قدم فؤاد عالي الهمة – مؤسس حركة لكل الديمقراطيين – هدية ثمينة لإسلاميي المؤسسات في مؤتمرهم السادس , حيث قرب بين وجهات نظر أكثر التوجهات تباعدا داخل الحزب .. وأصبح العثماني الأوفر حظا في الظفر بمنصب الأمين العام الذي احتفظ به منذ تخلي د. الخطيب – مؤسس الحزب ومحتضن الإسلاميين – عن موقعه القيادي.. توقف الخلاف بين أتباع الرميد وبين أتباع بنكيران .. ووقفوا جميعا في وجه أطروحة الأمين العام للحزب التي تعطي الأولوية لمدخل التدبير عوض الهوية والنضال الديمقراطي .. وتراجع «العدالة والتنمية» عن رفع شعار محاربة الفساد بعدما اصطدم بمحيط القصر في أكثر من محطة من مثل ملف ميناء طنجة – المتوسط و أراضي الأوقاف المفوتة إلى الماجيدي .. لكن « النضال الديمقراطي» أصبح في نظر محرري الوثيقة التي ستحكم أداء العدالة والتنمية في الأربع سنوات المقبلة مدخلا لكل شيء .. لمحاربة الفساد والدفاع عن الهوية والمرجعية الإسلامية وتوفير الأجواء المناسبة لرفع جاهزية الحزب في التدبير.. عرف سعد الدين العثماني - الأمين العام لحزب العدالة والتنمية - كيف ينحني للعاصفة , ويدعها تمر في هدوء قبل أن يتأكد من استمراره على رأس الحزب الإسلامي .. فهبوب رياح حركة الهمة بما لم تشتهه سفنه جعلته يدرك أن استفادته من التناقضات القائمة بين مجموعة بنكيران من جهة ومجموعة الرميد من جهة ثانية لن تسمح له سوى بالاحتفاظ بمنصب الأمين العام, أما الأطروحة الموجهة لعمل الحزب في المرحلة المقبلة فلن تكون متطابقة بالضرورة مع قناعاته.. فالأطروحة التي تمكنت الأمانة العامة من اعتمادها كورقة لتأجيل ظهور التيارات في صفوف الحزب.. والدخول في مرحلة انتقالية من «الديمقراطية التشاركية» إلى «الديمقراطية التعاقدية والتنافسية».. ساهم الهمة بشكل حاسم في بلورتها.. ليس بحضور أتباعه للنقاشات التي سبقتها , وإنما عن طريق مواقفه الهجومية ضد الحزب التي وحدت الجميع ضده , وجعلت المجموعتين المختلفتين في السابق تسلمان معا بأن مدخل النضال الديمقراطي هو أولية الأوليات في أربع سنوات القادمة.. النضال الديمقراطي والأطروحة التي سيصادق عليها المؤتمر السادس للعدالة والتنمية تمثل الرؤية المرحلية للحزب التي تحدد المداخل الأساسية للإصلاح وأولياته الكبرى , وتسعى إلى تحديد تموقعه السياسي والاجتماعي .. فمنذ التراجع الذي عرفه الحزب في انتخابات شتنبر السابقة عندما حصل على 46 مقعدا مقابل 70 مقعدا المتوقعة من أصل 325 مقعدا ..اتجه النقاش في صفوف قواعد الحزب نحو إعادة الاعتبار للنضال الديمقراطي وطرح موضوع الإصلاحات الدستورية كأولوية في خطاب الحزب .. وبالموازاة تم التركيز على مساءلة الأمانة العامة حول عدم حزمها في مواجهة الفساد الانتخابي الذي ظهر في صور جديدة خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة .. كان المخرج الذي ارتأته قيادة الحزب الإسلامي هو إطلاقها لحوار وطني داخلي .. تم الإعلان عنه في دورة المجلس الوطني التي عقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات , بعدما خلص التقييم الذاتي لأداء الحزب إلى الكشف عن فقدانه لأزيد من عشرة مقاعد بسبب تدخل الإدارة في بعض المناطق التي استغلت عدم قدرته على تغطية كافة مكاتب التصويت التي فاق عددها 38 ألف مكتب , وإلى اعتبار أن تضارب أعضاء القيادة في تحديد الأهداف الانتخابية قد لعب دورا سلبيا بخصوص استقطاب أصوات الناخبين المتعاطفين مع الحزب .. خصوم الديمقراطية ولإرضاء جميع الأطراف عمد محمد يتيم الذي ترأس جلسات الحوار إلى تقديم صياغة توفيقية جعلت الأطروحات المختلفة حاضرة في الوثيقة المعتمدة .. فالاختيار الديمقراطي القائم على إقرار سيادة الشعب وعلى تعددية حزبية حقيقية وتداول فعلي على السلطة وتكافؤ الفرص بين الجميع بالنسبة إليه يعتبر مدخلا لمقاومة الفساد كذالك , حيث أنه كلما توفرت آليات للمحاسبة والمراقبة كلما قل الفساد وتم تحجيمه .. كما يعتبر تعزيز الديمقراطية من وجهة نظره سبيلا إلى تعزيز المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع ودعما للهوية الوطنية , «فخصوم المرجعية الإسلامية والهوية الإسلامية هم في الصميم خصوم للديمقراطية..» وللرد على القائلين بأولية الرفع من جاهزية الحزب في تدبير الشأن العام كمدخل للإصلاح , تذهب الوثيقة إلى أن التجارب الناجحة كانت بفضل توفر حد أدنى من شروط الممارسة الديمقراطية , أما « تجربة التناوب التوافقي التي راهنت فيها بعض الأحزاب المشاركة في الحكم على أنه في ظل محدودية الصلاحيات وازدواجية السلطة والغموض على مستوى المسؤولية السياسية عن التدبير , فإن أطروحة الإصلاح من خلال التدبير تبقى محدودة النتائج..». ليلة الانتخابات كان سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية جالسا في مكتبه في مقر الحزب بحي الليمون بالرباط، ليلة إعلان نتائج انتخابات 7 شتنبر 2007، يوزع الابتسامات على الضيوف من الصحافيين وممثلي السفارات، ويقول لهم إنه متأكد من احتلال حزبه للمرتبة الأولى، وأن ما سيحصل عليه الحزب من مقاعد البرلمان سيتراوح بين 60 و70 مقعدا. ومع توالي ساعات الليل، كانت النتائج التي تبثها وزارة الداخلية عبر القناتين الأولى والثانية، وتنقلها شاشات وزعت على قاعات مقر الحزب، تشير إلى استقرار نتائج الحزب في 46 مقعدا، ليحتل الرتبة الثانية بعد حزب الاستقلال. بدأت علامات الاستفهام تظهر على وجه العثماني وباقي أعضاء الأمانة العامة، وبدأت الأسئلة تتناسل وسط مناضلي الحزب الذين حجوا في تلك الليلة بكثافة إلى المقر لتهنئة بعضهم البعض والتعبير عن فرحهم عبر ترديد شعارات احتفالية تتغنى بالحزب، قبل أن تحل بهم صدمة النتيجة الرسمية التي تقل عما كان يتوقعونه بأكثر من 20 مقعدا. «كانت تلك النتائج بمثابة صدمة لأعضاء الحزب، جعلتهم يشكون في القيادة من حيث أهليتها لقيادة الحزب»، يقول عضو بالكتابة الإقليمية بالرباط كان حاضرا تلك الليلة. ومع بزوغ صباح اليوم الموالي، بدأت الأسئلة تتناسل عبر مختلف مناطق المغرب، خاصة تلك التي حقق فيها الحزب تراجعا على مستوى عدد الأصوات، أو تلك التي فقد فيها