز على أقرب دائرة من دوائر تصريف القرار السياسي بالمغرب /المحيط الملكي/ ، اذ لم يتغير خطاب عبد الاله بنكيران بعد تسلمه مهام رئيس الحكومة رسميا ، بل استمر في مهاجمة محيط البلاط الملكي كرمز أعلى للفساد السياسي والمالي ، وتابع نفس الخطاب وبنفس قوة الهجوم ووهجه . فهو بعد استقباله للأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ، عاد ليؤكد على القطع النهائي مع شروط تصريف العمل السياسي ما قبل تعيين أول رئيس حكومة مغربي ، وكأن تغيير مفهوم _الوزير الأول _ بمفهوم _ رئيس الحكومة _ يراد له مصاحبة في تغيير الخطاب ، ومن ثمة أساليب العمل من انتظار الأوامر ، الى ابتكار الأوامر . فبعد خرجاته الاعلامية ، وخطاباته الجماهيرية ، كعملية اشهارية تصاحب حماس المظهر الانتخابي بما يرافقها من تكتيك التحميس والتهييج وتأليب الرأي العام لاستمالته ، بما تتطلبه طبيعة اللحظة الانتخابية المطبوعة بالتنافسية الشرسة الموسومة بنوع من العنف الخطابي ، حيث أكد في البداية السيد عبد الاله بنكيران ، موجها خطابه مباشرة الى الملك ، بكون المقربين منه ، ليسوا ديمقراطيين ، بل هم أول من يقتل الديمقراطية في المغرب ، ويخفون عنه حقائق الأوضاع بالمغرب . ثم انتقل بعد ذلك الى انتقاد تدخلهم المباشر في تسيير الحكومة والتأثير على الوزراء ، كصفعة ثنائية ، تهدف الى توجيه رسالتين في آن ، انتقاد تدخل من لا يملكون حق التدخل في العمل الحكومي ، وانتقاد طاعة أصحاب الشأن وتبعيتهم لمن هم غير معنيين بتدبير الشأن العام بنص الدستور والقوانين . كمراقب ، كان الظن ، رغم علو سقف الانتقاد أن الأمر لايعدو ، فرقعة في الهواء ، وخطابا يخرق قواعد الخطابات المألوفة ، لاغير . لكن السؤال كان هو حدود المسموح به في توجيه الانتقاد ، الى تلك المستويات ، بأسلوب لم ترق له انتقادات السياسيين المغاربة سابقا ، خاصة بعد التهدئة السياسية التي عرفها المغرب منذ سنة 1993، بعد عرض الحسن الثاني ، حكومة التناوب على المعارضة التقليدية التي رفضته ساعتئذ . وهل هو ضوء أخضر مباشر من القيادة العليا لامتصاص ، غضب الرأي العام الذي يشير بانتقاداته مباشرة الى الوجوه المقربة من الملك ، كالماجدي مثلا ، وعالي الهمة !!!! وهل هو استهلاك كلي لفريق حرق صورة الفريق الشاب الذي حاول النظام ترويجها في بداية ما سمي بالعهد الجديد ، كاشارة على التجديد والحيوية والنشاط والخلفية البكر ؟ ، لكنه أبان عن نفس عقلية وذهنية الانتهازية والفساد المعروفة في تاريخ المقربين من النظام . غير أن الانتقاد جاء هذه المرة من أقرب دائرة من النظام ، بل من الرقم الثاني في هرم السلطة المغربي .جاء من مؤسسة _رئيس الحكومة _ بعد تعيينه رسميا . حيث أكد على استقلالية العمل الحكومي ، من أي تدخل غير مؤسساتي ، كخطاب / مقص يقطع مع مرحلة التعليمات والتدخل الفوقي في ادارة شؤون ومهام الفريق الحكومي . وتبقى مشروعية السؤال عن مدى قدرة رئيس الحكومة على الايفاء بمعنى ومغزى تصريحاته وخرجاته الاعلامية ، رهانا ينتظر تجسيده ميدانيا ، وليس مجرد استلهام لشعارات يطلقها الشارع المغربي ، ويصدح بها علنا منذ ولادة حركة 20 فبراير ؛كعملية سياسوية للالتفاف على أهم منطالب الحراك الاجتماعي ؛ أي أن مهمته تكمن في توظيف هذه الشعارات ونقلها من مجالها الأم _الشارع المغربي_ الى مجالها الاستعاري _رئيس الحكومة والفريق الحكومي _ كعملية مجازية لاضفاء أبعاد جمالية على العمل السياسي كانزياح سياقي يغذي فقر العمل السياسي بالمغرب . خاصة بعد استهلاك واستنزاف ما كان يسمى بالمشروعية التاريخية والمشروعية النضالية ، فهل يستطيع حزب العدالة والتمية ربح رهان المشروعية الميدانية ؟ . وهنا لابد من الاستئناس بما سطرنه "حنا أرنت " H. AREND في دراسة لها بعنوان "الحقيقة السياسية " :" لم يكن حسن النية أبدا أحد الفضائل الأساسية ، فقد اعتبرت الأكاذيب دوما وسائل ضرورية ومشروعة ، لافقط بانسبة لمهنة رجل السياسة أو الديماغوجي ، بل أيضا لرجل الدولة نفسه