إذا لم تقع مفاجآت يوم 25 نونبر القادم، فإن حزبين كبيرين مرشحان للفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية القادمة، والحزبان هما العدالة والتنمية وحزب الاستقلال، الأول، لأنه حزب موجود في المعارضة منذ 15 سنة، ومن جهة أخرى لأنه حزب يقدم نفسه كمدافع عن الهوية الإسلامية في مناخ اجتماعي يتميز بشدة الطلب على الخطاب الديني للأفراد والجماعات، أما حزب الاستقلال فإنه وإن كانت حصيلته سلبية في الحكومة المنتهية ولايتها قبل الأوان، وإن كان زعيمه أضعف وزير أول عرفه المغرب، فإن للحزب جهازا تنظيميا وبيروقراطيا قويا، وهو يراهن على أصوات البادية وعلى نفوذ الأعيان الذين يتخطون بسهولة التصويت العقابي يوم الاقتراع، فجل من يدلون بأصواتهم في الانتخابات لا يعيرون اهتماما للبرامج ولا للحصيلة الحكومية ولا للمواقف السياسية للأحزاب، بل يصوتون إما للأشخاص أو لوعود بامتيازات، أو لمن يمد جيوبهم بنقود يرون فيها المقابل المادي لأصواتهم، مادامت أوراقهم الانتخابية لا تغير شيئا من واقع حياتهم. عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بحسه البراغماتي يعرف أن أمام حزبه الآن فرصة كبيرة للوصول إلى رئاسة الحكومة، وأن المرتبة الأولى إذا سقطت في سلة الحزب فالفضل يرجع أولا وأخيرا إلى الربيع العربي، وإلى حركة العشرين من فبراير التي حركت المياه الراكدة في البركة المغربية، التي كانت على وشك أن تدخل إلى تجربة حزب الدولة المهيمن الذي ينوب عن السلطة في تصريف الاستبداد الناعم، والتحكم بالمشهد السياسي، بدعوى أن تلك إرادة صندوق الاقتراع. ولهذا بدأ بنكيران في بعث إشارات لطمأنة خصومه في الداخل والخارج، وبدأ يشذب من لحية الحزب، ويضبط لائحة برامجه مع التوجه الليبرالي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، لكنه مع ذلك لم يصل إلى درجة القول بأن النموذج الذي يسعى إليه حزب المصباح المغربي هو نفس النموذج الذي يطبقه حزب المصباح التركي. بنكيران حين يقول: «أنا لست أردوغان، والمغرب ليس تركيا، والعلمانية هناك لا تصلح هنا لأن النظام الملكي قائم على الشرعية الدينية»، فهو يعرف أنه محتاج إلى طمأنة السلطة ورجال الأعمال والحركات النسائية والنخب الفرانكفونية والجهاز البيروقراطي، لكنه، في الوقت نفسه، لا يريد أن يخسر قاعدة مناصريه الذين يصوتون له أولا وأخيرا لأنه حزب «إسلامي» يجيب عن مطالب الهوية والانتماء والأخلاق في مناخ فقد أناس كثيرون الثقة في كل شيء، ورجعوا إلى الاعتصام بالهوية الدينية قبل التدقيق في ما عداها من برامج ومشاريع مجتمعية. وهنا يكمن مأزق حزب العدالة والتنمية الذي يقدم نفسه كبديل عن الحكومات القائمة، وفي نفس الوقت يصر على التشبث بالطابع التقليدي لنظام الحكم. هذا الطابع الذي أفرز كثيرا من مظاهر الاختلال في واقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأعاق مشروع التحول الديمقراطي أكثر من مرة على مدار العقود الخمسة للاستقلال. بمعنى آخر، عوض أن يدافع بنكيران عن نظام ملكية برلمانية حديثة تستمد شرعيتها من تعاقد اجتماعي وضعي يلعب فيه الملك دور الحكم والرمز الموحد، وشرطي المرور الذي ينظم عملية السير دون أن يتولى القيادة محل السائقين، يفضل زعيم الإسلاميين أن يختبئ خلف الطابع التقليداني لنظام الحكم حتى لا يجابه تحدي المراجعة الفكرية والسياسية للأسس التي بني عليها مشروع الحزب الأصولي، الذي تطور خطابه في السنوات الأخيرة لكن أسسه الإيديولوجية، مازالت تتحفظ على الديمقراطية كفلسفة لا كمجرد آليات، ومازالت البنية الفكرية للحزب تقاوم رياح التغيير. هذه المفارقة لا تنطبق على حزب العدالة والتنمية لوحده، بل هي قاسم مشترك بين عموم الأحزاب السياسية التي فشلت مشاريعها السياسية، ولم يعد أمامها سوى أن تلعب دورا يصغر ويكبر في مشروع الدولة التي ترفض اقتسام السلطة مع أحد، لكن اليوم هناك متغيرات جديدة وجب أخذها بعين الاعتبار، وأولها الصحوة الديمقراطية بالعالم العربي.