لم يخلق أي حزب سياسي الضجة التي خلقها الإعلان عن تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة.الحزب الذي جمع مجموعات كانت مشتتة من اليسار الراديكالي في الجامعات المغربية وثلثة من «يسار اليسار المؤسسات» وعددا كبيرا من الأعيان، منهم أعيان الأحزاب التي كانت توصف بالأحزاب الإدارية.ارتبط اسم الزب باسم مؤسسه كاتب الدولة السابق في وزارة الداخلية، و«صديق الملك» كما يحلو للصحافة أن تصفه، ورفعت ضد بعض رموزه شعارات تطالبهم بالرحيل في الموجات الأولى لحركة 20 فبراير. فيما نادى خصومه، في عز هذه الموجات، بحله دون تردد، وطالبوا زعماءه، علاوة على ذلك، بالتقدم إلى الشعب المغربي ب«الاعتذار».لكن الحزب لم يتراجع، بل ساهم في تأسيس أكبر تحالف حزبي وخرج أمينه العام ليقول إن موسم حصاد انتخابي جديد قد اقترب. لسابع غشت وقع خاص في الذاكرة الخاصة لفؤاد عالي الهمة، السياسي الأكثر إثارة للجدل في المغرب. ففي هذا التاريخ من سنة 2007، قرر هذا الشاب، الذي كان يفضل العمل وراء الكاميرات وأضوائها المحرقة، على غرار الأطر التي تربت في وزارة الداخلية، أن يخرج إلى دائرة الضوء. ودوت استقالته من منصب كتابة الدولة في الداخلية، وهزت أركان المشهد السياسي في المغرب، وقرئت بأن ابن منطقة الرحامنة بجهة مراكش يهيء نفسه لتولي منصب سياسي كبير، ولعله الطريق الموصل إلى الوزارة الأولى. الهمة قرر النزول إلى «الشارع» للمساهمة في «تأهيل المشهد»، وكانت أولى «معاركه» خوضه الانتخابات التشريعية لسنة 2007. وبقدر ما شكل فوز لائحته الساحق بهذه الانتخابات «مفخرة» له، فقد كانت أهم بداية استغلها «الخصوم» ل«تدشين» موجة الانتقادات. وفي 7 غشت 2008، أعلن فؤاد عالي الهمة، الذي نجح في توسيع دائرته من رموز «اليسار الراديكالي» في الجامعات المغربية، ومن «ضحايا» سنوات الرصاص، ومن «أعيان» أحزاب اليمين «المتنور»، عن تأسيس «حزب الأصالة والمعاصرة». وبين القرارين الكبيرين اللذين وصما المشهد الحزبي بآثار لا تزال واضحة، جرت الكثير من «التطورات» في مسار رجل غير عادي، خبر دهاليز الداخلية سنوات طويلة، وتقلد مناصب مسؤولة لها حساسية في هرم الدولة، و«نزل» منها جميعها، قبل أن يتوارى، في الآونة الأخيرة، عن المشهد الحزبي، عبر استقالة مفاجئة من مسؤولياته في لجن قيادية في الحزب، الذي يقول أتباعه إنهم ينشطون من أجل تخليق الحياة العامة، وضخ دماء جديدة في «شرايين» الحياة السياسية، فيما يقول منتقدوه إن تأسيسه يهدد استقرار المغرب، ومنهم من لا يتردد في القول إنه يقود المغرب نحو الاندحار. «الدور التاريخي» في ندوة صحفية للإعلان عن تأسيس جمعية «حركة من أجل كل الديمقراطيين» عقدت بضواحي الرباط في نهاية شهر فبراير من سنة 2008، جلس صلاح الوديع، الشاعر الذي اكتوت عائلته اليسارية الصغيرة والكبيرة ب«نيران» سنوات الرصاص، رفقة فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب سابقا في وزارة الداخلية، وحكيم بنشماس، اليساري الذي كان راديكاليا في سنوات احتجاجات الجامعة التي تهز المغرب، لتقديم «تشخيص» للوضع في المغرب، وتقديم رؤية «الرفاق الجدد» لمغرب اليوم والغد. ولم يكن هؤلاء وحدهم في نادي الرياضات البحرية قرب شاطئ سيدي عابد بضواحي الرباط للإجابة عن أسئلة الصحفيين، بل كان ضمن «الوفد»، الشيخ محمد بيد الله، أحد الأسماء البارزة في الصحراء، والوزير الأسبق للصحة، وخديجة الرويسي، رئيسة جمعية «بيت الحكمة»، وبجانبهم كان أيضا مصطفى الباكوري، المدير السابق لصندوق الإيداع والتدبير، والحبيب بلكوش، ووزير التربية الوطنية والتعليم العالي الحالي، أحمد اخشيشن، واليساري الذي تربى بين أحضان الفلسفة، حسن بنعدي...