الحزب مقاعد، وبدأ أعضاء الحزب الإسلامي يوجهون انتقاداتهم إلى القيادة، وخاصة سعد الدين العثماني ولحسن الداودي وعبد الإله بنكنيران، الذين وجه إليهم اللوم على تسرعهم في إصدار تصريحات فيها «مبالغة» في التفاؤل. وتزايد الشعور بالعزلة السياسية والإحباط الداخلي عندما تم تشكيل الحكومة دون أي اعتبار لحزب العدالة والتنمية رغم أنه حل في المرتبة الثانية، وخاصة بعد تعيين عدد من الوزراء غير المنتمين إلى الأحزاب، حيث بدأ النقاش داخل الحزب يتركز حول تراجع المسار الديمقراطي في المغرب. وتوحدت مختلف أقطاب الحزب في نقد هذا التراجع الذي عكسه بيان الأمانة العامة بعد انتخابات 7 شتنبر. أمام هذه المعطيات، كان العديد من المراقبين يتوجسون من رد فعل قواعد العدالة والتنمية التي قد تدفع بقيادة الحزب إلى اختيارات مستقبلية تعيد تجربة العديد من الحركات الإسلامية بالمشرق العربي، التي تحولت إلى خيار المقاطعة، أو حتى اعتماد العمل السري خارج المؤسسات الدستورية. إزاحة العثماني وأصبحت علامات الاستفهام حول استمرار سعد الدين العثماني في منصبه كأمين عام تتناسل، خاصة وأن العديد من المراقبين كانوا لا يستبعدون إزاحته من موقعه من طرف صقور الحزب. هذا الجدل والاحتقان الذي عرفه الحزب، دفع مجموعة من أطر الحزب إلى تقديم مذكرة إلى الأمين العام سعد الدين العثماني، أثارت عددا من الأسئلة حول تراجع الحزب في الانتخابات، وتوضيح الخط السياسي للحزب، وتدعو إلى فتح حوار داخلي تطرح فيه الأسئلة الكبرى التي تشغل بال كافة الأعضاء. ومع انعقاد أول مجلس وطني مباشرة بعد نتائج الانتخابات، تبنى المجلس الوطني فكرة فتح حوار داخلي، ووجهت توصية إلى الأمانة العامة بضرورة خلق لجنة للحوار ترأسها محمد يتيم عضو الأمانة العامة. وأشرفت اللجنة على جولتين من الحوار، تناولتا بالنقاش خمس مداخلات: الأولى حول الهوية والتدبير، ألقاها سعد الدين العثماني، والثانية حول التحالفات ألقاها عبد العزيز رباح، والثالثة حول مداخل الإصلاح، قدمها عبد العالي حامي الدين، والرابعة حول المؤثرات الدولية على الوضع الداخلي ألقاها مصطفى الخلفي، والخامسة حول المسار السياسي للمغرب خاصة بعد انتخابات 2007، قدمها مصطفى الرميد. أسئلة مقلقة كانت مواضيع الحوار عبارة عن أسئلة مقلقة بالنسبة إلى الحزب، أولها علاقته بحركة التوحيد والإصلاح، حيث كان الحزب إلى وقت قريب يعتبر نفسه «ذراعا سياسيا لحركة التوحيد والإصلاح»، هدفه «تأمين المشروع الإسلامي». فبعد أزيد من 10 سنوات من العمل السياسي، تبين أن هذه الفكرة لم تعد صالحة، بل يجب أن يتبى الحزب آليات العمل السياسي، ويتخلى عن منطق «الدعوة في العمل السياسي». وثانيها، توضيح العلاقة بين «الهوية والتدبير»، أي رسم حدود بين الخطاب الأخلاقي والتدبير اليومي، ثم توضيح الخط السياسي للحزب، وتحديد أولويات الإصلاح ومداخله، والعلاقة بالفاعلين السياسيين، ثم مراجعة منطق التنظيم داخل الحزب، وما إذا كان يجب أن يتجه نحو مزيد من المركزية من خلال هيمنة الأمانة العامة، أو