[email protected] لم تكن ندوة «السلطة القضائية...»» يومي الخميس والجمعة الماضيين عادية دون أثر ؛ لعدة أسباب أبرزها : أنها الأولى من نوعها التي يتم تنظيمها بعد المصادقة شعبيا على الدستور الجديد والذي منح القضاء وضعا متميزا سواء من حيث عدد الفصول أو مضامينها. وثانيا ؛ لطبيعة المشاركين الذين قلما جمعتهم ندوة كهاته التي نظمها المجلس الوطني لحقوق الانسان (والتي صادفت الذكرى الاولى لإحداثه فاتح مارس) واللجنة الدولية للحقوقيين. في رحاب المكتبة الوطنية بالرباط ؛وطيلة يومين (1و2مارس) ،جاءت أجيال من القضاة والمحامين والاساتذة الجامعيين والحقوقيين والإعلاميين ... لمناقشة موضوع عنوانه«إصلاح السلطة القضائية في ضوء الدستور الجديد والمعايير الدولية» . قدم خلاله أربعة وعشرون عرضا بالاضافة إلى ثلاث ورشات . ولأول مرة فيما يبدو حرص العديد من القضاة أن يضعوا أصابعهم على مواطن إختلالات القضاء وثغرات ترسانة تأطيره الدستورية والقانونية في العقود الماضية . شخصوا الامراض وفضحوا «النوافذ والابواب» التي تتسرب منها تيارات التدخلات ورياح الفساد لتستصدر حكما يدين بريئا أو يسلب حقوقا أو يحمي إمتيازا أو يستهدف شرعية ...كما قدم المشاركون في الندوة إجتهاداتهم وتصوراتهم ليس فقط في مانص عليه الدستور من صيغ بل وكذلك ما أقره من مؤسسات وقوانين تنظيمية تهم المجلس الاعلى للسلطة القضائية والنظام الاساسي للقضاة والمحكمة الدستورية. الاستاذ إدريس اليازمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان أعلن في كلمة الافتتاح أن المجلس « إختار أن ينظم هذه الندوة كفضاء للنقاش وتبادل الرأي وللاطلاع على تجارب من آفاق دولية متنوعة، فضلا عن مشاركة وازنة للأكاديميين والخبراء المغاربة والأساتذة الباحثين والبرلمانيين والجمعيات الحقوقية والمهنية بما في ذلك القضاة والمحامين، لينكب الجميع على الانشغالات والانتظارات ذات الصلة بطرق إصلاح العدالة في شموليتها وعمقها واقتراح الأسس الكفيلة بهذا الإصلاح المتكامل». وذكر اليازمي بالتوصيات الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة في مجال العدالة وإصلاح القضاء، سواء في مجال الدستور بالدعوة للإقرار دستوريا بالعديد من المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان مثل قرينة البراءة وضمان حق المتهم في محاكمة عادلة تستجمع شروط وقواعد المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وتعزيز المبدأ الدستوري لفصل السلط وخاصة فيما يتصل باستقلال العدالة، والنظام الأساسي للقضاة والمنع الصريح لأي تدخل للسلطة التنفيذية في تنظيم العدالة وسير السلطة القضائية، وكل ما يهم المجلس الأعلى للقضاء من خلال تقوية الضمانات الدستورية لاستقلاله وجعل نظامه الأساسي يحدد بقانون تنظيمي يتم عن طريقه، مراجعة تشكيلته ووظيفته بما يضمن تمثيلية أطراف غير قضائية داخله، مع الإقرار باستقلاله الذاتي بشريا وماليا، وتمكينه من سلطات واسعة في مجال تنظيم المهنة ووضع ضوابطها وأخلاقياتها وتقييم عمل القضاة وتأديبهم، وتخويله إعداد تقرير سنوي عن سير العدالة، فضلا عن تأهيل العدالة وتقوية استقلاليتها وتأهيل السياسة الجنائية. ليدخل القاضي الى السجن أيضا... إختار المنظمون أن يتحدث في الجلسة الافتتاحية بالاضافة إلى رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان اليازمي وممثل اللجنة الدولية للحقوقيين الاستاذ سعيد بنعربية ، شخصيتين كان لعرضيهما وقع عميق لدى المشاركين وهما الاستاذان محمد علمي مشيشي (وزير عدل سابق وأستاذ جامعي)، والمحجوب الهيبة المندوب الوزاري المكلف بحقوق الانسان . قال علمي مشيشي أن المنظور المؤسساتي الجديد الذي جاء به الدستور ينطلق مماكانت السلطة القضائية «تتخبط فيه طيلة سنوات عديدة جراء إرتباك النص الدستوري وتدخلات السلطة التنفيذية في تدبير الملفات القضائية وغياب ضمانات إستقلال المجلس الأعلى للقضاء». واستعرض مستجدات الدستور وأبرزها إحداث سلطة جديدة تسمى المجلس الاعلى للسلطة القضائية ،«ومراجعة تركيبة هذه المؤسسة مع إستبعاد وزير العدل الذي كان يمارس،فيما مضى، تأثيرا قويا على تسيير المؤسسة وقراراتها». ومع ذلك «فإنه يظل من الأمانة العلمية والمسؤولية الوطنية القول بأن العديد من العوائق القانونية مازالت تحول دون تحقيق إستقلال حقيقي للقضاء بفك إرتباطه تقنيا عن وزارتي العدل والداخلية وتنظيم الاستقلال داخل هذا الجهاز بمراجعة مناسبة للعلاقة الرابطة بين أعضائه». واعتبر علمي مشيشي أنه« لتأمين الإستقلال الفعلي للسلطة القضائية والقضاة في ممارستهم لمهامهم، فإن من الأساسي أن تكون القوانين التنظيمية الجديدة والنظام الاساسي للقضاة متطابقة مع المعاييرالدولية لإستقلال السلطة القضائية وحيادها ، بما فيها المعايير المتعلقة بقضاء النيابة العامة(...)إن ظروف القضاة في المغرب تبقى غير مأمونة في غياب نظام أساسي متطابق مع هذه المعايير». وبالنسبة لتفعيل مايتعلق بنظام القضاة قدم الاستاذ علمي مشيشي تصورا أوجزه في « أن يحسن التفعيل جوانب متعددة، بداية من شروط ولوج سلك القضاء، نظرا للتطور الهائل في الحقوق المعرفية من جهة ، وللتعقيد المتنامي للنزاعات من جهة ثانية ، وفترة النضج المتطلبة للفصل في القضايا من جهة ثالثة، ويتعين اشتراط تكوين علمي قانوني أساسي مناسب، وغيرقانوي مكمل،وفترة تدريب في المحاكم ، ومكاتب المحاماة والتوثيق والخبرة المحاسبية، والامن الوطني، والدرك الملكي، وإدارة السجون ... ولم لا يدخل القاضي السجن ليعيش أوضاع نزلائه » . واقترح علمي تغيير سن إحالة القاضي على التقاعد حتى تتم الاستفادة أكثر من خبرته ورصيده المعرفي القانوني . وخلق منصب القاضي الشرفي، ومجلس للحكماء من كبار القضاة... الأستاذ المحجوب الهيبة أجمل تقديمه للندوة في ثماني نقط تلخصت في : أولا: أن هذا الملتقى يتضمن في جوهره حمولة ذات دلالة رمزية مهمة في إطار الديناميكية التي تشهدها بلادنا في مجال الاصلاحات... ثانيا:إن إصلاح القضاء وضمان إستقلاله يعتبر شرطا أساسيا لحسن الممارسة الديمقراطية في كل دولة تحترم سيادة القانون . وأن العدالة قد أصبحت اليوم تشكل رافعة لا محيد عنها للتنمية البشرية المستدامة... ثالثا: إن منظمي الندوة ينخرطون في مسار تنزيل مقتضيات الدستور بالنسبة لموضوع وإن كان قد حظي بإهتمام بالغ من طرف العديد من الفاعلين فإنه يبقى مع ذلك ذي راهنية ،بل وفي حاجة لتركيز أكثر في هذه المرحلة من تطور المغرب والحراك الذي يعيشه... رابعا:ينبغي اليوم أكثر مما مضى التشديد على «الحوار أو التبادل القضائي»، حيث أضحى من المواضيع ذات الأهمية القصوى في تأهيل القضاء والقضاة . ويدخل في هذا الباب تطوير مفهوم اقتسام الاجتهاد القضائي والمعارف القضائية بين الانظمة القضائية المختلفة ، وطنيا وإقليميا ودوليا. خامسا: عدم كفاية القانون في حد ذاته ، حيث أنه مهما كان المجهود المبذول في تضمين القوانين المعايير الكونية في المجال، فإن ذلك لن يكفي إذا لم يحرص الاجتهاد القضائي وخاصة الدستوري منه على تطوير الممارسة واستكمال تنزيل مقتضيات الدستور في هذا المجال بالخصوص ... سادسا: الدولة مسؤولة على توفير كل الضمانات لتأمين استقلال القضاء من إمكانيات قانونية وتنظيمية ووسائل مادية وبشرية، التي تساهم في تفعيل المبادئ العامة المعلنة في الدستور، وايضا في العديد من الصكوك الدولية...