لازالت انتقادات الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، للحكومة مستمرة، حيث اعتبر أن الحكومة إذا استمرت في سياستها الحالية ستزيد من تعميق الفوارق الاجتماعية، وهو ما سيقود البلاد إلى الهلاك. بركة، الذي كان يتحدث خلال استضافته في برنامج “حديث الصحافة” على القناة الثانية، مساء أول أمس الأحد، قال إن “الحكومة تنتهج سياسات ليبرالية غير متوازنة يتخللها البعد الإحساني، مشددا على أن هذه الأخيرة لا تنصت لصوت الشعب وهمومه، ولا تتفاعل مع مطالبه وتطلعاته، كما أنها لا تأخذ بعين بالاعتبار مقترحات المعارضة، وهو ما يظهر من خلال عدد مقترحات القوانين التي تفاعلت معها”. ويرى بركة أن من النتائج السلبية لهذه السياسة عودة الهجرة السرية بقوة خلال السنتين الأخيرتين، بالإضافة إلى زيادة اتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية والتوريث الجيلي للفقر، في الوقت الذي وصل النموذج التنموي مداه، بارتفاع البطالة وتراجع النمو. وفي الشأن ذاته، أضاف الأمين العام لحزب الاستقلال أن حكومة العثماني تراجعت عن إنجازات تم تحقيقها في حكومة عبدالإله بنكيران، مشددا على أنها لم تقم بما وعدت به، ما تسبب في حدوث إهدار في زمن الإصلاح وعدم القيام بالإصلاحات الهيكلية. وأكد المسؤول الحزبي على وجود أزمة ثقة في العمل السياسي داخل المجتمع، وهو جعل حزبه يُعد استراتيجية تشمل خمس ركائز، أهمها العمل على المصالحة الداخلية، والتفاعل مع انتظارات المواطنين، وخدمة المجتمع، وتقديم البدائل والأفكار، مع التركيز على مصداقية العمل السياسي من خلال ربط القول بالفعل. وحول مقترحات الحزب للنهوض بوضعية الطبقة الوسطى، شدد بركة على ضرورة تنمية القطاعات الحيوية التي تشمل الصحة والتعليم، حيث قال إن الدولة مطالبة بخصم 600 درهم في الضريبة على الدخل لرسوم التمدرس عن كل طفل يتلقى تعليمه في القطاع الخاص، علما أن المدارس الخاصة تقوم بأعمال خطيرة، من بينها إقرار زيادات كبيرة، مضيفا أن هذه الطبقة لا تتجاوز نسبتها 20 في المائة، وهي التي يحدد مدخولها الشهري في 9000 درهم، وتكون قادرة على سد حاجياتها وادخار بعض المال. وعما قدمه حزبه في هذا الشأن لتقليص الفوارق الاجتماعية، قال بركة إنه سبق وأن قدم “مقترحا لوضع مخطط وطني خاص بالأقاليم الحدودية لتقليص الفوارق، موازاة مع باقي مناطق المغرب، فضلا عن مذكرة تشمل بدائل للخروج من محطة “المقاطعة”، التي تفيد باحتقان اجتماعي حقيقي”. أما بخصوص الشباب، فيرى بركة أن التجنيد الإجباري لن يحل إشكالية الشباب، موضحا أنه يجب أن يتم وفق استراتيجية مندمجة للنهوض بالشباب، الذين يبلغ عددهم مليوني شاب. (أقل من 30 سنة لا يعملون ولا يخضعون لتكوين، مما يستوجب القيام بتحفيزات تسمح لهم ولوج سوق الشغل)، يقول بركة. وبخصوص الانتقادات التي وجهت إلى طريقة انتخابه على رأس حزب الاستقلال، أوضح أن الأمر تم بناء على طلب العديد من المناضلين الذين اعتبروا أن المرحلة تستلزم تجميع القوى وتقوية البعد الفكري وإعطاء نفسٍ جديدٍ والاشتغال على المصالحة. كما انتقد الشعبوية التي كانت ارتفعت أسهمها في الخمس سنوات الماضية، حيث قال إنها “خلفت أضرارا كبيرة في المجتمع، فهي تبين أن كل شيء سهل الحدوث”، لكن حسب بركة، فإن العصا السحرية غير موجودة، معتبرا أن الشعبوية هي ضرب للمؤسسات المنتخبة وكانت سببا في فقدانها للمصداقية، مشددا على أنه يجب نهج خطاب مسؤول بعيدا عن هذا المنحى. وتعليقا على خرجة بركة، قال الباحث في الاقتصاد السياسي، رشيد أوراز، إنه غير مستبعد أن يكون لبركة طموح لرئاسة حكومة 2021، خصوصا وأنه يترأس حزبا سبق له أن تحمل مسؤولية الوزارة الأولى وخبر دواليبها.وأضاف أوراز، الباحث الرئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، أن بركة سبق له أن شغل مناصب وزارية في حكومات متعددة، مشيرا إلى أنه ليس خافيا على أحد أن حزب الاستقلال، كآلة حزبية، تحب المناصب ولها ولع كبير بها، كما أن الحزب كان دائما متشبثا بالمشاركة في الحكومات حتى تلك التي يعارضها أحيانا من الداخل وليس من الخارج (حالة عباس الفاسي في حكومة اليوسفي وشباط في حكومة بنكيران). أوراز في حديثه ل”أخبار اليوم ” أفاد أن نزار بركة راكم خبرة لا بأس بها في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في الاشتغال على الملفات الاقتصادية والاجتماعية نظرا لطبيعة المجلس. كما كان أحد المساهمين في تقرير الخمسينية من خلال تقرير حول النمو الاقتصادي في المغرب، ولا شك أن هذه التجارب ستعطيه آليات لممارسة معارضة تقنية (اقتصادية/اجتماعية) للحكومة، معارضة أقل سياسية وأكثر تقنوقراطية. ورهن الباحث في الاقتصاد السياسي نجاح بركة في تحقيق أهدافه من قيادة الحكومة وفرض نقاش اقتصادي اجتماعي على الرأي العام، بالمزاج العام في المغرب. مؤكدا أنه إذا بقي المزاج العام، الذي يتأثر ولا شك بما يجري في المحيط الاقليمي، متشبثا بإعطاء النقاش السياسي حول المؤسسات الأولوية، فإن مشروع نزار بركة ستعترضه تحديات كبيرة أهمها سيكون عجزه عن تصدر المشهد السياسي، وهو شيء إذا لم يتحقق سيفرض على بركة تغيير آلياته السياسية في الحزب. وزاد المتحدث ذاته أن حزب الاستقلال كان أيضا من بين الأحزاب، إن لم يكن الوحيد، الذي كانت لديه خلية من الاقتصاديين، حتى قبل أن يتم إعلان فشل النموذج التنموي الحالي، وكان سباقا لوضع مقترح نموذج تنموي، وهو يعرف أن النقاش الحكومي في المغرب، في السنوات القادمة، سيكون مركزا بشكل أكبر على الملفات الاقتصادية والاجتماعية أكثر منه على الملفات السياسية، ولذلك تجده يسارع الخطى لكي يؤهل نفسه قبل الأحزاب الأخرى لتحقيق تراكم في هذا المجال.