إلى خلق تنظيم لامركزي يركز على القطاعات. كان من نتائج الحوار صدور وثيقة سيتم عرضها على المؤتمر تحت عنوان «أطروحة المؤتمر الثامن»، وتشخص هذه الوثيقة المسار السياسي بالمغرب، وموقع الحزب ومواقفه، وتطرح كأولوية في عمل الحزب «النضال الديمقراطي»، لتعوض الأولوية التي كان يتبناها الحزب كشعار في المرحلة السابقة، والمتمثلة في «مقاومة الفساد». تركز الأطروحة على الإصلاح السياسي من خلال إصلاح النظام الانتخابي، حيث يؤدي إلى فرز خريطة سياسية واضحة، وتعزيز ضمانات نزاهة الانتخابات، وتقوية البرلمان والحكومة ودور الوزير الأول. فكرة الأطروحة ويشرح عبد العالي حامي الدين، عضو المجلس الوطني للحزب، أن فكرة الأطروحة التي خرج بها الحوار الداخلي، تم استقاؤها من فكرة مختلفة طرحت في الحوار، تتمثل في «التعاقد السياسي داخل الحزب»، مؤكدا أن الفكرة الأساسية كانت تتمحور حول طريقة انتخاب قيادة الحزب، حيث يتم انتخاب ثلاثة مرشحين لمنصب الأمين العام من داخل المجلس الوطني، وتعطى لهم مهلة لإعداد أطروحات تقدم فيما بعد أمام المؤتمر، حيث يتم التصويت على الأمين العام على أساس الأطروحة التي يقدمها، أي على أساس تعاقدي، لكن يقول حامي الدين: «تم رفض هذه الفكرة بدعوى أن الحزب غير مهيأ في هذه المرحلة لهذا التوجه، ولكن بقيت فكرة الأطروحة التي تمت صياغتها بناء على النقاشات في جلسات الحوار الداخلي». ومن جهته يوضح بلال التليدي، عضو المجلس الوطني للعدالة والتنمية، أنه يمكن النظر إلى الأطروحة التي سيناقشها الحزب في المؤتمر السادس على أساس أنها نقلة نوعية في النقاش السياسي الداخلي لحزبه، «فمجرد توافق وجهات نظر مختلفة على أطروحة سياسية تحدد مدخل الإصلاح في النضال الديمقراطي، يعتبر في حد ذاته تقدما ملموسا» يقول، فالنقاشات المطولة التي نظمها المشرفون على «الحوار الوطني الداخلي» جعلت الأطروحة التي تقدم بها الأمين العام للحزب، والتي تركز على مسألة التدبير كمدخل وأولوية في خطاب الحزب الإسلامي في المرحلة المقبلة، لا تحظى بقبول أغلبية المشاركين في الحوار، لكن على الرغم من أن الورقة حسمت في خيارين اثنين: هما خيار تدعيم الهوية وخيار النضال الديمقراطي، حيث لم تجعل من خطاب التدبير بديلا عن خيار تدعيم الهوية، كما يرى التليدي أنه «على الرغم من كل ذلك فإن المشكلة تبقى قائمة في الصياغات العامة التي صيغت بها هذه الخيارات، ففي الوقت الذي نصت فيه الأطروحة على النضال الديمقراطي فإنها قيدته بمراعاة الشروط الموضوعية والإمكانات الذاتية للحزب وما سمته العمل ضمن الممكن، وهو ما يعني أن باب التأويل مفتوح على مصراعيه بالشكل الذي يمكن فيه أن يستمر نفس التدبير السابق الذي رفع شعار مواجهة الفساد، لكن دون أن يمضي بعيدا في بعض الملفات الساخنة بحجة أن الدخول في هذه المعارك يحتاج إلى رفع السقف السياسي للحزب، وهو ما تتداخل فيه عناصر كثيرة لإيقاف هذه الملفات أو معالجتها في إطار سقف سياسي واطئ»، يشرح. وتسود مخاوف داخل الحزب من أن تتحول فكرة الأطروحات إلى ترسيم للتيارات داخل الحزب، حيث يخشى بعض مسؤولي الحزب من أن تكون تلك مقدمة لانشقاق الحزب في المستقبل. إقالة الأمين العام وعلى المستوى التنظيمي، لم تحدث تغييرات كبيرة داخل الحزب باستثناء بعض الإجراءات التي استهدفت الحد من صلاحية الأمانة العامة في تأويل قوانين الحزب، حيث تم الاتفاق على إمكانية الطعن في تأويلات الأمانة العامة للقانون أمام لجنة التحكيم، وخلق مكتب للمجلس الوطني وانتظام اجتماعاته، ومنحه حق إقالة رئيس المجلس الوطني والأمين العام وأعضاء الأمانة العامة، وزيادة تمثيلية النساء والشباب في الهيئات التقريرية. لكن أكبر قضية تطرحها هذه الاختيارات، من وجهة نظر التليدي، هي المدى الذي يمكن أن يصل إليه أداء الحزب، سواء تعلق الأمر بالنضال على واجهة تدعيم الهوية، أو بالنضال على الواجهة الديمقراطية، خاصة وأن التجربة السياسية وكذا التحولات المتسارعة التي عرفها المشهد السياسي –يقول- تثبت أن متجهات هذه الاختيارات تمضي رأسا ليس فقط إلى معارضة اختيارات الحكومة وسياساتها، بل تصل في كثير من الأحيان إلى مستوى الاصطدام باختيارات الحاكمين أنفسهم، وهو ما يطرح تحديا كبيرا على مستوى تأويل نص الأطروحة، والشكل الذي سيقرأ به النضال الديمقراطي، وهل سيمضي به الحزب إلى مداه أم أن الاعتبارات الموضوعية والشروط الذاتية للحزب، فضلا عما يسمى بالعمل ضمن الممكن، ستقف بالنضال الديمقراطي في مستوياته الدنيا وفي أحسن الأحوال المتوسطة؟»، يتساءل. أما حامي الدين، فيرى أنه لا توجد أي تخوفات بخصوص الاصطدام بالقصر لعدة أسباب، يذكر منها أنه ليس هناك أي مشكل بين العدالة والتنمية والنظام الملكي، بل بالعكس –يشرح- فإن الحزب من المدافعين عن احتفاظ الملكية بموقع متميز يحفظ لها هيبتها ويضمن لها التدخل في المحطات المهمة أو اللحظات الخلافية من باب التحكيم. «إن ما نطرحه من اقتراحات يجب أن يكون هناك توافق حولها بين الجميع، وعلى رأسهم المؤسسة الملكية. والنضال الديمقراطي لا يستهدف المؤسسة الملكية، وإنما إصلاح المؤسسات وتنظيفها من النزعات غير الديمقراطية التي تحاول أن تفرغها من محتواها»، يؤكد. وبالمقابل، لا يخفي حامي الدين أن ما يطرحه حزبه على هذا المستوى سيحرج من يستغلون مظلة المؤسسة الملكية لنهب الثروات العمومية، والاستفراد بالسلطة، أو استغلال صورة الملك أو اسمه أو صداقته لحسابهم الخاص، لكن دور الحزب –حسبه- هو التدافع المدني السلمي الديمقراطي، لأنه يؤمن بأن الديمقراطية لا تتحقق دفعة واحدة أو بأسلوب الانتظار حتى يقتنع بها الجميع. حركة الهمة ومثلما جعلت حركة الهمة من إسلاميي العدالة والتنمية خصومها الرئيسيين، فإن المؤتمر السادس لهذا الحزب سيكون مؤتمر مواجهة الهمة بامتياز. فقد كان هناك إجماع بين مختلف التوجهات داخل المغرب الإسلامي للقول إن محطة انتخابات 7 شتنبر2007، وما تلاها من أحداث قد شكلت علامة فارقة زكت هذا المسلسل التراجعي، وأشرت بوضوح على تردد وارتباك في المسار الديمقراطي. «فقد ظهر بوضوح أن منطق الريع لم يعد منحصرا في الجانب الاقتصادي