وليست الدولة وحدها، فالمحاكم وكل مكوناتها تعتبر بدورها مسؤولة عن هذا الإستقلال ... سابعا: إذا كانت أخلاقيات المهنة شرط أساسي ومؤطر، فإنها غير كافية إذا لم ترتبط بالتكوين الجيد والمناسب... ثامنا: إن إصلاح القضاء وضمان إستقلاله يطرح بشكل خاص في الدول التي تنخرط في الإنتقال الديمقراطي والعدالة الانتقالية... الاستاذ سعيد بنعربية ممثل اللجنة الدولية للحقوقيين إستهل عرضه بمعطيات تتعلق باللجنة . واعتبر بأن استقلال السلطة القضائية ليس هدفا في حد ذاته بل هو آلية لتحقيق العدالة . وتطرق لمحاور الندوة الثلاث وهي : - دور المجلس الاعلى للسلطة القضائية في ترسيخ استقلال القضاء. - إصلاح النظام الأساسي للقضاة. - النيابة العامة، أي إستقلال؟ سيناريوهات و...إختصاصات الجلسة الاولى كان موضوعها :دور المجلس الاعلى للسلطة القضائية في ترسيخ إستقلال القضاء أبرز رئيسها الاستاذ محمد أشركي (رئيس المجلس الدستوري) في توطئة لهذا المحور الاهمية التي أولاها الدستور الجديد للقضاء.إذ خصص 22 فصلا له عوض6 كما كان الشأن بالنسبة لدستور 1996 .كما أن المحكمة الدستورية حضيت ب 6 فصول . واستعرض الاستاذ أشركي مستجدات الدستور في هذه الفصول ومن بينها التنصيص على أن القضاء سلطة ، وإحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية ليعوض المجلس الاعلى للقضاء بتركيبة واختصاصات جديدة. العرض الاول قدمه الاستاذ محمد سعيد بناني مدير المعهد العالي للقضاء وانصب على موضوع المجلس الأعلى للسلطة القضائية : التركيبة والاستقلالية . ذكر فيه بمضامين الخطابين الملكيين ل 20غشت 2009 و9مارس 2011 الذي إرتقى بالقضاء إلى سلطة مستقلة ودسترة توصيات هيأة الانصاف والمصالحة . وحدد الاستاذ بناني المقتضيات التي وردت في النص الدستوري والتي تحد من التدخلات السياسية فيما يتعلق بالقضاء وبدعم إستقلال القاضي وذلك من خلال تأليف المجلس الاعلى للسلطة القضائية التي أستبعد منها وزير العدل (الفصل 115),أشرك المجتمع المدني وبالتالي أصبح القضاء شأنا عاما . والتنصيص على أن القاضي لايتلقى بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولايخضع لاي ضغط (الفصل 109). واستعرض الاستاذ بناني وهو ثلاثة سيناريوهات :أولها بقاء ماكان في دستور 1996 مع إدخال بعض التعديلات مثل إضافة العنصر النسوي ،وثانيها هيأة إستشارية ذات شطرين ،خاص ويهم كل ماله علاقة بالقضاة،وعام ويتعلق بالعدالة بشكل واسع . وثالث السيناريوهات الاقتصار على هيأة تنظر في كل ماهو مهني وماله علاقة بالقضاء. وقدم القاضي فيليب تكسييه القاضي بمحكمة النقض في فرنسا ومفوض اللجنة الدولية للحقوقيين عرضا حول «إستقلال السلطة القضائية والمجالس العليا للقضاء في ضوء المعايير الدولية » قارن فيه بين مضامين ماورد بشأن القضاء في الدستور المغربي الجديد وبين الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومجموعة