في مملكة الاقتصاد العجيب، حيث تتحكم قوى غامضة في أسعار اللحم والخضار وحتى الهواء، ظهر بائع سردين بسيط يُدعى عبد الإله السماك ليهز أركان السوق الحرة، أو بالأحرى السوق "المُستَعبَدة"! الرجل، دون أن يدري، خاض مغامرة فلسفية عميقة، لم يتوقعها حتى أرسطو لو عاش في زمن الاحتكار المغربي. فبكل بساطة، قرر بيع السردين بخمسة دراهم للكيلوغرام، ليكتشف فجأة أنه ارتكب جريمة اقتصادية كبرى: كشف الحقيقة! نعم، في هذه المنظومة العجيبة، يُعتبر بيع شيء بثمنه الحقيقي تحديًا للنظام القائم، بل ربما عملًا تخريبيًا يهدد استقرار اللوبيات المالية التي تعتمد على تقنية سرية تُعرف بالندرة المصطنعة. باختصار، السوق المغربية لا تخضع لقوانين العرض والطلب، بل لقوانين أخرى أكثر قداسة: قانون "دعه يحتكر، دعه ينهب"، حيث تُرمى أطنان السردين في البحر حتى لا ينهار سعره، تمامًا كما تُرمى وعود الإصلاح الاقتصادي في الهواء حتى لا ينهار الوهم!
في أي اقتصاد عاقل، يُحدد السعر وفقًا للوفرة. لكن في بلاد العجائب، كلما زادت الوفرة، زاد الغلاء! لا تسأل كيف، فهذه أسرار لا يطّلع عليها إلا نخبة مختارة من الكائنات الاقتصادية الخرافية التي تقرر متى يُباع السردين بسعر معقول ومتى يصبح أندر من حجر الفلاسفة. وفقًا لنظرية "السردينونقدية"، التي لم يكتبها ماركس لكنها تتجلى في واقع الأسواق المغربية، فإن ما يحدد الأسعار ليس عدد الأسماك في البحر، بل عدد السماسرة الذين يريدون تحقيق ثرواتهم قبل موسم رمضان! وهنا يظهر سؤال فلسفي عميق: هل نحن أمام اقتصاد حقيقي، أم أمام مسرحية عبثية يُعاد عرضها كل سنة بميزانية إنتاج مرتفعة وجمهور مغلوب على أمره؟ ميشيل فوكو كان ليُبهره هذا النظام، فهنا لا تُمارَس السلطة عبر القوانين، بل عبر لقمة العيش. السردين ليس مجرد وجبة للفقراء، بل أداة ضبط اجتماعي، حيث تُحدد مافيا الأسعار متى يأكل الناس السمك، ومتى يصومون قسرًا عن البروتينات الحيوانية، في طقس يومي يُعرف ب"الحياة تحت رحمة السماسرة". ما حدث مع عبد الإله السماك ليس مجرد تخفيض سعر، بل هو تمرد رقمي أدى إلى فضح المنظومة. ففي عالم أصبحت فيه المعلومة أسرع من السردين المقلي، انتشر الخبر كالنار في الهشيم، ووجد المواطن المغربي نفسه أمام سؤال مرعب: إذا كان السردين يُباع بخمسة دراهم، فكم هو الثمن الحقيقي للحوم والخضروات وبقية السلع؟ لكن، وهنا المأساة، هل يمكن أن يُترجم هذا الغضب الرقمي إلى تغيير حقيقي؟ أم أننا أمام موجة سخط افتراضية، مثل التي سبقتها، والتي ستنتهي كما انتهت غيرها: بضغطة زر على إغلاق المتصفح والعودة إلى شراء السردين بسعره "المقدس"؟ وهكذا، نجد أنفسنا في انتظار معجزة اقتصادية، ربما سيأتي يوم نكتشف فيه أن هناك مسؤولًا يبيع الخضروات بسعرها الحقيقي، و أن اللحم ليس مصنوعًا من الذهب، أو أن البيض لم يعد يُباع وفقًا لسعر النفط العالمي! لكن إلى ذلك الحين، دعونا نستمتع بهذا العرض الاقتصادي الكبير: حيث يُباع الوهم بسعر السوق، والمستهلك يدفع الثمن مرتين... مرة عند الشراء، ومرة عند محاولة فهم كيف يُدار هذا الكوكب العجيب. سلامٌ على وطنٍ، أسماكه للخواص، وجوعه للعامة كالرصاص!