من المقرر أن تنعقد يوم الثلاثاء القمة الخامسة عشرة لمجموعة بريكس (22-24 غشت) في جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا، وهي القمة التي ينتظر أن يحضرها رؤساء الدول الأربعة المشكلة لها (جنوب إفريقيا، الهند، الصينوالبرازيل)، بالإضافة إلى وزير خارجية روسيا بعد تعذر حضور الرئيس الروسي فلادمير بوتين. أياما قبل انعقاد هذه القمة كثر الحديث عنها في المغرب، على غرار كل دول العالم، وارتباطا بالمغرب أساسا، تدوولت في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، تكهنات وتساؤلات حول إمكانية أن حضور المغرب اجتماع "بريكس / إفريقيا" المقرر عقده في 24 غشت في جوهانسبرغ، بل وذهب آخرون أبعد من ذلك بالحديث عن ترشح المغرب لعضوية هذا التكتل الاقتصادي، خصوصا بعد تصريحات وزيرة الشؤون الخارجية الجنوب إفريقية، التي أدرجت المغرب من بين الدول التي أبدت اهتمامها بهذا الأمر. وعلى الرغم من كثرة تداول هذا الخبر، لم يؤكده المغرب ولم ينفه في البدء، وهو ما جعل الكثير من المحللين والمتتبعين يفسرون صمت المغرب بطرق مختلفة. بعضهم اعتبر أن هذا دلالة ضمنية على اهتمام المغرب بمجموعة "بريكس"، وبالتالي كان المغرب يختبر ردود أفعال الأعضاء الحاليين في المجموعة. في حين، رأى البعض الآخر ذلك على أنه مؤامرة دبلوماسية تُنظمها الجزائر، بمساعدة جنوب إفريقيا. مر أسبوع بالتمام والكمال، قبل أن تدخل وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج على الخط وتخرج عن صمتها، على لسان مصدر مجهول، لإنهاء التكهنات. لم يصدر بلاغ رسمي، أو تصريح رسمي من وزير الخارجية ناصر بوريطة، أو أي مسؤول ديبلوماسي مغربي باسمه وصفته المعروفة، بل تم الاكتفاء بخبر منشور من قبل وكالة المغرب العربي للأنباء، منسوب إلى "مصدر مأذون من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج"، أوضح فيه أن "التفاعل إيجابا مع الدعوة للمشاركة في اجتماع بريكس/إفريقيا، المرتقب في جنوب افريقيا أو المشاركة في هذا الاجتماع على أي مستوى كان، لم يكن واردا أبدا بالنسبة للمملكة المغربية". وأرجع ذات المصدر عدم الاستجابة إلى كون الأمر لا يتعلق بمبادرة من "بريكس" أو الاتحاد الإفريقي، وإنما بمبادرة صادرة عن جنوب افريقيا، بصفتها الوطنية. معتبرا أن المغرب قام، بالتالي، بتقييم هذه المبادرة على ضوء علاقته الثنائية المتوترة مع هذا البلد، خصوصا ما اعتبره "عدوانيته مطلقة تجاه المملكة.. ومواقفه السلبية والدوغمائية بخصوص قضية الصحراء ". وإذا قبلنا أن المغرب لم يظهر اهتماماً قوياً بالانضمام الرسمي إلى مجموعة بريكس، فقد قام على الرغم من ذلك بتطوير علاقات ثنائية قوية مع بعض أعضائها، خصوصاً الصينوروسيا. وهما قاطرة هذا التكتل. ما هي الدول التي ترغب في الانضمام إلى البريكس ولماذا؟ على الرغم من غياب معايير واضحة للانضمام، وعلى ضوء ما سمي بفكرة "بريكس بلس"، التي ظهرت خلال قمة الصين في عام 2017، والتي تهدف إلى توسيع "دائرة أصدقاء بريكس"، في سعي مشترك ل "التنمية والازدهار المشترك لجميع الأسواق الناشئة والبلدان النامية"، وهو المسار الذي عززته قمة 2022 المنعقدة في الصين، عندما أدى اجتماع وزراء الخارجية إلى اعتماد مقترح يسمح بفتح أبواب الانضمام لدول جديدة إلى المجموعة. أعربت أكثر من 41 دولة، بما في ذلك إيران والسعودية والإمارات والأرجنتينوالجزائر وبوليفيا وإندونيسيا ومصر وإثيوبيا وكوبا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجزر القمر والغابون وكازاخستان، عن اهتمامها بالانضمام إلى هذا التكتل، وفقًا لرئيس القمة لعام 2023، جنوب أفريقيا. ترى هذه الدول بريكس كبديل للهيئات العالمية التي تهيمن عليها القوى التقليدية الغربية، وتأمل أن يفتح الانضمام الباب لها