وكان هناك أيضا القيادي السابق في الحزب الاشتراكي الموحد، وأبرز نشطاء الحركة الأمازيغية إلياس العماري، ورشيد الطالبي العلمي، القيادي في التجمع الوطني للأحرار...ولم يتلُ وثيقة «المغرب غدا» سوى اليساري السابق حكيم بنشماس. الوثيقة تحدثت عن أن المغرب تجاوز النزاع حول شرعية المؤسسات وانتقل إلى الإجماع حول الدولة الوطنية. وأضافت بأن الحركة تدعو إلى الانتقال إلى موقف الفعل والمبادرة لترسيخ المستوى الديمقراطي في المغرب. بنشماس أكد حينها على أن الجمعية ستسهم في الانتخابات عبر «نصرة المشروع الديمقراطي وحامليه على أرض الواقع، لقطع الطريق على بُؤر الفساد والنزعات المعادية للديمقراطية». وكانت الإشارة واضحة في مثل هذه الأدبيات على أن الخطاب موجه مباشرة إلى الإسلاميين، وهم أنفسهم الأعداء الألداء لليسار الراديكالي في الجامعات المغربية. وبكثير من الوضوح، أشار بنشماس إلى أن «الحركة ليست مجرد حزب ينضاف إلى الأحزاب، بل هي أكثر من ذلك»، وقال بكثير من «الجرأة» إن هذه الجمعية تسعى إلى لعب «دور تاريخي» في المغرب. موسم الحصاد لكن الجمعية تمخض عنها حزب سياسي في صيف سنة 2008. ولتبرير هذه الخطوة، وجهت المجموعة ذاتها، التي اعتبرت النواة الأولى لتأسيس «حركة من أجل كل الديمقراطيين» وأسست حزب «الأصالة والمعاصرة»، انتقادات لاذعة إلى الأحزاب الموجودة، وقالت في «تشخيصها» للمشهد إنه يعاني من «التشتت وضعف الانسجام، ومن العجز -بالتالي- عن مسايرة ديناميات التحول التي تعرفها بلادنا في جميع المجالات». وحملت هذه المجموعة الأحزاب الموجودة مسؤولية العزوف السياسي، الذي كان من أبرز تجلياته المشاركة الضعيفة في الانتخابات التشريعية نفسها التي حصد فيها الهمة في منطقة الرحامنة الفوز الساحق وسجلت فيها أكبر نسبة للمشاركة. وتحدث حزب الأصالة والمعاصرة عن استشراء الفساد في عدة مجالات، وعن وجود هشاشة وتفاوت بين الفئات، وركز كذلك على وجود ما أسماه التوظيف السياسي للدين الإسلامي. وقال إنه يهدف إلى «المساهمة- إلى جانب الأحزاب الجادة- في إعادة الاعتبار إلى العمل السياسي بمعناه النبيل، ونهج سياسة القرب، وتخليق الحياة العامة، والاستجابة لرغبة النخب والفعاليات الجديدة في المساهمة في العمل السياسي من أجل ترسيخ الاختيار الديمقراطي الحداثي». ولم يعتمد الحزب في برنامجه سوى المرجعيات الأساسية نفسها التي اعتمدتها الحركة الأم، ومنها تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة التي وقعت نهاية لتاريخ «الصراع» و«تبادل الرعب» بين السلطة واليسار، وتقرير الخمسينية الذي قام بتقييم السياسات العمومية منذ الاستقلال. وأشار إلى أنه يسعى إلى تفعيل التوصيات التي أقرها التقريران. وكانت الانتخابات الجزئية التي شارك فيها الحزب هي الانتخابات الجزئية التي جرت في شتنبر 2008، وحصل فيها الحزب على مقعد ضمن خمسة مقاعد. وفي شهر فبراير من سنة 2009 عقد الحزب مؤتمره الأول، الذي حضره ما يقرب من 5000 عضو، وانتخب الشيخ محمد بيد الله أمينا عاما، وضم مجلسه الوطني عددا من قدماء اليسار، جنبا إلى جنب