للخروج من النفق الذي دخلت فيه عملية تشكيل الحكومة الثانية لبنكيران، لابد من وضع الشروط الموضوعية لذلك أمامنا ، والعمل على تطبيق الدستور ضمن الإطار الذي وضع فيه، أي العمل على استرجاع واستذكار كل السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت سببا في وجود ذلك الدستور، بمعنى أننا نحسب نفس الحساب الذي كان في ظل الربيع العربي وحراك 20 فبراير مع عدم العمل على تجاوز الفعل السياسي الطبيعي بفعل سياسي اصطناعي ، اي القفز على الظاهرة بغرض واحد هو الحفاظ على الاستمرارية دون استمرارية الفعل السياسي الطبيعي والاستجابة له عبر قرارات خادعة للفعل والفاعلين ، مما يدفع للعودة بقوة اكثر ووسائل مختلفة قد لا تتأثر بكل الوعود والتعديلات وبالتالي ينفصل الفعل السياسي عن الاصطناعي وتنكشف الحقيقة التي كان من الواجب ، لمصلحة الوطن ، أن تكون هي القاعدة في التعامل مع الفعل السياسي منذ البداية وليس التعامل بخفاء وراء الحجاب للنيل من المنافسين او استخدامهم مجر طعم لتجاوز المرحلة السياسية وبعد ذلك رميهم في سلة المهملات السياسية السحيقة . وبصريح العبارة التصالح مع الشعب وعدم استغفاله وكشف الأوراق امامه والتعامل معه على انه هو صاحب القضية برمتها والذي بدونه لا أحد من المسؤولين ما كان ليكون له مكان في الخريطة السياسية المغربية . وهكذا وبعد هذ الإقرار يمكن بعد ذلك رسم كل معالم مرحلة ما قبل وما بعد دستور 2011 وما تم تطبيقه منه وما هي الفصول التي لم تطبق ولماذا ؟ وانجازات الحكومة الأولى الإيجابية والسلبية ووضعها في ميزان موضوعي مجرد عن الحزبية الضيق والمصالح الذاتية، تبدا قراءة جدية للخروج من النفق الحكومي ، واعتبار الفوز في الانتخابات التشريعية ليس مكسبا في حد ذاته ما لم يتوج بتشكيل الحكومة الثانية لبنكران وحزب العدالة والتنمية ، واستعادة كل التصريحات التي تفوه بها الأمين العام قبل وبعد انتخابات 7 اكتوبر2016. فالقوة الحزبية لحزب ما تقاس بمدى قدرته على تجميع اغلبية منسجمة في امد قصير دون الدخول في متاهات النقاشات والمفاوضات واللقاءات والمآدب دون أن تكون هنا محددات للسياسة والطرق العملية للتجميع بين النخب واللقاء على اسس مشتركة فيها القواسم الفكرية والثقافية والتاريخية ، اما أن يكون العمل في مجال ليس محددا في شموليته وخاصة لما يكون الفاعل الحكومي ليس وحده في الرقعة السياسية لأن الأساسي والمهم ان نتمعنه بجدية وبوضوح وواقعية هو ان السلطة التنفيذية لها جناحان وقلب واحد ، وهذا القلب يوجد في الجهة الأخرى من السلطة التنفيذية ألا وهي سلطة الملك الفاعل الأساسي في اللعبة السياسية بالمغرب، فبنكيران يريد تشكيل الحكومة بقوة اغلبية ما كانت لتجتمع لولا الضوء الأخضر الذي اعطاه الملك بتعيينه رئيسا للحكومة الثانية ، ولو كان سار بتؤدة وروية دون النفخ في قوته غير الفعلية والخروج بتصريحات يمكن قراءتها من عدة جوانب (انتهى الكلام ...نعطي السوارت) ... والتفكير العددي وليس السياسي الذي اعتمده أمين حزب القنديل والصراع غير المجدي مع الاتحاد الاشتراكي واسلوب الوزيعة الذي يدعو للشفقة على السياسة المغربية كل ذلك يمكن أن يزيد من الأزمة الحكومية بل قد تتطور لتصبح ازمة بمعنى الكلمة أزمة شاملة إن لم نكن قد دخلنا فيها بعمق شديد. واعتبارها كذلك لما وصلت اليه الأمور ، لكانت الحكومة قد تشكلت مباشرة اسبوعا بعد التعيين لكن وقع ما وقع ، ودخلت الحكومة في نفق مظلم لمدة طويلة وكانت ازمة ضمن الأزمة العامة التي يعيشها المغرب السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي منذ عقود. فالسياسة ليست لعبة قذرة كما يحلو للبعض ان يصفها بل هي فن وعلم ودراية وحصافة وواقعية فهي كل فعل ييسر العمل داخل الوطن وخارجه للجماعة والفرد ويؤلف بين الشتات ويقرب البعيد وينظف ويصفي العلاقات بين الأطراف المتنازعة ويحل المشاكل مهما كانت معقدة لأن السياسة هي الخيط الرفيع الذي يمكنه كل شيء. لذا فبعد الاعتراف امام الشعب بالعجز الذي لحق تكوين الحكومة ، وبعد الوقوف على مواطن الخلل من تطبيق الدستور وضمان الكرامة للمواطنين وحقوقهم لأن الدستور هو القانون الأسمى في البلاد وعدم تطبيقه هو السبب في الأزمة الحكومية وكل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد . ولابد من أعادة النظر في التشكيلات الحزبية وهذا الكم الهائل والغير المجدي من العطاء والتركيز وعكس