نخبة بائسة من المحسوبين على الثورة السورية ومن المتعاطفين معهم تلك التي تقود حرب الشماتة القذرة ضد من يصطف مع غزة قلبا وقالبا في الجبهة الشمالية التي أضحت كابوسا مؤرقا لعدو غادر لا ينسى تصريف أحقاده ولو بعد حين، مع من يدفعون ثمنا باهظا من قياداتهم وأبناءهم ومن قواعدهم وحاضنتهم الاجتماعية ومن منشآت وبنية بلدهم التحتية بسبب مؤازرتهم لجبهة غزة وإسنادهم لصمودها. فرغم إمكانية تقديم عدة ملاحظات على الأداء التكتيكي لحزب الله في معركة طوفان الأقصى إلا أن انخراطه الفاعل في معركة نكص الجميع عنها حتى عزلت غزة وتركت شبه وحيدة لم يكن بسيطا بحال وهو ما أوصله للاستهداف الحاد الذي بات يتعرض له هذه الأيام. ويبقى البون شاسعا بين النقد على أسس أخلاقية كالاتهام بالخيانة والتآمر مع الأعداء أو الحياد السلبي وإدارة الظهر لمأساة إخوانك وبين النقد العملياتي لإدارة المعركة، والذي مهما اشتد، إلا أنه يحفظ لصاحبه نخوته وشهامته وتضحياته، لكن هذا الفريق ومن يتعاطف معه في المنطقة يخلطون بلؤم بين العمليتين فتضخم الأخطاء التقنية وتكيف لتصبح بمثابة جرائم مرتكبة، وقد يبلغ الابتذال مداه حين يمارس التنكيت الفج على جوانب القصور بالتعامل مع دماء سفكت لأجل أقدس القضايا ومنها دماء أطفال ونساء بمزاج لا يخفي أصحابه مرحهم. والوقاحة أن يتولى مهمة القلم الأحمر جمهور المهزومين المتقاعسين للمزايدة على من دماؤه تسيل بغزارة في سبيل تخفيف الضغط على القطاع الصامد. ليست روح التشفي هي العامل الأساسي في الاصطفاف إلى جانب المعسكر الإسرائيلي، فمنذ مدة دخل إعلاميو المعارضة السورية في سباق مع القضية الفلسطينية فأظهروا تشنجا واضحا تجاهها، فكلما ارتقى شهيد أو تحدث أحدهم عن أسير فلسطيني تضايق هؤلاء كأن لديهم حساب شخصي مع فلسطين، ربما بدافع الغيرة من مكانتها بعد أن تضخمت ذواتهم بفعل تصدر قضيتهم الاهتمام والتعاطف في فترة من الفترات، وهم بالمناسبة يحاكون نظامهم الذي يعارضون والذي كان يتحسس من الثوار الفلسطينيين. فهل للأمر علاقة بإحساس أهل دمشق وحلب بالتفوق على أطراف الشام أم ماذا؟ ولماذا كانوا يصرون على أن "إسرائيل" أرحم من بشار؟ وهل وراء هذا الشعار المشبوه جهات تحركهم من وراء ستار؟ ولماذا يسعون لاحتكار المظلومية كأنهم أول من ظُلِمَ وآخر من سيُظلَم على هذه الأرض؟ لقد مر العراقيون بأهوال يشيب لها الولدان، وكذلك اليمنيون والليبيون والسودانيون وتعرض ثوار مصر لمذابح ومآسي ستخلد في التاريخ، ومع ذلك لا نسمع منهم جلدا للعرب أو تعبيرا عن الضيق من القضية الفلسطينية بمثل ما يصنع من يحسبون أنفسهم على الثورة السورية رغم أنهم أخذوا أكثر من حقهم في اهتمام الناس وتفاعلهم حتى نُسِيَتْ فلسطين في فترة "الربيع العربي"، فتم التركيز على مظلوميتهم حتى على حساب مظلومية اليمنيين التي عاصرت مأساتهم، والذين كانوا يواجهون وضعا مماثلا وربما أفظع لدرجة نهشت الكوليرا والمجاعات أجساد أطفالهم، في الوقت الذي حصل فيه السوريون على كل ما طلبوه: المال والعتاد و"الرجال" فماذا صنعوا بكل هذا؟ كل تجارب "الربيع العربي" أحدث صناعها مراجعات ونقدا ذاتيا وتلاوما شديدا بين الفاعلين فيها حول المتسبب في فشلها إلا هم، حيث يرمون خيباتهم على غيرهم رغم أن من ضعف الثورة هي انقساماتهم السياسية في البداية، ثم أفسدوها بعسكرتها بعد أن نكص أهل دمشق وأهل حلب عن مشاركة باقي أبناء المناطق السورية المهمشة الثورة ضد النظام الظالم، وبدل أن يبذلوا مجهودا أكبر في استثارتهم للانخراط في الثورة عقدوا المشهد أكثر، وهم من استقبلوا الآلاف من الإرهابيين ثم أقحموهم في صراعاتهم لتنحرف الثورة عن بوصلتها وتتحول إلى حرب أهلية حقيقية. وقد كانوا أقوياء ولم يكسرهم طيران بوتين أو ميليشيات حزب الله أو قوات بشار، إنما كسرهم تشرذم الفصائل وعجرفة قياداتها التي استولت على حلب ومناطق شاسعة من سوريا وكانت قاب قوسين من بلوغ العاصمة ولو توحدت ولم تقتتل فيما بينها ما استطاع خصومها النيل منها. يلومون الفلسطيني إذا تلقى الدعم من إيران بحجة أن يديها ملطخة بالدماء، لكنهم تسولوا الدعم العسكري الدولي، دون نتيجة، من الناتو الذي ارتكب الفظائع بحق الأبرياء في أفغانستان، وقد تلقوا الدعم من أنظمة عربية كانت تقصف النساء والأطفال في اليمن بلا رحمة، فضلا عما فعلته في الماضي وما زالت تفعله بحق معارضيها. فهل حلال عليهم حرام على غيرهم؟ والأدهى والأمر أنهم غطوا على جرائم فصائلهم المسلحة بحق بعضها البعض وبحق الأهالي الذين كانوا يحكمونهم. فهل ما زالوا بعد كل هذا يعتقدون أنهم يتوفرون على أهلية محاكمة الناس أخلاقيا؟ إن البلطجة الإلكترونية التي يمارسها الثوريون السوريون المزيفون ومن يساندهم اليوم في أتون واحدة من المعارك المصيرية الكبرى التي يستهدف جبابرة الأرض منها تصفية القضية الفلسطينية واستئصال كرامة الأمة تشكل إساءة بالغة للثورة السورية ولشهدائها، فنيلك من غريمك الذي سقط في إحدى معارك الشرف هو دليل عجزك، فلا يشمت إلا العاطل الذي ينتظر أن يتعرض عدوه للأذى دون أن يكون له يد في ذلك، ونزولك إلى مستوى التخاطب السوقي في منصات التواصل الاجتماعي طفولية ونزقية لا تليق بأصحاب المبادئ الكبرى، وهي سقطة كفيلة بأن تنسف كل رصيدك القيمي والأخلاقي والنضالي، فأي انحدار وأي سقوط أكبر من أن تنصب السفاح "أبو يائير" مهديا مخلصا لك ولقضيتك.