مع عدد من «الأعيان» الذين وفدوا إليه من أحزاب أخرى. وكان الحزب، في كل مرة، يثير سخط الأحزاب «الصديقة» و«البعيدة» بسبب «أفواج» الوفود التي تلتحق به من صفوف الفرق البرلمانية والجماعات المحلية، إلى أن بدأ البعض يتحدث عن وجود «تعليمات» تعطى إلى عدد من الأعيان للالتحاق بهذا «الوافد الجديد»، ووجود «تهديدات» ضد بعضهم في حال لم «ينفذوا» هذه «التعليمات». ولم يبال حزب «الهمة» بهذه الانتقادات كثيرا. وفي الانتخابات الجماعية ليونيو 2009، حصل الحزب على الرتبة الأولى ب6032 مقعدا، وترأس حوالي 369 جماعة محلية، من بينها 8 تترأسها نساء. وفي انتخابات مجالس العمالات والأقاليم، فاز الحزب بما يقرب من 325 مقعدا، وهو حاليا يترأس ما يقرب من 23 مجلسا إقليميا. وفي انتخابات مجالس الجهات، حصل على 212 مقعدا، وترأس 6 جهات، ودارت بينه وبين عدد من الأحزاب إبان هذه الانتخابات معارك ضارية، خصوصا في طنجة ووجدة ومراكشوالرباط... وكانت الحرب بينه وبين حزب العدالة والتنمية على بعضها أكثر من ضارية. وفي انتخابات الغرف المهنية حصل الأصالة والمعاصرة على 392 مقعدا، وترأس 21 غرفة منها، وأكمل موسم «الحصاد» بالحصول على رئاسة مجلس المستشارين، ولم يكن الرئيس سوى محمد الشيخ بيد الله، وهو نفسه الأمين العام للحزب. رصاصات غير قاتلة دون سابق إشعار، اهتزت عدد من دول الجوار باحتجاجات الشباب الذي خرج إلى الشوارع للمطالبة ب«التغيير»، وأدت «موجة» الخروج التي سميت ب«الربيع العربي» إلى الإطاحة بالرئيس التونسي، زين العابدين بنعلي، وبالرئيس المصري، حسني مبارك...وتوالت الموجات، في الآونة الأخيرة، في ليبيا واليمن وسوريا...وفي المغرب خرج الشباب إلى الشارع في إطار ما يعرف ب«حركة 20 فبراير». الحركة كانت تطالب ب«إسقاط الفساد والاستبداد» ورفعت كذلك شعارات تطالب بإبعاد عدد من «الرموز» في مجال المال والأعمال، وفي مجال السياسة، وكان «الرمز» فؤاد عالي الهمة، مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة، ضمن الوجوه السياسية التي رفعت ضدها شعارات المطالبة ب«الرحيل». وفي ظل هذه الموجة من «الغضب»، عاد الخصوم السياسيون ليردوا «الصاع صاعين» للحزب، مطالبين ب«حله». وكان في مقدمة هؤلاء، قياديون من حزب العدالة والتنمية، الذي يرى بأن تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة كان موجها ضد «تقدمه» في المشهد السياسي. وبالرغم من أن فؤاد عالي الهمة اختار أن ينأى عن الظهور في الواجهة، في خضم هذه الاحتجاجات، عبر الاستقالة من رئاسة لجنة الانتخابات ولجنة التتبع في حزب الأصالة والمعاصرة، فإن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، صاحب الخرجات المثيرة للجدل، دعاه إلى حل حزبه والاعتذار للمغاربة. وقال بنكيران، في تصريحات صحفية لموقع «إيلاف» الإلكتروني، إن الهمة كان يعتقد بأن ما يقوم به هو في خدمة مصلحة البلاد، لكنه كان مخطئا. و«لكي يكفّر عن الخطأ يجب أن يحلّ الحزب، وهذا الأمر في يده». وإلى جانب بنكيران، أعلن عمدة فاس، صاحب التصريحات المثيرة، «الحرب» على حزب الهمة. لكن شباط تفادى في هذه «الحرب المفتوحة» توجيه الانتقادات المباشرة إلى فؤاد عالي الهمة، عكس «حليفه» الجديد عبد الإله بنكيران. واختار بدل ذلك أن يوجه اتهاماته إلى كل من إلياس العماري، وحكيم بنشماس، وعدد من أعضاء الحزب على مستوى جهة فاس. وبتراجع احتجاجات