توقيع اتفاقية شراكة بين مديرية الأمن والوكالة القضائية للمملكة لتعزيز التعاون في مجال الدفاع عن مصالح الدولة أمام القضاء (صور)    رئيس الوزراء الفرنسي يؤكد عزم بلاده مراجعة جميع الاتفاقيات التي تربطها بالجزائر    نهضة بركان يعلن توصله بقرار "الطاس" بخصوص مباراته ضد اتحاد العاصمة الجزائري    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وال"فيفا" ينظمان ندوة لتطوير المواهب الشابة    البطولة الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة 23).. قمة مقدمة الترتيب بين نهضة بركان والوداد الرياضي    أخبار الساحة    بإدماج أشخاص لا يتوفرون على شهادات.. الحكومة تروم جعل سياسات التشغيل أكثر إدماجية    استعدادا للمونديال .. المغرب يقتني 168 قطار ب 29 مليار درهم    بورصة الدار البيضاء.. تداولات الإغلاق على وقع الأخضر    أخنوش يكشف تفاصيل "خارطة طريق حكومية" لتعزيز التشغيل في المغرب    مكسيكو.. تعزيز العلاقات الثنائية محور مباحثات بين رئيس مجلس النواب ونظيره المكسيكي    رد جيرار لارشي على تبون ووزيره عطاف.. من العيون!    دراسة: الفقر والظلم الاجتماعي والرشوة أبرز عوائق العيش بسلام في المغرب    المغرب و معضلة السردين ..    رابطة الدوري الأمريكي تعاقب ميسي بغرامة مالية بسبب إمساكه مدرب مغربي    إيكولوجيا الفلسفة أم فلسفة الإيكولوجيا؟    الموهوب سامي الشرايطي ينتزع لقب برنامج "نجوم الغد"    بعد مليلية.. مخاوف من تسلل "بوحمرون" إلى سبتة    معرض جديد لصناعة للألعاب الإلكترونية بالرباط في يوليوز    اتفاقية لتكوين السجناء في مهن الصيد البحري    رمضان .. محمد باسو يعلن عن الموسم الثاني من سّي الكالة    مصرع صبّاغ إثر سقوطه من أعلى منزل في مراكش    التموين خلال رمضان.. السلطات تضاعف الجهود    الرباط: فريق طبي مغربي ينجح في إجراء أول عملية جراحية لعلاج قصور الصمام الثلاثي بالقلب    إصابة 25 شخصا في حادثة سير خطيرة بين واد أمليل وفاس    شركة اتصالات المغرب تطيح برئيسها أحيزون وتعين بنشعبون بديلا له    الملك محمد السادس يأمر بفتح المساجد التي تم تشيدها أو أعيد بناؤها أو تم ترميمها في وجه المصلين في بداية شهر رمضان    رؤساء الفروع الجهوية للفيدرالية المغربية لناشري الصحف يرفضون مشروع الدعم الجهوي لوزارة التواصل    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    الدوزي يغني للصحراء في العراق    حادثة سير خطيرة ترسل 25 شخصا إلى مستعجلات تازة    متى تحتاج حالات "النسيان" إلى القيام باستشارة الطبيب؟    ارتفاع حصيلة قتلى تحطم الطائرة السودانية بأم درمان    المغرب وبريطانيا.. تعزيز الشراكة الاستراتيجية في المجال الدفاعي    أمير المؤمنين يأمر بفتح المساجد الجديدة والمُرممة أمام المصلين مع بداية رمضان    "مرسى المغرب" توقع عقد إدارة "ترمينال" الغرب بميناء الناظور لمدة 25 عاما    الوداد والرجاء يعودان إلى ملعب محمد الخامس قبل التوقف الدولي في مارس    دراسة علمية تكشف تفاصيل فيروس جديد لدى الخفافيش وخبير يطمئن المواطنين عبر "رسالة24"    تفاصيل جديدة في محاكمة الرئيس الموريتاني السابق ولد عبد العزيز    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    ترامب يترأس أول اجتماع حكومي    أمريكا تجهز "بطاقات ذهبية" لجذب المهاجرين الأثرياء    كيف انتزع أتلتيكو التعادل امام برشلونة 4-4 في ذهاب نصف النهاية    منظمة الأغذية والزراعة.. المجموعة الإقليمية لإفريقيا تشيد بدور المغرب في مجال الأمن الغذائي    الصين: مجموعة "علي بابا" تعتزم استثمار حوالي 53 مليار دولار في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي    المنظمة الدولية للهجرة ترفض المشاركة بأي إخلاء قسري للفلسطنيين من غزة    "مجموعة MBC" تطلق MBCNOW: تجربة بث جديدة لعشاق الترفيه    شبكة مُعقدة من الاسرار والحكايات في المٌسلسل المغربي "يوم ملقاك" على ""MBC5" يومياً في رمضان    نجم تشيلسي الصاعد إبراهيم الرباج … هل يستدعيه الركراكي … ؟    