مدينتي الغالية هل هو قدرك أن نراك يوما بعد يوم هكذا تبدلين في ملابس الحداد الضاربة كل يوم نحو القتمة والسواد؟ خنيفرة ماذا يجري؟ بلدتي العزيزة أنت تشيعين كل يوم جنازة وليد من ولدانك بصيغة الموت المتعدد الأسباب، الموت على غير العادة أضحى السمة الغالبة في صيفك الزمهرير، وكأن القدر بعد أن تعقدي قرانك على بسمة أمل لا يحلو له الأمر، فيأتيك لييتم سنابل السعادة على أرضك الطيبة التي تتربص بها كل جحافل مرضى النفوس. كلما تذكرت أني وليدك المفدى تزايدت تعاستي، وأنا أرى أن كثيرا منأبنائك في مراكز المسؤولية بينما أنت مغرقة في حنوط الحداد، هم أشبه بعرائس صامتة زوجها أولياؤها قسرا فارتضين الأمر وضربن على الشفاه بمزلاج الوجوم والسكوت الأبدي، متخاذلات ميتات الضمير غير مباليات بحداد أمهاتهن المقرون بزواج أشبه بملك اليمين. الموت بكل الصيغ تيمة مركزية في خلوتك الصيفية غير المعهودة بلدتي، الموت انتحارا، الموت هروبا من ضنك الواقع، الموت انحرافا وخوفا، عمدا وتلبسا، حوادثا وإهمالا، الموت المختوم بطابع المخزن قتلا وغدرا تحت ذريعة أداء مهمات العمل، ثم الموت الخبيث موت الضمير. أنا لست هنا لأحاكم حدادك المفهوم بلدتي الغالية، أنا هنا فقط لأذكر من له في العروق قليلا من دماء غير ملوثة بجنون المخزن، بعشق القاتل، بحب المشاركة في الجريمة وارتداء زي الجنائزي، بمرض التفرج على شرف بناته يباع على قارعة الطريق، كم كانت صدمتي كبيرة، وأنا أسمع بلدتي الغالية ومعقل أجدير شاهد أن دماء القتيل بين شموخ أرزك ذات ليلة من ليالي التهميش أريق ثم حيك لقضيته سيناريو مخزني معلوم، أن يتم التبجح من أخبث الخلق وشره أن تعليمات الدوائر العليا فعلت فعلتها الذميمة، فأبقت على اللصوص أحرارا، وبررت فعل القتل تبريرا، وعيرت دماء أبنائنا تعييرا، فحاذت عن طريق العدالة، وبانت في خططها النذالة، وكان عيار قتلانا وشهدائنا من وزن ذبابة. بلدتي العزيزة الغالية، كل تفاصيل الحياة فيك حداد، الجبل يدمو، نهر أم الربيع ما عاد أبدا يلاعب أطفالك، عن أنيابه كشر، كل بضعة أيام حديث غرق، الطريق قاتلة وتفاصيل البنية التحتية شاهدة، الواقع استأنس بالانتحار فأضحى الغالب في الموت انتحارا، الانحراف ليل يتيه فيه الشباب، فأصبح قتل النفس أشبه بتمثيل دور في فيلم، الريع والفساد مثل فقيه في حضورنا يبسمل ويحولق، وفي غيابنا يستخرج كراسة التمائم ويستبيح أعراض النساء... أما آن إذن لهذا المتفاقه أن يرحل!؟