حركة 20 فبراير في الشارع، تراجعت الشعارات المطالبة ب«رحيل» فؤاد عالي الهمة، إلى حد قاربت الاختفاء. وكانت المفاجأة أن أنصار الحزب بجهة فاس -وهم من الذين يشيدون بالمطالب الاجتماعية المشروعة للحركة- خرجوا إبان حملة حشد التأييد للتصويت على الدستور بمسيرة رفعوا فيها لافتات تصف الهمة ب«الهمام» وتطالبه ب»السير نحو الأمام». لكن أصوات السياسيين المناهضين ل«الوافد الجديد» لم تختف، فعمدة فاس لا يتوانى عن «استغلال» أدنى فرصة للنيل من «رموز» الحزب الذي قال عنه، إبان انطلاق حملته الانتخابية، إنه يقود المغرب إلى «الاندحار». ومع ذلك، فإن رموزه لا يولون الكثير من الاهتمام لهذه الانتقادات التي عادت لتتضخم مجددا بعد الإعلان عن تحالف رباعي بينه وبين عدد من الأحزاب الصديقة، وهو تحالف توسع ليصير تحالفا مكونا من ثمانية أحزاب. وبالرغم من أن التجمع الوطني للأحرار هو الذي يتولى زعامة هذا التحالف، فإن «خصوم» حزب الأصالة والمعاصرة يعتبرون بأن هذا الحزب هو من يقف وراء المبادرة، التي أحس كل من حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية بأنهما سيكونان أكبر المتضررين منها، فبادرا إلى توجيه الانتقادات اللاذعة إليها. وقد استغرب عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال، في تجمعه الأخير بفاس، هذا التحالف الذي يضم أحزابا من اليسار واليمين والوسط والإسلاميين، وتحدث عن «عصا سحرية» تحكمت في ميلاده، وهي نفس «العصا السحرية» التي تحكمت، حسب تعبيره، في ظهور حزب الأصالة والمعاصرة الذي يتهمه بخلق حالة «ارتباك» في المشهد السياسي. أما عبد الإله بنكيران، فلديه القناعة بأن «التحالف من أجل الديمقراطية» موجه ضد حزب العدالة والتنمية بعد أن استشعر إمكانية فوزه في الانتخابات البرلمانية ل25 نونبر الجاري. وبررت الأحزاب الثمانية المكونة لهذا التحالف قرارها بالسعي إلى المساهمة في تجميع المشهد الحزبي المغربي، الذي عانى كثيرا من التفرقة، ومحاربة «كل أشكال الإقصاء والتشكيك في العملية السياسية». وقال صلاح الدين مزوار، زعيم التحالف، إبان الإعلان عن تأسيسه، منتصف شهر أكتوبر الماضي، إن «السؤال الجوهري الذي طرح أمام التحالف الجديد هو أي اختيارات نريد أن نبني على أسسها المغرب الجديد»، مضيفا بأن التحالف بني على أساس «المشروع المجتمعي الديمقراطي والحداثي، المؤمن بالاختلاف». وبعث هذا التحالف الروح من جديد في الكتلة، حيث سارع حزب الاستقلال، الذي لم يخف تخوفاته من التحالف الجديد، إلى استدعاء حلفائه القدامى للاجتماع. وكان من أكبر الأحزاب التي نأت بنفسها عن مهاجمة التحالف هو الاتحاد الاشتراكي. موسم حصاد جديد وفي الوقت الذي يواصل حزب الأصالة والمعاصرة تحركاته وإظهار استمرار قوته في الساحة، رفقة حلفائه، يواصل عبد الإله بنكيران إطلاق النار عليه وعلى أصدقائه، وخصوصا الأمين العام للتجمع صلاح الدين مزوار، السياسي الذي يقول خصومه إن حزب الأصالة والمعاصرة هو الذي يحركه في الخفاء لخدمة الأجندة ذاتها. إذ مساء يوم الإثنين 14 نونبر الجاري، قال بنكيران في تجمع له بتطوان إن شعلة حزب «البام» قد «انطفأت»، وبأنه أصبح ينتظر أن تجره الحمامة، في إشارة إلى التجمع الوطني للأحرار. لكن محمد الشيخ بيد الله، الأمين العام ل«البام» صرح بنوع من الوثوقية أن الحزب سيحصل على 20 في المائة من أصوات الناخبين في الاستحقاقات