دراما وكوميديا وبرامج ثقافية.. "تمازيغت" تكشف عن شبكتها الرمضانية    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: نظرات حول الهوية اللغوية والثقافية للمغرب    الوقاية من نزلات البرد ترتبط بالنوم سبع ساعات في الليل    دراسة تكشف عن ارتفاع إصابة الأطفال بجرثومة المعدة في جهة الشرق بالمغرب    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيكولوجيا الفلسفة أم فلسفة الإيكولوجيا؟
نشر في لكم يوم 26 - 02 - 2025

تفكيك العلاقة بين الإنسان والطبيعة في الفكر العربي والغربي
بعد قراءتي لكتاب "الفكرة الإيكولوجية والفلسفة" (L'Idée écologique et la philosophie) للكاتبة لورانس هانسن-لوف (Laurence Hansen-Løve)، والصادر عام 2024 عن دار النشر Ecosociété في فرنسا، وجدت نفسي أمام أطروحة فلسفية عميقة تتناول العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وكيف تشكلت هذه العلاقة عبر مسار الفكر الفلسفي الغربي. فالكتاب لا يقتصر على استعراض الفكر البيئي، بل يحاول تفكيك البنية المعرفية التي حكمت نظرة الإنسان إلى العالم الطبيعي، من الفلسفات القديمة إلى الحداثة، وصولًا إلى النقاشات الفلسفية المعاصرة حول الإيكولوجيا.
لكن ما استوقفني عند قراءة هذا الكتاب هو غياب التفكير البيئي في الفلسفة العربية، سواء الكلاسيكية أو الحديثة، وهو ما يثير تساؤلًا جوهريًا: لماذا لم يبرز فيلسوف عربي تناول العلاقة بين الإنسان والطبيعة من منظور فلسفي نقدي كما فعل الفلاسفة الغربيون؟ وهل كان هذا الغياب عرضيًا أم أنه نابع من بنية فكرية جعلت من الطبيعة موضوعًا ثانويًا في المسار الفلسفي العربي؟
يتتبع الكتاب تطور التفكير الفلسفي حول الطبيعة منذ العصور القديمة، حيث نجد أن الفلاسفة الإغريق مثل أرسطو والرواقيين تعاملوا مع الطبيعة بوصفها نظامًا غائيًا متكاملًا، يحكمه منطق داخلي، وليس مجرد مادة خام للاستغلال. كان هذا التصور يقوم على الاعتقاد بأن كل شيء في الكون يسعى إلى تحقيق غايته النهائية، وفق مفهوم التيلوس (Telos) الأرسطي.
لكن هذه الرؤية شهدت تحوّلًا جذريًا مع عصر النهضة وبداية الحداثة، حيث أسس ديكارت لرؤية جديدة للطبيعة تقوم على الثنائية بين الذات والموضوع، فجعل الإنسان ذاتًا مفكرة والطبيعة مجرد موضوع للدراسة والتجربة. أما فرنسيس بيكون، فقد وضع الأسس الفلسفية لمنهجية علمية جديدة ترى في الطبيعة مخزنًا للموارد التي يجب استغلالها من أجل التقدم البشري.
هذه القطيعة بين الإنسان والطبيعة بلغت ذروتها مع الرأسمالية الصناعية، التي جعلت من الطبيعة مجرد سلعة ، وهو ما أدى إلى الأزمة البيئية التي نعيشها اليوم. ومن هنا، حاولت بعض الفلسفات الحديثة، مثل الإيكولوجيا العميقة والإيكولوجيا الاجتماعية، إعادة التفكير في هذه العلاقة، داعيةً إلى تجاوز الرؤية الأنثروبومركزية (Anthropocentrism) التي وضعت الإنسان في مركز الوجود، وإعادة الاعتبار للطبيعة ككيان مستقل له قيمته الذاتية.
من النقاط التي أثارت انتباهي عند تحليل هذا الكتاب، هو غياب الخطاب البيئي في الفكر العربي، سواء القديم أو الحديث. على الرغم من أن الفلاسفة المسلمين ناقشوا الطبيعة في بعض كتاباتهم، إلا أنهم لم يقدّموها كمجال فلسفي مستقل، بل كانت جزءًا من منظومة معرفية أوسع تتعلق بالميتافيزيقا أو اللاهوت.