المبادئ الاساسية بشأن إستقلال السلطة القضائية المعتمدة من طرف الأممالمتحدة سنة 1985 . وانطلق من الفصل 107 من الدستور الذي نصت فقرته الاولى على أن «السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية» مبرزا أن التأكيد الدستوري غير كاف من أجل ضمان إستقلالية السلطة القضائية بل يجب الاعتماد على مؤسسات وتشريعات قوية من بينها المجلس الاعلى للسلطة للقضائية (الفصل 115) والقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الاساسي للقضاة (الفصل 112) .وتناول القاضي فيليب تكسييه الفصل 111 الذي نص على أن «للقضاة الحق في حرية التعبير...» ويمكن لهم الانخراط في جمعيات ...وهو فصل يتضمن ماورد في المبدإ 8 من مجموعة المبادئ الاممية . ورأى القاضي توكسييه أن التأويل للفصل 111 هو الذي سيحسم في موضوع نوعية الهيآت التي للقاضي الانخراط فيها أو إقامتها. واعتبر بأن طريقة تعيين القضاة ذات دور أساسي في ضمان إستقلالهم موضحا مضمون المبدإ 10 الذي جاء تحت عنوان«مؤهلات القضاة واختيارهم وتدريبهم» والتي تشترط النزاهة والخبرة والمؤهلات المناسبة في القانون ؛حيث قارنها مع الفصل 113 من الدستور .وشدد على ضرورة أن تتم التعيينات في المناصب بشكل شفاف دونما تمييز. الأستاذ الحبيب بيهي الأستاذ بكلية الحقوق بالرباط تركز عرضه حول «أدوار المجلس الأعلى للسلطة القضائية في تشخيص أوضاع العدل ومسارات المعالجة ».منطلقا من الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 113 اللتان اوكلتا مهام جديدة للمجلس الاعلى للسلطة القضائية وهما التشخيص والمعالجة . فالمجلس يضع ،بمبادرة منه ،تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة ،ويصدر التوصيات الملائمة بشأنها.وهذه التقارير يشير الاستاذ بيهي هي بمثابة تشخيص يرصد المعوقات التي تعاني منها العدالة وتحول دون قيامها بمهمتها الاساسية .وضرب أمثلة عن هذه المعوقات مثل البطء والتنفيذ والتخليق ... وعن الآليات التي أعطاها الدستور لهذا المجلس للقيام بمهامه حددها الاستاذ بيهي في طريقتين :الاولى إنجاز تقارير بصفة تلقائية دون طلب من أي جهاز . وفي تأليف المجلس هناك مؤسستان دستوريتان لهما من الخبرة في القيام بذلك وهما المجلس الوطني لحقوق الانسان ومؤسسة الوسيط. والطريقة الثانية ،أن يبدي آراء ولكن ليس من تلقاء نفسه بل «بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان ،آراءمفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة .« لكن تحت شرط عدم المساس بمبدإ فصل السلط وإستقلال القضاء ». وفي تعقيبه على العروض السابقة ذكر الاستاذ عبد القادر الشنتوف قاضي التحقيق في قضايا الارهاب وعضو المكتب المركزي للودادية الحسنية للقضاة بأهم مضامين مذكرة الودادية للجنة مراجعة الدستور والتي تناولت موضوع إصلاح القضاء .واعتبر أن الدستور الجديد وضع فعلا الاطار المؤسساتي لإستقلال السلطة القضائية ،لكن ذلك لايكفي لأنه سطر فقط الخطوط العريضة ليس إلا. أما التفاصيل فستتضمنها القوانين التنظيمية التي يجب أن ينتهج إعدادها مقاربة تشاركية . ورأى الاستاذ ضرورة إعادة النظر في التكوين بالمعهد العالي للقضاء، مشيرا إلى أن القاضي لايشتغل معزولا بل مع فعاليات معددة مثل كتاب الضبط والتراجمة وغيرهم وألح على ضرورة الاهتمام بالاوضاع المادية والاجتماعية للقضاة ،. وبتعزيز الضمانات الممنوحة لهم .