إن السياسة حرب قائمة سلاحها مشاريع مجتمعية واقتصادية وتنمية بشرية ترقى بالمواطن وتمنحه المجال الحيوي لكي يبدع وينتج ويعيش في هناء وسلام، وأدواتها نخبة سياسية تمارس عملها بصدق وتفان ووطنية عالية تنمحي أمامها الذات والمصالح الضيقة، والدخول السياسي يشكل كل عام معركة شاملة لمواجهة كل الأخطاء السابقة وسد الثغرات التي ظلت تضعف المشاريع المخططة في البرنامج الحكومي، وها هو الدخول السياسي لسنة 2023- 2024 قد حل في إطار ظرفية إقليمية إفريقية تشهد تحولات وتغييرات عميقة في التوجهات السياسية على أصعدة مختلفة منها أن النخب والشعوب استيقظت ووعت واقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاستراتيجي، وعرفت بشكل ملموس أنها كانت ضحية نهب واستغلال من قبل القوى الغربية الأوروبية والأمريكية التي تستعمل الأنظمة المحلية وتشجع الديكتاتوريات وتمدها بالأسلحة والعتاد والتقنيات والمعلومات المخابراتية لتكميم أفواه المعارضة وكسر شوكتها في المهد لتظل تلك الأنظمة الفردانية والقمعية مستمرة ومستقرة لأماد طويلة ومستمرة لا تنقطع عمليات النهب والاستغلال للثروات الباطنية من معادن ثمينة كالأورانيوم والفوسفاط والبترول والغاز ، تلك الثروات التي تقوم تلك القوى الأجنبية باستغلالها لتستمر مصانعها ومحركات اقتصاداتها تشتغل بكل أريحية وبأقل تكلفة مادية وبشرية ، وما التغييرات السياسية -وإن كانت من طرف الجيش وعن طريق الانقلابات- في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاصو وكوت دي فوار والغابون، والبقية آتية لا محالة ،كالسنيغال وموريتانيا ، وما ذلك إلا بداية تجليات وعي سياسي للشعوب الإفريقية، لذلك من المفروض أن يكون الدخول السياسي المغربي عنوانه كيفية مسايرة التغييرات التي تحدث على مقربة من حدودنا ، خاصة وأن السياسة الخارجية المغربية في السنوات الأخيرة توجهت إفريقيا بحثا عن تحالفات بخصوص قضيتنا الترابية الأساسية، وبالتالي استخلاص الدروس منها والاستعداد لكيفية التعامل معها وطنيا وخارجيا ماديا وسياسيا وإيجاد السبل البديلة لفتح الأسواق الإفريقية أمام المنتوجات الفلاحية والصناعية والبنكية ، التي قد تجد صعوبات جراء تلك التحولات السياسية في البلدان التي عرفت تلك التحركات والتي على أثرها قد تنقلب العلاقات الودية الى ضدها . . إلا أن الاستعداد للدخول السياسي بالمغرب لم يكن يوما مفاجئا لأحد ، فهو دائما يمر بصمت، بل برتابة بحيث لا شيء يضاف لعتمة الوضع السياسي وضبابتيه بصفة عامة ، ويمر باهتا لا يخلق نقاشا عميقا للقضايا العالقة والمستجدة وبالتالي لا يترتب عنه أي شيء يذكر ما يمكن اعتباره إضافة إيجابية في سجل النخب السياسية وابتكارها الفكري واهتمامها بالشأن العام . وهذه المقدمة حول الدخول السياسي ليست من التشاؤم في شيء، لأن السياسة ليست عواطف وأحاسيس حتى توصف بالتفاؤل أو التشاؤم، بل سنحاول تشخيص الوضع القائم بناءا على ما هو موجود لتوقع ما سيكون عليه الدخول السياسي الذي هو على الأبواب . . فمنذ تولي حزب الأحرار رئاسة الحكومة مع الأحزاب المتحالفة معه وهي : الأصالة والمعاصرة ، وحزب الاستقلال ، استمرت قاطرة السياسة المغربية اقتصاديا واجتماعيا في مكانها بل تراجعت في عدة مجالات خاصة التشغيل والصحة والتعليم وإن كانت سنة عدوى كورونا كسنة يمكن اعتبارها استثنائية ، من حيث التدخلات والقرارات التي