للاستفادة من تمويل التنمية وزيادة التجارة والاستثمار. ولعل جائحة كوفيد-19 عندما حصل تسابق بين الدول الغنية حول حيازة اللقاحات، كان لها دور هام في تعزيز عدم الرضا من النظام العالمي بين الدول النامية، ودفعها إلى البحث عن آفاق أخرى. إذ أعربت إيران، التي تضم حوالي ربع احتياطيات النفط في الشرق الأوسط، عن أملها في أن يتم تحديد آلية انضمام جديدة "في أقرب وقت ممكن". كانت السعودية، أحد أكبر منتجي النفط، من بين أكثر من دولة دخلت في محادثات "أصدقاء بريكس" في كيب تاون في يونيو. وقد حصلت على دعم من روسياوالبرازيل للانضمام إلى التكتل. كما قالت الأرجنتين في يوليوز 2022 إنها تلقت دعم الصين الرسمي لجهودها في الانضمام إلى المجموعة. إثيوبيا، بدورها كواحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في افريقيا، طلبت في يونيو الانضمام إلى هذا التكتل، حيث صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية أن البلاد ستستمر في العمل مع المؤسسات الدولية التي يمكنها حماية مصالحها. كما أعرب الرئيس البوليفي لويس أرس عن اهتمامه بعضوية بريكس ومن المتوقع أن يحضر القمة، كذلك أعلنت حكومته في يوليوز الماضي، أنها مصممة على تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة الخارجية، مفضلة بدلاً من ذلك التوجه نحو الين الصيني، وذلك تماشياً مع هدف قادة بريكس المعلن بتقليل الاعتماد على العملة الأمريكية. الجزائر بدورها أعلنت، في يوليوز الماضي،أنها قد قدمت طلبًا للانضمام إلى بريكس، وعن رغبتها في أن تصبح مساهمًا في البنك الجديد للتنمية، المعروف ب "بنك بريكس". قمة جوهانسبورغ أية رهانات؟ مجموعة بريكس فرضت مكانتها على المستوى العالمي اعتبارا لضمها لأكثر من 42٪ من سكان العالم، و 23٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و 18٪ من التجارة الدولية، ما يؤهلها لأن تتجاوز في بعض الجوانب وزن مجموعة الدول الصناعية الرائدة المعروفة اختصارا ب G7، وهي مجموعة الدول الصناعية المتقدمة، خصوصًا من حيث الناتج المحلي الإجمالي بالقوة الشرائية (31٪ مقابل 30٪). من المتوقع أن تتسع هذه الاتجاهات في السنوات القادمة وفقًا لتوقعات متعددة، وخاصة توقعات صندوق النقد الدولي، وبخاصة إذا توسعت هذه المنصة لتشمل دولًا أخرى، دون أن ننسى أن أعضاء المجموعة هم أعضاء في مجموعة العشرين (G20). واعتبارا للظرفية التي تنعقد فيها القمة الخامسة عشرة لمجموعة بريكس المقبلة (22-24 غشت) في جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا، من المتوقع أن تكون قمة تاريخية. إذ من المتوقع أن يجتمع، حضوريا لأول مرة حضوريا منذ قمة عام 2019 في عاصمة البرازيل، رؤساء الدول الأعضاء: الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوسا، والرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في حين لن يحضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً بسبب الحرب في أوكرانيا، مكتفيا بالمشاركة عن بُعد، وسيتم تمثيله في جوهانسبرغ من قبل وزير الخارجية سيرجي لافروف. وستنعقد هذه القمة بعد ثمانية عشر شهرًا من بداية النزاع العسكري في أوكرانيا، الذي رفع التوترات بين القوى الغربية بقيادة الولاياتالمتحدة وبروكسل من جهة، وروسيا، من جهة أخر، إلى مستوى غير مسبوق منذ الحرب الباردة. في ظل هذا السياق العالمي، لم تظهر العديد من التفاصيل حول ما يعتزمون مناقشته، ولكن فيما يلي بعض القضايا الرئيسية المتوقع مناقشتها في جدول الأعمال، ويتعلق الأمر بالتوسيع المحتمل لعضوية بريكس، من خلال الاتفاق على معايير القبول، وكذا والتوسع في عضوية البنك الجديد للتنمية (NDB)، الذي تأسس في عام 2015، وكذا دور هذا البنك الجديد في خلق بدائل لاستخدام الدولار الأمريكي.