وبتمتيع المجلس الاعلى للسلطة القضائية بالامكانيات لتجسيد فعلي لإستقلاله المالي والاداري. باب الحكامة تهم أيضا القضاء النظام الأساسي للقضاة كان عنوان الجلسة الثانية ذكرت في مستهله رئيستها الأستاذة الجامعية أمينة المسعودي بمضامين الفروع الثلاثة التي إحتواها الباب السابع من الدستور . وأشارت إلى أن قراءة هذا الباب يجب أن تتم في إطار قراءة الدستور من تصديره إلى آخر فصل فيه . فباب الحكامة والمجلس الاعلى للحسابات ينطبق كذلك على القضاء. القاضي مولاي هاشم العلوي (رئيس غرفة بمحكمة النقض ورئيس لجنة البت في الطعون الضريبية ) الذي اعتبر أن المغرب اليوم في «مرحلة التجنيد الميداني» وأنجز صيغة لقانونين تنظيمين للمجلس الاعلى للسلطة القضائية والنظام الاساسي للقضاة إقترحهما للنقاش، قدم عرضه تحت عنوان «المقدمات الدستورية لإصلاح النظام الأساسي للقضاة ومستلزماته وامتداداته»، فرعه إلى مجالين الاول؛ الإلتزامات القانونية وتدبير المسار المهني للقاضي . والثاني الوسيلة القانونية التي يمارس بها المجلس إختصاصاته . وقد إتخذ الاستاذ العلوي من خطابي جلالة الملك في 20 غشت 2009 و 9 مارس 2011 مرجعا ومنطلقا لمداخلته ليوضح أن هناك إرادة إصلاح تضع قطيعة مع الممارسات القبلية وترمي إلى إصلاح شمولي وعميق للقضاء. قال الاستاذ العلوي أن القوانين الحالية المعتمدة في تسيير وتدبير القضاء تعطي دورا أساسيا لوزير العدل «وبذلك فنحن أمام غياب استقلال حقيقي للقضاء». وقدم القاضي الإسباني خوصييه أنطونيو مارتين بايين( القاضي الشرفي بالمحكمة العليا الاسبانية) عرضا حول «السلطة القضائية والنظام الاساسي للقضاة في ضوء المعايير الدولية » بين فيه أن المغرب اعتمد دستورا متطورا ومتفتحا ومسايرا للدساتير الديمقراطية وهو ما لم يتحقق بإسبانيا عند صدور دستور 1978 وهي في أولى لحظات القطع مع الديكتاورية. وركز القاضي خوصيه على ضرورة ترسيخ كل إستقلالية القاضي من خلال شق مؤسساتي (المجلس) وفردي(النظام) . واختار الاستاذ إدريس بلمحجوب الرئيس الاول للمحكمة الابتدائية بالرباط أن يتحدث عن «المستلزمات التشريعية والتنظيمية والمؤسساتية لتوفير ضمانات القضاء» أوضح فيها أن بلادنا عبرت مراحل متعددة في تعاملها مع قضائها منذ الاستقلال . وتساءل كيف لتقرير الخمسينية الذي أعده 100 خبير ومفكر أن يلخص مسارات القضاء ومشاكله في صفحة ونصف . وقدم الاستاذ بلمحجوب عدة مقترحات ابرزها: تحديد إختصاصات كل من الاعضاء المنتخبين والمعينين في المجلس الاعلى للسلطة القضائية . تفعيل دور الوكيل العام في مجال تسيير المحاكم وتفتيشها . إعطاء الاهتمام لموضوع التواصل بين مؤسسات القضاء والمجتمع المدني وذلك بخلق مصلحة للتواصل بكل محكمة. ضرورة اعتماد تقسيم جغرافي جديد وذلك من أجل الاقتصار على إحداث محكمة استئناف واحدة في كل جهة من جهات المملكة. وركز الاستاذ عبد اللطيف الحاتمي المحامي بهيأة الدارالبيضاء على التكوين الذي يجب أن يتوفر عليه القاضي . واقترح أن يكون القاضي قد زاول مهنة المحاماة لعدة سنوات قبل أن ينخرط في سلك القضاء . واعتبر أن للقضاة الحق في تاسيس الجمعيات . النيابة العامة وتدبير الغموض النيابة العامة كانت لها جلستها هي التي ترأسها الأستاذ النقيب عبد العزيز بنزاكور رئيس مؤسسة الوسيط ،مفوض اللجنة الدولية للحقوقيين . وقدمت فيها أربعة عروض عقب عليها الأستاذ هشام العمري عضو المكتب التنفيذي لنادي القضاة . طرح الاستاذ بنزاكور عدة أسئلة حول الموضوع ابرزها إلى أي حدود يمكن أن نوفر ضمانات استقلال جهاز النيابة العامة ؟