اتخذت بعضها كان صائبا وأغلبها كان فرصة لامتداد يد السلطة التنفيذية للتعسف في استعمال السلطة خارج حدود القانون ومنها بالأساس الحد من الحريات بشكل عام. بل إن سنة العدوى فضحت الكثير من البنيات والذهنيات التي على أساسها يتم التعامل بها مع المواطنين وبالطريقة التي يتم بها معالجة قضاياهم. ،وكشفت عن العيوب المتأصلة في البنيان الفكري والطبقي الذي على أساسه تتخذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أن تلك السنة ساهمت في الرفع من وعي المواطن بحيث كانت المناسبة -وإن هي شديدة القساوة عليه من حيث فقدان الكثير من عناصر ومقومات العيش- إلا أنها ساهمت في يقظة المجتمع واستعداده للمضي في الحفاظ على مكاسبه . . إن الدخول السياسي بالمغرب يفرض علينا أن نطرح بشأنه تساؤلات واستفسارات، هل هو دخول سياسي بعد عطلة؟ والحال أن الشأن العام مسترسل ولا يقبل التوقف والاسترخاء، والسياسة استمرارية ومداومة لتتبع وحل القضايا المستعجلة ومراقبة المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المقررة أو التي وجب التقرير في شأنها . إلا أن الدخول السياسي المغربي هو كما يبدو من تصريحات رئيس الحكومة عزيز أخنوش هو "استعراض ومتابعة وتقوية الإجراءات التي يمكن أن تجابه تداعيات الظرفية وتقوية دعائم الدولة الاجتماعية وتنزيل الإصلاحات البنيوية ، علاوة على تقوية المالية العمومية "وبالتالي فالدخول السياسي ،بالنسبة لرئيس الحكومة، هو استمرارية السياسية المتبعة مع بعض التعديلات لمجاراة التغيرات التي قد تحصل مع التطورات التي تسابق الزمن خاصة في زمن سياسي سريع التقلبات والتحولات سواء على الصعيد الاقتصادي أو اجتماعي أو السياسي او الإقليمي والدولي . . فعلى الصعيد الاقتصادي الداخلي ووفق مؤسسة الأبحاث الحكومية في المغرب ،المندوبية السامية للتخطيط ، "فإن توقعات تطور الاقتصاد الوطني سيظل معتدلا ورهين للقطاعات التقليدية التي تحقق تنمية اقتصادية التي يترتب عنها مستوى من التشغيل ومداخيل مرضية .إلا أن الضغوطات التضخمية المصاحبة للضائقة المالية تزن على توسع الطلب الداخلي وبالتالي التبعية المباشرة للأسواق الخارجية خاصة في المواد الأولية ذات الطابع الاستراتيجي مما يشكل مساهمة إيجابية مستقرة للطلب الخارجي للتنمية الاقتصادية" . ومن خلال توقعات المندوبية السامية للتخطيط ندرك أن الاقتصاد المغربي سيظل تحت ضغط الأزمة المالية والاقتصادية التي تتسم بالتضخم المالي وتراجع صرف الدرهم بالنسبة للدولار وارتفاع الأسعار بشكل صاروخي لا يتناسب مع دخل المواطنين خاصة ذوي الدخل المحدود والعمال الموسميين والأجراء حسب الطلب. ولمواجهة هذا الوضع لم تأت الحكومة بأي إجراء للتقليل من حدة ثقل الوضع الاقتصادي وتداعياته السلبية على المواطنين، والقيام على الأقل بدعم الأسر الفقيرة ورفع الأجور بالتناسب مع ارتفاع الأسعار، خاصة أسعار البترول التي تتحكم في كثير من المواد الغذائية الأساسية والنقل ،مما يضاعف من حدة المعاناة لشرائح عريضة من المواطنين ويرفع درجات التذمر، مما قد يعرض السلم الاجتماعي للتدهور وانتشار الاحتجاجات عبر كل جهات البلاد . أما على الصعيد السياسي ، فإن الحكومة أمام تحديات سياسية وجب عليها العمل بكل جرأة ومصداقية لتهيئة الأرضية السياسية ونزع شوكة التوترات التي تراكمت مع السنين بفسح المجال السياسي وتليين التعامل