المرآة السياسية الفعلية في البلاد ، وضرورة البحث عن طرق لدمج هذا الكم الحزبي المتشابه في التوجهات وخلق اقطاب كبرى عبر طرق الانتخابات المعرفة التي تؤدي الى تلك التكتلات الحزبية حتى تتخفف الخريطة الحزبية ويمكن استيعابها من لدن ذهنية المواطن البسيط ويتموقع وفق قناعاته في القطب الأقرب لمبادئه واختياراته. بعد هذا نأتي عمليا لتنفيذ كيفية الخروج من الأزمة العامة والأزمة الخاصة المتعلق بتشكيل الحكومة ، والطريق السريع لهذا هو الاعتماد على الدستور وقبل ذلك على الفعل السياسي الديموقراطي والأيمان به ايما ايمان ، وفسح المجال أمام النخب المعروفة بالكفاءة والجدية والصدق وإبعاد الانتهازيين والوصوليين الذي يركبون على المنصب للحصول على الامتيازات ، فالدستور وثيقة صامتة لكن من يبث فيها الحركية والحيوية هو الإنسان السياسي صاحب القراءة الثاقبة للنصوص ومعرفة شاملة بمقاصد المشرع وظروف النص وسياقاته المختلفة حتى يتمكن من وضع القرار وفق هذا السياق ، فالدستور هو خريطة الطريق مع فتح الذهن على كل الآراء مهما كانت مختلفة ومعارضة لنا ومشاركة عريضة لكل الفاعلين وعدم إقصاء أحد تحت أي مبرر كان اللهم ما يمس وحدة الوطن وطبيعة النظام السياسي الديموقراطي الذي نسعى لتكريسه بهذا العمل ، لأن الطريق الديموقراطي الذي شرعنا تقريبا في التخلي عن تكريسه هو السبب في ما نحن عليه من ازمات . فالأغلبية العددية ليست هي السيف الذي ينزل على الأقلية، ففي الديموقراطيات العريقة للأقليات مكانتها في التمثيلية لاتخاذ القرار والمشاركة فيه وإن لم تكن في الحكومة ، لأن الوطن فوق الجميع ومصلحته هي الخط الفاصل الذي يمكن تجاوزه ، لذا من أجل هذا الوطن واستمراريته على النهج الديموقراطي الذي خطط له والذي يتطلب المزيد من الجهد لتحقيقه وجب التواضع وعدم اعتبار العدد يمنح مرتبة الأسد الذي يتحكم يقزم هذا وينفخ في ذاك ، ففي السياسة كما في الحياة لا احد افضل من احد سواء له الأغلبية او لم يحصل على مقعد ، هذا في الدول الديموقراطية التي تتم فيها الانتخابات بشفافية، أما عندنا ونسبة المسجلين والمصوتين شاهدة على العزوف والفراغ السياسي لدى المواطن الذي لم تتمكن الأحزاب من تأطيره وفق اختصاصاتها الدستورية مما نتج عنه مواطنا غير مطلع عن الميدان السياسي الذي به يتقرر مصيره فالأزمة الحالية التي ظاهرها تشكيل الحكومة تتطلب الإرادة السياسية القوية وهي الكشف عن كل الملابسات التي تحيط بالمواقف الحزبية التي مازالت تختبئ وراء مسببات غير مقبولة ، مما يؤكد على وجود اشياء عميقة يتستر عليها الفاعلون في الساحة السياسية ، إما انهم غير قادرين على السير الى الأمام وتحمل المسؤولية أو هناك مقاصد واهداف غير معلنة لتجميد الوضع الحالي بكل ما يحمله من حيثيات سياسية واقتصادية والإتيان بوضع مختلف سياسيا ، أي اغلبية اخرى ذات لون سياسي ليس له " مرجعية اسلامية " لترضية مراكز القرار التي لها نفوذ سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي خاصة لما وصل "ترومب" للرئاسة الأمريكية وما لذلك من أثر على كل الأنظمة خاصة تلك التي لم يشتد بعد عودها الديموقراطي من جهة أخرى اؤكد مرة اخرى على ضرورة مراجعة طريقة الانتخاب حتى نتمكن من جعل الخريطة الحزبية لا تحمل كل هذا الكم الهائل من الأحزاب مما يساعد تشتيت الوعي الضئيل اصلا لدى المواطنين .لتفرز اقطابا لا تتعدى ثلاثة احزاب كبيرة بدلا من كل هذا التفكك الذي يخلق خلطا سياسيا لدى الجميع حتى المتنورين حيث اصبحنا لا نعلم من هو اليساري من اليميني ؟ بعد هذا وجب الإسراع في تشكيل حكومة من ذوي الكفاءات ومن كل التيارات الحزبية وغير الحزبية لتجاوز مرحلة الأزمة ببرنامج حكومي يقوي القدرة الشرائية للمواطن ودعم الفلاحية من اجل الاكتفاء الذاتي ومراجعة اتفاقيات الصيد البحري من أجل بحر يغذي الشعب كشعار لأنه من العار أن يكون لدينا بحران ويوجد لدينا نقص صارخ في تناول الأسماك؟ وتشغيل الشباب لأنه دون تشغيلهم وزوع الأمل فيهم سوف نجني على هذا البلد ايما جناية. للختم اقول تواضعوا ايها الساسة وتعلموا من البسطاء القناعة ، فالقناعة السياسة هي الإنصات للغير وملاحظة ما يجري في البلد والاستفادة من التاريخ السياسي للبلاد في مثل هذه الأوضاع والتضحية كل التضحية السياسة هي الحجم عن التقدم لكل من لا يرى في نفسه القدرة بالإتيان بالقيمة المضافة السياسية وليتراجع وتلك قمة الوطنية