البرلمانية ل25 نونبر، وسيحافظ على نفس النتيجة التي حققها في الانتخابات الجماعية لسنة 2009، وهو ما يعني بأن موجة الانتقادات الموجهة إليه من قبل خصومه لن تؤثر على مستوى حضوره في المشهد. بيد الله يشير إلى أن التجديد مس 80 في المائة من مرشحي الحزب، الذين يتوفرون على مستوى دراسي جامعي يتعدى 70 في المائة، إضافة إلى 5 لوائح محلية تترأسها نساء و15 في المائة من الشباب. ومن أصل 92 دائرة انتخابية غطى هذا الحزب حوالي 85 دائرة، ووصلت نسبة التغطية إلى 90 في المائة.
بنشماس: بنكيران يعيد إنتاج لغة البذاءة والسب بشكل يحول الساحة السياسية إلى «مشتمة جماعية» - وصف عباس الفاسي في تدشين حملة حزبه الانتخابية تحالف الثمانية ب«الخلطة» وتحدث عن أن تأسيس حزب «البام» أدى إلى خلق حالة ارتباك بالمشهد السياسي، واستعاد حكاية تأسيس «الفديك» للحديث عن الوضع السياسي الحالي بالمغرب. كيف ترد على مثل هذه الانتقادات؟ ماذا تتوقع من مسؤول شاخ فكره السياسي ونال الصدأ أدوات تحليله وجهازه المفاهيمي غير إصدار أحكام كهذه، فكلمة «الخلطة» ينهلها عباس الفاسي من مطبخ قديم وبال، مطبخ التوافقات والترضيات والتواطؤات تحت الطاولة. أول درس نعطيه لطلبة السنة الأولى علوم سياسية في مادة التحالفات هي التمييز بين التحالفات الإيديولوجية والتحالفات السياسية، بين التحالفات التكتيكية والتحالفات الاستراتيجية والتحالفات القبلية والتحالفات البعدية. عباس الفاسي لا يتوفر على العدة المعرفية والسياسية التي تؤهله إلى إدراك حقيقة أن تحالف الثمانية هو تحالف سياسي وليس إيديولوجي، تحالف قبلي بنفس استراتيجي يروم من خلال برنامج مضبوط التأسيس لقواعد المستقبل، يروم تقديم إسهام من أجل مقروئية أفضل للمشهد السياسي، ومن أجل بلورة الأجوبة المناسبة عن أسئلة الأجيال التي ملت وكرهت المنطق الذي يشتغل به حزب الاستقلال منذ عقود من الزمن: منطق تضخم «الأنا» الحزبية التي تغذت من وهم «الشرعية التاريخية» المزعومة، وباسمها يظن أنه الأحق بالتحكم في رقاب المغاربة، كما أن تأسيس الكتلة سنة 1992 لم يكن مبنيا على أساس إيديولوجي، بل انصهرت في بوتقة التحالف عدة أطياف سياسية تنهل من مرجعيات متصارعة وإيديولوجيات متباعدة. بعبارة أخرى ماذا يجمع بين المرجعية السلفية المحافظة، التي تؤطر المذهب الحزبي الاستقلالي، والمرجعية الاشتراكية بتنوعها في باقي الأحزاب السياسية المكونة للكتلة؟. كذلك، كيف يبرر عباس الفاسي التركيبة السياسية لحكومة التناوب لسنة 1998، التي كانت بمثابة مزيج ضم أحزابا من مختلف التيارات السياسية؟ ولهذا لا داعي للدخول في سجال سياسي عقيم هدفه الأساسي الهروب إلى الأمام وتغطية الفشل السياسي الذريع لحزب الاستقلال في تدبيره للشأن العام ليس فقط كرئيس لهذه الحكومة الفاشلة، بل كذلك لمسؤوليته المتعددة في دواليب مؤسسات الدولة منذ الاستقلال. - شباط، من جهته، لا يفوّت أي فرصة لتوجيه انتقاداته إلى الأصالة والمعاصرة، وإلى شخصيات قيادية بالحزب. في آخر خرجاته قال إن الحزب يقود المغرب إلى الاندحار. وفي تسجيل فيديو بث في موقعه على الأنترنت اتهمك شخصيا بتلقي عمولات من رشيد الفايق، رئيس الجماعة القروية أولاد الطيب. على شباط أن يثبت أمام المحاكم صحة ادعاءاته ومزاعمه.