مع المكونات السياسية والنقابية والمجتمع المدني وخاصة الحقوقي بحيث وجب خلق انفراج سياسي واسع بإطلاق سراح كل معتقلي الرأي والصحفيين ، وإفساح المجال للتعبير عبر وسائل الإعلام التي يمولها المواطنون عبر الضرائب، ومن المفروض كما هو طبيعي أن تعكس تلك الوسائل الإعلامية المكتوبة والمرئية، رأي هؤلاء المواطنين وانطباعاتهم حول ما يجري في وطنهم وخارجه من قضايا تتطلب منهم المشاركة بالرأي والفعل المواطن حتى يمكن الحديث عن مشاركته السياسية في الفعل السياسي ومساهمته في اتخاذ القرارات. كما أن على الحكومة أن تتعامل مع المعارضة بترك حيز من المساحة السياسية لها في المنابر الإعلامية عن التعبير عن مواقفها حول القضايا المطروحة على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية، والتعامل معها كجزء من النظام السياسي الذي لا يجب تهميشه أو إبعاده عن القرارات المصيرية للبلد ، بل يجب اعتبار المعارضة كدفة يسرى لتسيير آلة الحكم ، واطلاعها عن كل المستجدات والإجراءات المزمع اتخاذها حول القضايا الاستراتيجية السياسية والاقتصادية . والأهم في كل هذا هو العمل بسرعة من أجل ترسيخ مقومات الديموقراطية حتى لا تنجرف الأمور نحو استحواذ القرارات من قبل أقلية مرتبطة بالرأسمال المحلي مما يجعل القرار السياسي بيده ويمتثل لرغباتها مع ترك المصلحة العامة للمواطنين جانبا دون أي اهتمام ، لذا من المفيد مستقبلا للبلد أن نعمل جاهدين لفصل السياسة والمتدخلين فيها عن المال والأعمال وذوي المصالح الاقتصادية ، حتى لا تكون السياسة رهينة لهؤلاء الذين يمتهنون السياسة من أجل حماية مصالحهم الخاصة فقط ولا شأن لهم بالمصالح العامة وتقويتها وتنميتها بشكل أساسي . . . أما على الصعيد الاجتماعي ، فالحكومة مقبلة على دخول سياسي متوازي مع الدخول المدرسي ، والكل يعلم ما يتطلب هذا الدخول من مصاريف من الأسر لتهيئة أبنائها للدراسة خاصة في وضع اقتصادي يتسم بالحدة في ارتفاع الأسعار وضيق ذات اليد للطبقات الاجتماعية الفقيرة وحتى المتوسطة منها ،لمجاراة تلك الارتفاعات التي غالبا ما تكون بدون مراقبة ولا محاسبة وبدون موجب…لذا وجب الضرب على أيدي الوسطاء والسماسرة والمضاربين ، حتى تقترب المسافة بين المنتج والمستهلك لأن هاذين العنصرين هما المتضرران في هذه السلسلة التي جعلها المتدخلون المرابون طويلة وهي السبب في ارتفاع الأسعار الى جانب البترول والظرفية الدولية والسياسة المحلية المتبعة من لدن الحكومة والتي تساير الوضع دون ،التحكم في السوق والفاعلين فيه. وللخروج من هذه الضائقة الاجتماعية التي تنبئ بالانفجارات، يتحتم على الحكومة العمل بسرعة على سن سياسة الحوار مع النقابات التي تبنى على الشفافية والصراحة مع اعتبار الوضعية العامة تهم الجميع الحاكم والمحكوم – لأننا في نفس المركب – وبالتالي يجب التعامل مع مكونات الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بندية واخذ مختلف الاقتراحات بجدية وباهتمام بالغ ، حتى لا يكون الحوار الاجتماعي والنقابي حوار امن أجل أخذ صور تذكارية واستغلالها في دعاية رسمية لترسل رسائل غير صحيحة ، عن حوار وهمي بدون نتائج ملموسة . . . أما على صعيد السياسة الخارجية ، فالحكومة هي في هذه الظرفية الإقليمية أمام تحديات جديدة فالتغييرات التي حدثت وتحدث في الدول الإفريقية المجاورة تتطلب مراجعة جميع الخطط