بل شهدنا ظاهرة جديدة، تتمثل في الريع السياسي؟» والمقصود هنا هي حركة الهمة. «وعلى الرغم من أننا من منطق الدفاع عن التعددية وحق الجميع، سواء كانوا مواطنين عاديين أو مسؤولين سابقين، الانخراط في الحياة السياسية الجمعوية وتأسيس الأحزاب، وأن تكون لهم أحزابهم ومشاريعهم المجتمعية، تقول وثيقة العدالة والتنمية، فإن الحزب لا يقبل أن يستثمر أي كان القرب من المؤسسات العليا، في العمل السياسي أو الاشتغال بوسائل اسثنائية، على اعتبار أن ذلك يفقد التنافس السياسي من محتواه ويؤدي إلى خلق صيغة جديدة من الديكتاتورية ولو حلا لها أن تنسب نفسها إلى الديمقراطية وتتسمى باسمها». أي حركة لكل الديمقراطيين. المؤتمرون القادمون من شمال المملكة أو جنوبها.. شرقها أو غربها.. تناقشوا بدورهم في مؤتمراتهم الإقليمية نفس الموضوع. إبراهيم بوغضن ( 40 سنة ) – نائب الكاتب الجهوي للحزب بجهة سوس ماسة درعة – يكشف أن الذين انتدبوه لتمثيلهم في مؤتمرهم الوطني إلى جانب زملائه بالجهة قد تبادلوا الرأي حول مستقبل الحزب وموقعه في سياق سياسي يتميز أكثر فأكثر بالتردي والعبثية والرغبة لدى أطراف نافذة في الدولة في إماتة السياسة والسياسيين، كما تم التوقف أيضا عند بروز حركة جديدة توظف قربها من السلطات العليا لاستقطاب النخب، مما أعاد إلى الأذهان تجربة المخزن في فبركة الأحزاب منذ الستينيات، كما كشف عزيز بنبراهيم (44 سنة) – عضو الكتابة الإقليمية بسلا – أن المؤتمر الإقليمي بجهته قد تناول الوافد الجديد المتمثل في عالي الهمة الذي رأى المشاركون في تحركاته وحركته انتكاسا في مجال الديمقراطية وسيناريو سيئ الإخراج عن جبهة الفيديك، أما محمد خوجة ( 32 سنة)– المسؤول الجهوي لشبيبة الحزب بفاس – فقد صرح أن ما يشغله هو فقط « ألا تتحول هذه الحركة إلى محاربة طرف سياسي. يجب أن يكون هناك تكافؤ للفرص ولا يجب أن يؤظف الهمة قربه من الملك أو مجيئه من الداخلية لخدمة هذه الحركة. وإذ ذاك، فإن صناديق الاقتراع هي التي ستحسم». تقليص المشاركة علاقة الهمة بالعدالة والتنمية لن تطرح خلال المؤتمر السادس على مستوى «حركة لكل الديمقراطيين» لوحده، وإنما على مستوى مسؤوليته السابقة في وزارة الداخلية كذالك. فكما يكشف محمد البشير العبدلاوي (50 سنة) – الكاتب الإقليمي للحزب بطنجة – أصيلا – فإن مندوبي المؤتمر بجهة الشمال قد عارضوا إعطاء حق التزكية بالمدن الكبرى للأمانة العامة مخافة تكرار ما وقع من خلاف بين الكتابة الإقليمية بطنجة والأمانة العامة أدت إلى حرمان مدينة طنجة من خدمات أعضاء الحزب في تسيير الشأن المحلي بها، وهو ما يعيد قضية تدخل الداخلية لتقليص مشاركة الحزب الإسلامي في الانتخابات الجماعية السابقة إلى الواجهة. لكن المؤتمر الذي انعقد بعروس الشمال لا يقف عند هذا الحد، بل إن أصحابه طالبوا بتنزيل مشاريع أوراق المؤتمر الوطني على المستوى الإقليمي بدل الجهوي فقط. وعلى المستوى السياسي طالب المؤتمرون برفع وتيرة معارضة الحزب لمواجهة الفساد ورموزه والتصدي للارتفاع المهول في المعيشة. كما طالبوا أيضا بالتعجيل بالإصلاحات الدستورية ووضع آليات نضالية لمواجهة ما تعرفه الممتلكات العامة من نهب وسرقة، خاصة على المستوى العقاري. أما مؤتمرو جهة سوس فقد تساءلوا كيف يمكن المزاوجة بين الوسائل النضالية «الجماهيرية» وبين الآليات المتاحة داخل البرلمان والمجالس المنتخبة؟ وكيف السبيل إلى تحقيق معارضة قوية مع العمل الجاد للمشاركة في تسيير الشأن العام متى توفرت شروطه؟ في حين يرى زملاؤهم بسلا أن الإصلاح الدستوري هو الوسيلة الوحيدة التي بإمكانها وضع المغرب في سكة الديمقراطية الحقيقية من خلال فصل السلط واستقلال القضاء ودعم مشروعية المؤسسات ومحاسبة المفسدين، كما تمت الدعوة إلى عدم المشاركة في أية حكومة يبقى وجودها شكليا ما لم يتم توضيح وتعزيز صلاحيات الوزير الأول. ومادام أن الأمانة العامة للحزب قد اقترحت تعديلات تهم القانون الأساسي للحزب ينتظر أن يصادق عليها المؤتمر السادس، وتهم إعطاء صلاحيات أكبر للمجلس الوطني (برلمان الحزب)، فإن المؤتمرات الإقليمية التي انعقدت اهتمت بدورها بموضوع التنظيم الداخلي بشكل موسع . يقول خوجة بهذا الصدد إن «الحقبة الآن ليست زمن الكاريزمية ولكن زمن القيادة الجماعية». ويضيف أن القولة التي يرددها أعضاء الحزب من أن الرأي حر والقرار ملزم، يجب أن تطبق وتحترم، في إشارة منه إلى بعض «الخلافات» التي تظهر بين الفينة والأخرى بين زعامات الحزب حول عدد من القضايا السياسية. ويدعو خوجة إلى تحصين البناء التنظيمي مما يسميه بالأهواء وقرارات بعض الأشخاص. ويشير إلى أن من بين النقط التي تشغله كذلك تقنين مسألة التمثيل النيابي والمحلي. ويعتبر أنه يجب أن يتبنى الحزب قرار عدم تجاوز الفرد لأكثر من ولايتين في البرلمان. والهدف؟ توسيع تراكم التجربة وعدم حصرها في نخبة معينة. «يجب ألا نربي الناس على حب الكراسي». وبخصوص التمثيل المحلي، يذهب هذا الشاب إلى أن الحزب مدعو إلى تطبيق ما يعرف بحالة التنافي في الجمع بين المسؤولية التنظيمية في الحزب والمسؤولية الجماعية كمستشار محلي. لماذا؟ لتقوية دور المؤسسة الحزبية في مراقبة المستشارين، وإخضاع هؤلاء للسلطة الحزبية، يؤكد خوجة. التحالف مع الاتحاد الاشتراكي وإذا كان مؤتمرو العدالة والتنمية يحددون موقفا موحدا ضد حركة الهمة، فإنهم يعلنون عن مواقف جديدة بخصوص تحالفاتهم المقبلة، حيث يميل العديد منهم إلى ربط الجسور مع غريمهم السابق : حزب الاتحاد الاشتراكي . «*يجب الاتفاق على معايير مضبوطة على أساسها يتم التحالف مع هذا الحزب أو ذاك مع ضرورة تجاوز الموقف التقليدي المتوجس من أحزاب اليسار لجهة بناء أرضية مشتركة – ولم لا تحالف قوي ؟ – مع الأحزاب الوطنية والديمقراطية وعلى رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» يقول بوغضن، كما يؤكد بنبراهيم أن حزب الاتحاد الاشتراكي يبقى أقرب الأحزاب السياسية التي تتوحد مع العدالة والتنمية في العديد من المواقف والاختيارات. فهل يصرح المؤتمر السادس صراحة عن حلفائه الجدد.. أو الذين يرغب في التحالف معهم؟