وفي انتظار ذلك علي أن أؤكد أن شباط يمثل أحد العناوين البارزة لبؤس السياسة ولسياسة البؤس في المغرب، وإذا كان للمسخ الذي تعرضت له السياسة في بلادنا من تجل صارخ فهو شباط بالذات. في كل المنعطفات النوعية في تاريخ الشعوب تبرز على الهامش شخصيات ونخب تتكاتف وتتجسد فيها كل معاني «الرصيد» البالي الآيل للانقراض. هذا البالي الآيل للأفول يشحذ كل ما تبقى في جعبة اللغة البذيئة من بقايا. هذا هو شباط، مجرد زلة لسان في سرديات أمجاد فاس وكفى. وأنا لم ولن أتوقع منه ومن أمثاله غير السب والشتم وتوجيه الاتهامات المجانية بسخاء في كل الاتجاهات، فقد فعلها مع الشهيد المهدي بنبركة ومع القضاة حين اتهمهم بالإرهاب فكيف لا يفعلها مع مناضل بسيط مثلي. - أطراف عديدة في حزب العدالة والتنمية، وعلى رأسها عبد الإله بنكيران، لا تتردد في توجيه انتقادات مشابهة إلى الأصالة والمعاصرة والتحالف الذي ينضوي تحت لوائه. أنتم لديكم مشاكل مع أطراف محسوبة على اليسار وأخرى على اليمين واليمين المحافظ. كيف تقنعون هؤلاء بجدوى حضوركم وبقائكم في المشهد السياسي؟ لسنا معنيين بأن نثبت لبنكيران جدوى حضورنا في المشهد السياسي، فقد سعينا ونسعى إلى أن نثبت للمغاربة المتعطشين للتغيير قيمة وجدوى إسهامنا. إن طبيعة المجتمع المغربي وإصراره على تقبل الرأي والرأي المضاد في مجتمع يشرئب إلى التغيير والتنمية من أجل مغرب الحرية والديمقراطية والحداثة، وهذا الحراك المجتمعي... كل هذا يوحي بوجود بلادنا في مفترق طرق يتجاذبها خياران متصارعان:خيار الحداثة الذي غالبا ما يقترن بالمعاصرة والتقدم والرقي المجتمعي، وخيار التراجع والتقليد مع إصرار غلاته على إلباسه ثوب الأصالة والعراقة الدينية المبالغة في الإسلاموية. ذلك أن المشروع السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة والتحالف من أجل الديمقراطية تحالف استراتيجي مبني على مشروع سياسي أساسه الواقعية السياسية، مبني على الإرادة الصادقة للإسهام في توطيد المشروع الديمقراطي الحداثي لبلادنا. إن حزب «البام» جاء لتقديم إسهامه إلى جانب التيارات والقوى الجادة من أجل إعادة الاعتبار لنبل العمل السياسي وإذكاء جذوة الأمل في غد أفضل وتوسيع مساحات الثقة في قدرة أمتنا على إبداع الحلول لمشكلاتها التي تزداد تفاقما وصعوبة في بيئة جهوية ودولية بالغة التعقيد. إن السيد بنكيران وعددا من أطر حزبه ممن يعتقدون أنهم يمسكون بالمطلق قليلا ما ينتبهون إلى أنهم في الكثير من أقوالهم وأفعالهم إنما يعيدون إنتاج مدرسة في السياسة قائمة على استعمال لغة البذاءة والغوغائية والسب والقذف بشكل يحول الساحة السياسية أحيانا إلى «مشتمة جماعية»، ونحن ننأى بأنفسنا عن هذه المدرسة وحاشا أن يصدر منا موقف أو تصريح يحط من كرامتهم الإنسانية. إن الحزب يسعى إلى أن يحقق في اختياره المذهبي تلاصقا بين الرصيد التاريخي المشرف لبلادنا وبين التطلع المشروع إلى التحديث ومواكبة روح العصر، علاوة على أن حزب «البام» والتحالف من أجل الديمقراطية يفتحان الباب في وجه كل الديمقراطيين الذين يتقاسمون الاقتناع بالسير بالمغرب نحو آفاق الديمقراطية الحقة والتنمية البشرية المستدامة في مزاوجة خلاقة بين تنمية وتحرير قدرات الأفراد والجماعات على حرية الاختيار وبين السعي إلى تمكينهم من شروط العيش الكريم، دون السماح لبعض الجهات، التي تمتهن استغلال الدين والثوابت الوطنية لخدمة أجندتها السياسية، بإرجاع المغاربة إلى الوراء. (حكيم بنشماس) قيادي بحزب الأصالة والمعاصرة