السياسية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية والعسكرية ، وكذا العلاقات مع تلك الدول وكيفية تطويرها وتحيينها وفق المتغيرات التي طرأت عليها وتفعيلها ضمن منظور جديد ومحفز بحيث تكون تلك العلاقات على أساس رابح رابح مع تقوية العلاقات الإنسانية والاجتماعية مع الدول الإفريقية لأننا قبل كل شيء أفارقة . كما أن الدولة المغربية عليها أن تكون حاضرة بقوة على الصعيد الدولي والمساهمة الفعلية في حل القضايا الدولية ، وحل الخلافات والنزاعات، وفق ميثاق الأممالمتحدة والمشاركة باقتراحاتها لفك التوترات خاصة فيما يخص القضية الفلسطينية والسعي لتطبيق قرارات الأممالمتحدة وقرارات مجلس الأمن بخصوص فلسطين والقدس وردع العدو الصهيوني حتى لا يتمادى في سياسة الإبادة التي ينهجها ضد هذا الشعب المضطهد والذي لا يطلب سوى حق العودة وقيام دولته على حدود 1967. كل تلك الأصعدة وغيرها تهم التعليم والتشغيل والثقافة والرياضة وكذا الجماعات الترابية والجهات ، مجالات تتطلب من الحكومة نهضة شاملة وتغييرات عميقة لمواكبة التطورات التي تحدث في الموارد البشرية التي تتطلع لإيجاد مداخل ومخارج لتحقيق مستقبلها ، الذي بات قاب قوسين أو أدنى ، في ظل سياسة لا تتبع تطلعات الشباب والأطر التي تسعى لتحقيق غد أفضل لها وللوطن إن الدخول السياسي في اعتقادي وجب أن يتجاوز عمليات الترميم والبحث عن الثغرات أو العمل على إيجاد نقاط ضعف هي أساسا نتيجة منطقية للسياسة المتبعة ،أي أنها مواطن ضعف تواكب تلك السياسة والقرارات التي هي أصلا ليست مبنية على البعد الذي يجعلها في منأى من ذلك، فالمرحلة التي تحدد للدخول السياسي يفترض أن تتضمن قرارات حاسمة للقضايا الشائكة كالتشغيل لكل أصناف الموارد البشرية من عمال وفلاحين وأطر إدارية وتقنية ووضع مشاريع تناسبها ووفق كل التخصصات و التركيز على حل المسائل العالقة وإيجاد الحل المناسب لها دون مماطلة التي قد تزيد من تعقيدها .والعمل على تحديث الإدارة المغربية التي مازالت تقليدية وما زالت تجر ماض إداري متخلف بحيث متطلبات الوثائق المتعدد والتي يمكن اختزلها في ورقة واحدة وجهة واحدة ، عوض المساطر المعقد التي تثقل كاهل المواطن ماديا ومجهودا . . إن الدخول السياسي مناسبة لوضع الأصبع على مكامن الأخطاء لتصحيحها وتدارك ما تم الإخلال به والاعتراف بذلك ، لأن الاعتراف هو نصف الصواب أو الصواب كله ،لأن الكمال غير ممكن خاصة في العمل السياسي لتعدد المطالب واختلاف الرغبات وكثرة الزوايا التي يمكن بها معالجة الأمور السياسية، ووفق المنظور الذي يتخذ في منهج السياسة الاجتماعية أو الاقتصادية والأساس الإيديولوجي التي تعتمد عليه تلك السياسة . . . أخيرا وبناءا على كل ذلك هل تمتلك الحكومة الحالية وبمكوناتها الحزبية مقومات العمل السياسي القادر على تجاوز الأزمة البنيوية والتي أصبحت كرة ثلج مع الزمن السياسي الذي لا يعد بالسنوات بل بالمشاريع وتهيئة الأرضية الصحيحة للمواطنين للعيش الكريم والمستوى الحياتي لإسعادهم والخروج بهم من العيش الضنك الدي توارثته الأجيال دون أن يجدوا في النخب السياسية الحزبية المتلاحقة من ينصت لأناتهم ومعاناتهم. . لكن ووفق ما عهدناه في البنية السياسية المغربية والنخب السياسية سوف ننتظر كل عام دخول سياسي جديد وعند نهاية السنة السياسية نجد حالنا كما كان أو أكثر نتعلق بغد مشرق وتخيب آمالنا وتتحطم …