وكيف يمكن أن نخلق انسجاما بين القوانين التنظيمية من جهة والمعايير الدولية في إطار كونية حقوق الانسان التي أقرها الدستور؟ وماهي طبيعة «التعليمات الكتابية القانونية » التي جاءت في الفصل 110؟ الاستاذ عبد الكبير طبيح المحامي عضو مجلس هيأة الدارالبيضاء حاول ملامسة إشكالية دور النيابة العامة من خلال طرحه القضايا التالية : -النيابة العامة كما فهمت في النظام القانوني والسياسي . -النيابة العامة في الأنظمة القانونية والسياسية الاجنبية. -العرض القانوني والسياسي الذي يقدمه دستور 2011 لفهم جديد لأدوار النيابة العامة. بخصوص المحور الاخير أبرز الاستاذ طبيح أن «الغموض هو آلية من الآليات التي يمكن تستعمل لتدبير أوضاع معقدة ، ما دام أن الفصل 51 يتكلم فقط على أن وزير العدل يعمل على تنفيذه ولا يتكلم عن الجهة التي تضعها أو تتحكم فيها».وقد إعتبر طبيح أن منطق الغموض ليس، دائما، أمرا غير مقبول مجتمعيا وسياسيا بل إن منطق الغموض قد يكون منطقا مقبولا لتدبير، وليس لتسيير، وضع صعب ومعقد، سواء كان تدبيرا سياسيا أو مجتمعيا لدور النيابة العامة. ووجه الغموض الثاني هو ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 116 من دستور 2011 والتي ورد فيها : «يراعي المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في القضايا التي تهم قضاة النيابة العامة تقارير التقييم المقدمة من قبل السلطة التي يتبعون لها». والغموض الآخر، وربما الأكثر مثارا للسؤال هي جملة «السلطة التي يتبعون لها» الواردة في الفصل 116 من الدستور. إن القراءة التي لا محيد عنها للقاعدة الدستورية المذكورة هي : أولا : أن قضاة النيابة العامة لهم سلطة يتبعون لها. ثانيا: أن تلك السلطة ليست، بالقطع، هي المجلس الأعلى للسلطةالقضائية. وأن ما يبرز هذا الفهم، هو أن المشرع الدستوري لم يستعمل هذه الصيغة إلا بالنسبة لقضاة النيابة العامة ولم يستعملها بالنسبة لقضاة الحكم. وإذا كان الأمر كذلك، فمن هي هذه السلطة التي يتبع لها قضاة النيابة العامة ؟ «السلطة القضائية هي التي استفادت بشكل أكبر من الدستور الجديد»، هكذا شدد الاستاذ عبد السلام العماني الوكيل العام للمحكمة الابتدائية بالرباط . الذي اعتبر في عرضه (المعايير الدولية لاستقلال النيابة العامة). «أن كل نظام ديمقراطي حداثي لابد أن تأخذ فيه النيابة العامة مكانة تقف فيه إلى جانب الحقوق والحريات. إن علينا أن نصحح تلك الصورة التي ترسخت لدى المواطن من أن النيابة العامة تبحث فقط ودائما عن الادانة (...) إن عليها أن تساهم في توفير شروط المحاكمة العادلة وأن تتعامل بمساواة بين المتهم والضحية ». أما الاستاذ النقيب محمد أقديم المحامي بهيأة الرباط فتحدث عن شروط ومستلزمات إصلاح مؤسسة النيابة العامة متسائلا عن السلطة التي يتبع لها هذا لجهاز . الفجوة التي ... الجلسة الرابعة ترأستها الاستاذة زهور الحر وتناولت موضوع «إستقلال القضاء بين القانون والممارسة» . وأوردت في بدايتها أن هناك فجوة بين الخطاب والممارسة العملية.وهو ما أحدث اختلالات بنيوية في البناء القضائي. وتساءلت الاستاذة زهور: كيف يمكن تقليص الفجوة ؟ وباي آليات؟ كيف يمكننا أن نبني قضاء قويا مستقلا لمواجهة التحديات وقيادة الإصلاح الحقيقي في ظل التحديات الراهنة؟ واعتبرت أن المغرب اليوم في منعطف تاريخي وحاسم « فنحن بحاجة أكثر ألى المصداقية وبناء الثقة لنشر الأمن القضائي في المجتمع». الاستاذ محمد المجدوبي رئيس غرفة بمحكمة النقض وئيس قسم الداسات والتوثيق والبحث العلمي ، وضع على المشرحة محكمة النقض (المجلس الاعلى سابقا) ودورها في ترسيخ استقلال القضاء. وقسم عرضه إلى محورين : الاول؛ السياق الحقوقي للمبدإ وأساس المبدأ الثاني من «المبادئ الدولية المتعلقة باستقلال ومسؤولية القضاة »الذي ينص على أن القضاء «يبت في المسائل المعروضة عليه بدون تحيز وعلى أساس الحقائق ووفقاً للقانون، ولا يتعرض لأية قيود تُفرض عليه أو لما قد تمارسه عليه أي جهة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو لأي سبب من الأسباب، من تأثير غير مشروع أو ترغيب أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات». وكذلك «الميثاق العالمي للقضاة» (17 نونبر 1999)، الذي نص على أن القاضي هو صاحب المنصب ويجب أن يمارس بحرية بعيدا عن الضغوط وبشكل مستقل. وفي المحور الثاني (مظاهر ترسيخ إستقلال القضاء بمحكمة النقض ) تطرق لأوجه التدخل التي تطال مؤسسات القضاء والتي من تجلياتها إحداث محاكم إستثنائية تقوم بأدوار بغيضة ،ومحاصرة القاضي في دوائر حمراء. وأكد أن الفصل 119 من الدستور الجديد منع بصيغة الاطلاق التدخل في القضايا المعروضة على القضاء. المحامي الاستاذ عبد الحق العزيزي عضو المجلس الوطني لحقوق الانسان بنى عرضه (قابلية قرارات المجلس الاعلى للسلطة القضائية للطعن ) في شطر أول على تقديم تجارب عربية واوربية في هذا الباب، وفي شطر ثاني طرح تساؤلات عدة من بينها: هل ستتضمن قرارات هذا المجلس الاسباب والحيثيات؟ ام سيصدرها على شاكلة ما دأب عليه المجلس الاعلى للقضاء؟وهل للقاضي الحق في الاطلاع على المداولات؟وهل يمكن الطعن في قرارات رئيس محكمة النقض امام المجلس الاعلى للسلطة القضائية الذي هو رئيسه؟ تجربة تونس المتعلقة بالمجلس الاعلى للقضاء في عهد الرئيس السابق قدمتها الاستاذة كلثوم كنو رئيسة جمعية القضاة بهذا البلد المغاربي . أبرزت فيها أن استقلال القضاء ليس امتيازا للقاضي بل في مصلحة المتقاضي. وأوضحت أن لوزير العدل في تونس 38 صلاحية تجاه القاضي. وفي تونس هناك مجلس أعلى للقضاء العدلي ومجلس أعلى للقضاء الاداري ومجلس أعلى للقضاء المالي.وليس هناك محكمة ستورية ,. وهذه المجالس ليس لها مقر ولا يعرف عدد أعضائها . وعندما قال قاضي بأن مقر المجلس درج يوجد بمكتب الوزير تمت معاقبته وعزله . وامتدادا للجلسات كانت الورشات مجالا لتعميق النقاش وهمت المواضيع: - دور المجلس الاعلى للسلطة القضائية في ترسيخ استقلال القضاء. -إصلاح النظام الاساسي للقضاة. -استقلال النيابة العامة ودورها في ترسيخ السلطة القضائية وسيادة القانون. وقد توجت الندوة أشغالها بإستغراض خلاصات وتوصيات هذة الورشات بالاضافة إلى التقرير العام الذي قدم مضامينه الاستاذ النقيب محمد مصطفى الريسوني . في الندوات والتطاهرات الكبرى يكون هناك اشخاص حريصون على توفير كل شروط العمل للمشاركين. يؤمنون السير العادي للبرنامج . في ندوة السلطة القضائية كان هناك رجلان لابد من الاشارة إليهما وهما: بوشعيب ذو الكيفل من المجلس الوطني لحقوق الانسان وإبراهيم إغلان رئيس مصلحة التواصل والبرمجة بالمكتبة الوطنية. كانا أول الحاضرين وآخر المغادرين .بيقظة وبفائض من التقدير للمشاركين كانا يؤديان مهامهما.