حالة من الغضب الشديد استبدت بي، أكثر مما أثاره في نفسي خبر العفو الملكي عن مغتصب الأطفال، بعد ما رأيت وسمعت وقرأت عن القمع الذي ووجهت به المظاهرات التي دعى إليها ناشطون فايسبوكيون الجمعة الفائت. أن يقع خطأ ما، فهذا يمكن تفهمه، لأنه من الممكن تداركه وإصلاحه بشكل من الأشكال، لكن الهجوم على مواطنين سلميين خرجوا للصراخ على هذا القرار، فلا يمكن السكوت عنه، لأنه يعلن عن رغبة مبيتة لدى العقل الأمني للمملكة في استمرار نفس النهج في العبث بكرامة المواطنين المغاربة. ماذا يريدوننا أن نفعل، أن نتجرع الإهانة ونبتلع ألسننا، "واش هادو بغاونا نطرطقو" في جحورنا المسماة منازل. لا، وألف لا، لا يمكن السكون عن هذا، ففي القضية أطفال في عمر الزهور لا ذنب لههم سوى أنهم يعيشون بين ظهرانينا، ولم نستطع حمايتهم من ذئب بشري عبث ببراءتهم. هي إذا إهانة مضاعفة، فما كان الدافع ورائها؟ لقد استشعر العقل الأمني خطورة هذه السابقة التي ربما تكون مؤشرا على سقوط جدار الخوف المغربي، والتي بالتأكيد سيكون لها تداعيات في القادم من الأيام. قرارات الملك لم تكن أبدا موضوع نقاش أو جدال. صحيح أنها كانت تجد لها دائما من ينتقدها، إلا أن هذه الأصوات تبقى معزولة، وهي إما أنها تكون صادرة عن جماعات أو أشخاص يوصفون بالراديكالية ومعروفون بمعارضتهم الشرسة لنظام الحكم، أما أن تصبح موضوعا للتظاهر والاحتجاج فهذا جديد. مستوى الاحتجاج لم يصل أبدا عند هذا الحد، فقد كان دائما يقف عند مشارف المؤسسة الملكية، وربما يكون التدخل العنيف، حركة استباقية للقادم من الأيام، ورسالة تفيد أنه يمكن التساهل في كل شيء إلى في هيبة المؤسسة الملكية. المشكلة التي لم يفكر فيها هذا العقل، أن هذا التدخل العنيف، يضرب في مقتل كل الخطابات عن التغيير والإصلاحات التي باشرها الملك منذ سنوات، ويؤكد أن الدينامية التي أطلقها الربيع العربي والتغييرات التي مست الدستور وتسلم حزب العدالة والتنمية للحكومة، لم تكن إلا درا للرماد على العيون. هذا الحادث، يجعلنا نعيد النظر في كل "التقدم" الذي عرفه المغرب، لأن الدستور الجديد والانتخابات والحكومة، ما هي إلا وسيلة، غايتها تحقيق مطالب المواطنين في الحرية والعدالة والعيش الكريم. كما أنها تخدش مصداقية السلطة، ورغبتها في التغيير، وبالتالي فإنها تزعزع ثقة المواطنين في الدولة، الثقة التي تعتبر "عماد الحكم وضمانة استمرار المشروع المجتمعي كما ورد في حوار بين المعلم كونفشيوس وتلميذة زيغونغ". التلميذ: ماذا يعني أن تحكم؟ المعلم: الحرص على توفير ما يكفي من المؤن، وما يكفي من السلاح للشعب، وضمان ثقته. التلميذ: وإذا وجب الاستغناء عن واحد من الثلاثة، فما سيكون؟ المعلم: السلاح. التلميذ: ومن بين الاثنين الأخيرتين، ما ستكون؟ المعلم: المؤن، فالموت دوما نهاية البشر. لكن شعبا لا يثق لن يستطيع التحمل والمقاومة. انتهى كلام الحكيم الصيني وانتهى كلامي.