الكِندي (801-873م) تحدث عن الطبيعة ضمن سياق نظرية العلل، لكنه لم يطور فلسفة بيئية مستقلة.
الفارابي (872-950م) ركّز على العلاقة بين الموجودات والعقل الفعّال، ولم يناقش الطبيعة من منظور فلسفي نقدي.
ابن سينا (980-1037م) قدم رؤية فلسفية للطبيعة في كتابه الشفاء، لكنها كانت جزءًا من تفسيره الوجودي ولم تتجاوز المنظور الأرسطي.
ابن رشد (1126-1198م) تناول قوانين الطبيعة في إطار تفسيره لفكر أرسطو، لكنه لم يقدم منظورًا بيئيًا مستقلًا.
في السياق الصوفي، كانت الطبيعة تُرى غالبًا كدليل على عظمة الله، كما نجد عند الغزالي وابن عربي، لكنها لم تُعامل بوصفها كيانًا فلسفيًا مستقلًا، بل كمظهر من مظاهر الحكمة الإلهية.
هذا الغياب لا يمكن اعتباره عرضيًا، بل هو نتيجة لعدة عوامل فكرية وتاريخية:
1.هيمنة النزعة الميتافيزيقية: ظل الفكر العربي الإسلامي مشغولًا بالمسائل اللاهوتية الكبرى، مما جعل التفكير في الطبيعة مسألة ثانوية مقارنةً بقضايا الإلهيات والسياسة والأخلاق.
2.غياب أزمة بيئية كبرى في التاريخ الإسلامي: بينما واجهت أوروبا مشاكل بيئية مرتبطة بالتصنيع، لم يعرف العالم الإسلامي تحولات مماثلة تستدعي ظهور فلسفة نقدية للبيئة.
3.عدم تشكّل مشروع فلسفي عربي مستقل عن التراث: لم يتطور الفكر العربي الحديث بشكل كافٍ لإنتاج تصورات جديدة حول العلاقة بين الإنسان والطبيعة، بل ظلّ في كثير من الأحيان متأثرًا إما بالتراث الإسلامي أو بالمفاهيم المستوردة من الغرب دون إعادة تفكيكها.
إذا كانت الفلسفة الغربية قد أعادت النظر في علاقتها بالطبيعة خلال العقود الأخيرة، فإن السؤال المطروح هو: هل يمكن تطوير فلسفة بيئية عربية تتعامل مع الواقع البيئي الحالي من منظور فلسفي جديد؟
الجواب يتطلب مراجعة جذرية للمنظومة الفكرية السائدة، بحيث لا تبقى البيئة مجرد موضوع للسياسات الحكومية، بل تصبح جزءًا من التفكير الفلسفي والأخلاقي. هذا يعني:
تجاوز التصورات الدينية التقليدية التي ترى الطبيعة مجرد خلفية للحياة البشرية، والاعتراف بها ككيان مستقل له حقوقه الخاصة.
تبني رؤية فلسفية جديدة تربط بين الأزمة البيئية والأزمة الفكرية، بحيث يتم مساءلة النموذج التنموي الرأسمالي الذي يعزز الاستهلاك والتدمير البيئي.
الاستفادة من التراث الفلسفي الإسلامي، ولكن بإعادة قراءته في ضوء التحديات البيئية المعاصرة.
خاتمة: نحو وعي فلسفي بيئي جديد
إن كتاب "الفكرة الإيكولوجية والفلسفة" ليس مجرد عمل أكاديمي حول الفكر البيئي، بل هو دعوة للتفكير في الأسس الفلسفية التي حكمت علاقتنا بالعالم الطبيعي. لكنه يضعنا أيضًا أمام مسؤولية فكرية: إذا كان الغرب قد أعاد النظر في علاقته بالطبيعة، فهل يمكن للفكر العربي أن يقوم بالمثل؟
اليوم، ومع تصاعد الأزمات البيئية، يصبح من الضروري ليس فقط استيراد النظريات الغربية، بل إعادة تأسيس خطاب فلسفي عربي حول الإيكولوجيا، بحيث لا يظل هذا الموضوع حكرًا على العلوم الطبيعية والسياسات البيئية، بل يصبح جزءًا من التفكير الفلسفي العميق الذي يعيد النظر في علاقة الإنسان بالطبيعة، قبل فوات الأوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.