- تضاربت الآراء حول التعليمات التي أعطاها الملك محمد السادس لوزير العدل والحريات بصفته رئيسا للنيابة العامة لتقديم ملتمسات للهيئات القضائية المعنية من أجل إطلاق سراح القاصرين الموقوفين في الأحداث التي شهدتها مدينة الدارالبيضاء بمناسبة مباراة كرة القدم بين فريقي الرجاء البيضاوي والجيش الملكي٬ وتسليمهم لأسرهم٬ إلى حين بت المحكمة في التهم المنسوبة إليهم، بين فريق رأى أن القرار الملكي سليم ينسجم وروح الدستور فيما رأى فريق آخر في هذا القرار تدخلا وتأثيرا على القضاء بل ذهب رأي أحدهم إلى حدود قول إن ما أقدم عليه الملك سيثير الفوضى. فهل كان قرار الملك سليما ودستوريا أم أنه خرق دستوري وتدخل في القضاء؟ هذا ما يحاول أن يجيب عنه أربعة من أشهر رجال القانون في المغرب. الجامعي: هذا تدخل للسلطة التنفيذية في سير القضاء بالنسبة للنقيب عبد الرحيم الجامعي، لا حق للملك في إصدار تعليماته لوزير العدل في قضية مازالت معروضة أمام القضاء، وخارج حقه في العفو : "قانونيا، لا وجود لعناصر داخل النص تمنح الملك مثل هذه الصلاحية". يقول الجامعي قبل أن يضيف: "الملك يرأس المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي أحدثه الدستور الجديد، لكن القوانين التنظيمية مازالت لم تقدم ولم يتم التصويت عليها، وإصلاح القضاء مازال لم ينجز بعد". وطبقا للنقيب الذي تحدث إلى موقع "لكم. كوم"، فإن الأمر يتعلق هنا ب "تدخل للسلطة التنفيذية في سير القضاء". وأضاف الجامعي، وهو عضو "لجنة الحوار من أجل إصلاح العدالة"، "وحده القاضي يمكنه أن يمنح السراح المؤقت، لكن، من هو هذا القاضي الذي يمكنه أن يرفض منح هذا السراح المؤقت بعد أن أصدر الملك تعليماته؟"، وختم الجامعي تصريحه بالقول: "إن تبعات هذا القرار خطيرة". بنعمرو: لا حق للملك فيما أقدم عليه النقيب عبد الرحمان بنعمرو، وهو واحد من المراجع القانونية الكبرى في المغرب، ينفي أن يكون للملك الحق في ما أقدم عليه، موضحا أن للملك اختصاصاته ولوزير العدل اختصاصاته وللقضاء اختصاصات معينة. ويرى بنعمرو في حديثه للموقع أن البحث في الجرائم وتحريك المتابعات والإحالة على المحاكم شأن قضائي بحث يختص بممارستها في حدود معينة كل من النيابة العامة وقضاة التحقيق والشرطة القضائية وقضاة الأحكام. ورغم أن الملك هو رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فإن بنعمرو يحصر اختصاصات الملك في حدودها الإدارية وأنه لا علاقة لتلك الاختصاصات بالقضاء الذي هو سلطة مستقلة، موضحا أن اختصاصات القضاء هي ما يخول له البحث في الجرائم من طرف النيابة العامة والشرطة القضائية التابعة لها. وحسب بنعمرو دائما فإنه لا توجد في العالم دولة تدعي الديمقراطية ويسمح فيها لإصدار العفو الخاص أو السراح المؤقت لمتهم قبل صدور حكم القضاء النهائي في حقه، ولكن المغرب، يقول بنعمرو، يشكل دائما اسثتناء حيث يتيح للملك أن يتدخل في جميع مراحل التقاضي، مشيرا إلى أن الأصل في العفو الخاص لا يكون إلا عندما يصدر المجلس الاعلى للسلطة القضائية حكمه النهائي. القاضي فتحي: تدخل الملك في محله وفقا للفصل 107 من الدستور أما القاضي عادل فتحي، نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتازة، فلا يرى أي خرق أو خطأ في ما أقدم عليه الملك، بالنظر لما يمنحه له الفصل 107 من الدستور، الذي تفيد مقتضايته أن " الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية". ويؤكد فتحي على أن قرار الملك في محله مادام أنه قرار صادر عن الجهة التي موكول لها ضمان استقلال القضاء. وقد يكون للملك، يضيف فتحي، رؤية مخالفة للرؤية التي تضمنها الملف والتي لها طبعا ارتباط بإظهار الحقيقة وفيها حفاظ على المصلحة الفضلى للأحداث (الأطفال)، مشيرا إلى أن قرار الملك فيه احترام لثلاث مرجعيات الأولى إسلامية بحكم أن الإسلام حرصت تعاليمه على تكريم الأطفال. ومرجعية حقوقية بكون كل المواثيق الدولية لحقوق الانسان تنص على معاملة الأطفال القاصرين معاملة كريمة. ومرجعية دستورية كون الملك وفقا للفصل 107 من الدستور هو الضامن للإستقلال القضاء. وإذا كان هناك من يخالفني الرأي في هذا الأمر، يضيف فتحي، فعليه إلغاء الدستور الذي يقر بهذا ويأتي بدستور آخر لا ينص صراحة على أن الملك هو الضامن لاستقلال القضاء. حجي: للملك سلطة العفو ومن حقه التدخل متى شاء لا يختلف المحامي الحبيب