المتتبعون للشأن السياسي في المغرب يعلمون جيدا أن الإنتخابات التشريعية مجرد جزئية تكميلية في مشهد من سيرأس الحكومة القادمة، وأن الأجزاء المهمة هي تلك التي تلعب في الكواليس، هناك بالرباط. وإذا كنا قبل أشهر من الآن قد كتبنا بنوع من اليقين أن الحزب الإسلامي هو من سيرأس الحكومة القادمة وللمرة الثالثة تواليا، فإننا اليوم نتراجع عما قلنا بحكم ما استجد من أمور ليس أهمها "القاسم الإنتخابي" الذي جاء به أصحابه لتمييع المشهد البرلماني وتحويله إلى ما كان عليه في الأصل: "السيرك" على رأي الملك الراحل، الحسن الثاني. قلت أن ما استجد من أمور في المشهد السياسي يجعلنا أمام توجه جديد للدولة يقول باحتمالية "إسناد" رئاسة الحكومة للسيد نزار بركة، أمين عام حزب الإستقلال. نزار بركة أم حزب الإستقلال؟ الحقيقة أن حزب الإستقلال ما عاد بتلك القيمة في معادلة السلطة على غرار باقي الأحزاب الوطنية، فمنذ أن وصل السيد حميد شباط لرئاسة الحزب، فقد هذا الأخير هويته، وانزاح عن مشروعه المجتمعي ليتحول بذلك إلى طرف هامشي مكمل دون أي تأثير في تحديد موازين القوى السياسية في المغرب. فقد انشغلت قيادة الحزب بصراعاتها الداخلية التي ما تنتهي إلا لتخلق أخرى أكثر تعقيدا، الأمر الذي أثر سلبياعلى أجندة الحزب فأفقده مكانته واحترامه لدى المغاربة. ومع وصول السيد نزار بركة للأمانة العامة للحزب سنة 2017، حاول بداية أن يحقق المصالحة الداخلية وأن يجمع الإستقلاليين حتى يصل للتوافق المطلق بخصوص مشروعه الحزبي الذي كانت أول نقطه تقوية رصيد المصالحة والثقة داخل البيت الإستقلالي، وعبره محاولة العودة لتزعم المشهد السياسي المغربي. لا نقول أن السيد نزار بركة أكبر من حزب الاستقلال، لكننا نقول أنه أكثر أهمية من حزب الإستقلال في نظر الدولة لأنه يشكل آلية للإنتقال من مرحلة الشعبوية إلى مرحلة الإعتدال، وربما إلى مرحلة التدبير الفعال.. فالسيد العثماني رئيس الحكومة الحالي حتى وإن كان أكثر هدوء من سلفه بن كيران إلا أنه استمرار لنفس العقلية ونفس الخطاب الحماسي الإندفاعي. في حين يبدو السيد نزار بركة نموذجا مختلفا بناسب أكثر الطريقة التي تفكر بها السلطة في المغرب، ويناسب أيضا المرحلة الراهنة التي تتسم بنوع من الإلتفاف والإجماع الحزبي حول السلطة، وهو الإلتفاف الذي، ربما، فرضته المستجدات بشأن القضايا الوطنية الكبرى، فتأثير هذه القضايا امتد ليستحوذ على علاقة الأحزاب بالدولة في شتى القضايا الداخلية التي كان من الممكن أن يحدث الإختلاف حولها بالأمس القريب. وهو أمر سلبي على أي حال، فأن تنظر الأحزاب للقضايا الفئوية من خلال نفس العين التي تنظر بها الدولة لهذه القضايا سيفقد هذه الأحزاب ما تبقى من مصداقيتها. قلت أن السيد بركة، الذي تم تعيينه سنة 2013 رئيسا للمجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي، هو أكثر أهمية للدولة في المرحلة الراهنة وهو ما يتأكد من خلال المهام الرسمية، خاصة الخارجية منها، التي أصبحت الدولة تكلفه بها، وأيضا يتأكد عبر تركيز الإعلام الرسمي للضوء على أنشطته الرسمية والحزبية. لننتظر ونرى..