حجي، رئس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان، كثيرا مع ما ذهب إليه القاضي فتحي، ويرى بدوره ان الملك لم يخطئ القرار أو أنه تدخل في القضاء أو مارس أي تأثير عليه. فللملك، يوضح حجي، سلطة العفو ويمكنه أن يمارس هذه السلطة متى شاء حتى قبل صدور الأحكام ولا يوجد في الدستور ما يمنعه من ذلك. وينفي حجي أن ينظر لقرار الملك على أنه نوع من التأثير على القضاء لأن التأثير، يوضح حجي ، يكون عندما تتدخل جهة من خارج الهيئة القضائية عبر تعليمات معينة من أجل استصدار حكم معين سواء بالإدانة أو البراءة أو أي شكل آخر من أشكال الحكم. أما الملك، يضيف حجي، فلا يتصل بقاضي أو أي جهة قضائية ليحثها على الإدانة أو عدم الإدانة وإنما يمارس سلطة ومهام بعيدا كل البعد عن مجريات المحاكمة أو التواصل مع الهيئة القضائية، مشيرا إلى أن الملك سبق له وأن أقدم على قرارات مماثلة تقريبا مع ابنة النقابي الراحل المحجوب بن الصديق وابنة مستشار الملك الراحل عبد المجيد بن جلون. ومما يقوى سلوك الملك أكثر ويجعله أقوى وفي محل، بحسب حجي دائما، هو أن الإفراج عن المتبعين كان مطلبا للحركة الحقوقية لان هؤلاء الأطفال ليسوا مجرمين وإنما زج بهم أو وجدوا أنفسهم فجأة داخل دوامة احداث لم يكن لديهم فيها النية الإجرامية المبيتة. وبالتالي كان على النيابة العامة، يضيف حجي، في إطار ممارسة سلطة الملامة أن لا تتابعهم وان تطلق سراحهم لكي يعدوا إلى مدارسهم، مشيرا إلى ان الدولة هي المسؤولة عما جرى بالنظر للخصاص على مستوى الأطر الأمنية مما أدى إلى الانفلات. النيابة العامة تصف اطلاق سراح الأطفال المتهمين، قبل صدور التعليمات الملكية، ب"التخربيق" المثير في هذه الحكاية أن وزارة العدل التي يوجد على رأسها رئيس النيابة العامة وهو مصطفى الرميد عضو الأمانة العامة لحزب "العدالة والتنمية" اكتفت بإصدار بيان يشير إلى القرار الملكي ولم تبد من جانبها أي موقف يكشف عن رأيها في الموضوع. لكن جريدة "أخبار اليوم المغربية" في عددها ليوم الجمعة 31 ماي، نقلت عن مصدر لم تكشف هويته واكتفت بوصفه ب"المصدر القضائي المسؤول" قوله " إن النيابة العامة هي صاحبة الدعوى العمومية، ثم إن هؤلاء ليسوا معتقلين، بل أحداث مودعين في مؤسسة إصلاحية، تم تغيير وضعيتهم إلى مسلمين لأسرهم". وهنا السؤال، كيف يمكن وصفهم بأنهم مودعين وليسوا معتقلين وهم محرومين من التنقل والتحرك دون أمر قضائي ولما لم يكشف عن هذه الوضعية سالفا؟ لا جواب عن هاذين السؤالين حيث اكتفى "المصدر القضائي المسؤول" نقلا عن نفس الجريدة، بقول ما ذكر سلفا. ولتبرير سبب عدم اتخاذ مثل هذا القرار قبل صدور التعليمات الملكية، أضاف نفس المصدر نقلا عن نفس الجريدة أنه "من الصعب بل من المستحيل مبادرة النيابة العامة أو وزير العدل أو حتى الحكومة بكاملها إلى اتخاذ قرار مماثل، لان الأمر له أبعاد أمنية وفيه أطراف متضررة من أعمال العنف وفاعلون سياسيون يراقبون الحكومة مثل المعارضة وكل هؤلاء لن يتركوا قرارا مماثلا يمر دون القيام بردود فعلأو إثارة الفوضى"! نفس"المصدر القضائي المسؤول" لم يوضح مقصوده بالأبعاد الأمنية ولا قدم توضيحات أكثر بخصوص حدود ضرر كل طرف في القضية وحدود وطبيعة تدخل الفاعلين السياسيين، وكأن الملك بقراره هذا لم يراع الأبعاد الأمنية ولا راعى مصالح الأطراف المتضررة من الأحداث وأن الفاعلين السياسيين عندما يعارضون لا يعارضون من منطلق احترام القانون والحرص على المصلحة العليا وحقوق الأطفال أو المواطنين بل فقط من أجل الكسب السياسي. أغرب من هذا بكثير، تنقل نفس الجريدة عن محامي الأطفال المتهمين النقيب السباق بهيئة الرباط محمد أقديم تصريح مثير للغاية، عندما قال: "قمنا بتقديم طلب السراح المؤقت في جلسة الثلاثاء الماضي، وتقرر تأجيل البت فيه إلى آخر الجلسة، لكن نائب وكيل الملك أدخلنا في شنآن كبير معه، بعدما علق على إثارتنا المرجعية الدستورية وحقوق الإنسان والحريات العامة في مرافعاتنا بعابرة التخربيق". وهو التصريح الذي يستنتج منه أن قاضي النيابة العامة الذي قدم بتعليمات من الملك ملتمس إطلاق سراح الأطفال المتابعين، هو نفسه الذي رفض نفس الملتمس قبل أيام عندما تقدم به دفاعهم ووصفه ب "التخربيق". لكن "من هو هذا القاضي الذي يمكنه أن يرفض منح هذا السراح المؤقت بعد أن أصدر الملك تعليماته؟" كما تساءل النقيب الجامعي أعلاه.