1. أكتب هذه الأسطر بعد المعاناة التي عشتُها رفقة مجموعة من المسافرين على متن حافلة فرح، القادمة من مدينة زاكورة والمتوجهة نحو مدينة الدارالبيضاء. هذه الحافلة التي كادت أن تقع في حادثة سير أفظع مما وقع لحافلة أهلاً وسهلاً. ففي ليلة يوم الإثنين 05 نونبر 2012، كنت قادما من مدينة زاكورة، بعد قضاء عطلة العيد مع الأهل، وبينما نحن في أعلى قمة من قمم جبال تشكا، كادت الحافلة أن تسقط في الحافة لولا لطف ورحمة من الله تعالى. ترددت في البداية، عن الكتابة في الموضوع، لكن تجرأت على الكتابة، لأن الأمر أرَّقَني، ولأن الأمر لم يعشه ولم يحس به إلا من كان في تلك الحافلة. فأحببت أن أنقل بعض ما عشناه وبعض معاناتنا حتى يعلم بها أكبر عدد من الناس. لعلي أنقل بذلك صورة ما وقع. صورة ذاك الرعب. لعل قارئ هذه الأسطر يستشعر حجم آلام ركاب تلك الحافلة، التي لن يتحدث عنها أحد، مادام أن الوضع لم يتأزم أكثر، وإن كانت المعاناة النفسية أصعب من أية معاناة. لو كنا في بلد آخر لاستحق ركاب هذه الحافلة التعويض عما لحقهم من رعب وما ذاقوه من مرارة. 2. كان الوقت ليلاً. حوالي الساعة الحادية عشرة ليلاً. لا تكاد تسمع صوتاً. الهدوء يعُمُّ المكان. لا صوت إلا صوت محرك الحافلة، يعلن عن غضبه من رداءة الطريق ويعبر عن سخطه من وعورة المنعرجات التي أنهكته. بين الفينة والأخرى تسمع أصوات منبهات عربات تذهب وتجيء. خارج الحافلة لا ترى إلا ليلاً بهيماً مخيفاً مرعباً. ليلٌ يغطُّ في الظلمات ويلتف بلون السواد المخيف. لا ترى سوى حُفرٍ عميقة. وأضواء العربات تلمع من بعيد كأنها تخرج من كهوف متداخلة، ثم تختفي لتظهر من جديد. أحيانا تتخيل نفسك معلقاً في السماء، وتنظر إلى جنباتك، حيث الحافة، وفي الأسفل ترى الأرض تبدو كأنها مخلوق قزم. المنعرجات مخيفة جدا. طريق تسير ذات اليمين وأخرى ذات الشمال. لكنها تسير في نفس الوجهة. أيها الليل البهيم كن لطيفا بهذه الأجساد المنهكة، التي لا تملك إلا أن تعترف لك بجبروتك. أيتها الحافة ابتعدي. ابتعدي. أيها الظلام كن معينا على إخفاء ما نحن فيه من مهالك. 3. وبينما الوضع على ما وصفت. حيث الهدوء وأجواء الرعب. والناس نيّام. وقع ما لم نرجو وقوعه. فجأة سُمع صوت زجاج يتكسر، وارتجت الحافلة أيما ارتجاج. تمايلت. وهيمن الرعب الحقيقي على كل الركاب. الكل صار واقفا ينتظر متى يموت. سمعت صوت الركاب وهم يصرخون. منهم من يطالب السائق بالتوقف ومنهم من يعبر عن سخطه مما وقع ومنهم من توجه إلى خالق الكون يستنجد ويطلب اللطف والأمان. لقد ارتطمت الحافلة بالجبل بعد مضايقة شاحنة لها وبسبب كثرة الضباب وتساقط الأمطار. ارتطمت الحافلة بالجبل فتكسر زجاحها جهة اليمين. لكن لحسن الحظ كانت سرعة الحافلة منخفضة جدا، وإلا سقطنا جميعا في الحافة. عندما ارتطمت الحافلة بالجبل كنت بين النوم واليقظة. فقمت مفزوعاً. كنت أتخيل أن الحافلة بدأت في السقوط في الحافة. كنت أنتظر متى تفقأ عيني. متى تكسر رجلي وعنقي. متى ينتشلني رجال الإطفاء من تحت حطام الحافلة، وقد صرت أجزاء مبعثرة. لقد كان لطف الله بنا عظيما. انطلق السائق بخطى السلحفاة وهو ينزل منعرجات تيشكا المتبقية، لكون الوقوف في ذاك المكان أمر خطير جدا. انطلق والناس يكادون يموتون من شدة البرد. وبدأ الكل يتساءل: ماذا وقع؟ لم يتوقف إلا بعد الوصول إلى تزليدة، حيث قام أشخاص هناك بوضع الخشب والبلاستيك مكان الزجاج، حتى يحموا الناس من قر البرد وتساقط الأمطار. 4. تقدمت الحافلة في الطريق وهي تسير ببطء. تعجبت كيف يستطيع هذا السائق المسكين أن يستمر في القيادة. أمر صعب حقًّا. ما أصعب تلك اللحظات التي يعيشها السائق. خلفه حوالي خمسون راكبا. وأعمارهم بعنقه. كنت قد أدَّيتُ إلى جانبه صلاة المغرب بأكدز قبل انطلاق الحافلة. فتخيلته يتوجه إلى رب السماء أن يعينه. فعلا لقد أعانه الله وإلا لما استطاع قيادة تلك الحافلة في تلك اللحظة وفي تلك الظروف الصعبة، بعدما تبين له أنه على مشارف الهلاك ومن معه. كم تمنيت لو كان معنا أحد المسؤولين في الحكومة. لو كان معنا وزير النقل. لو كان معنا رئيس الحكومة. ليعلموا معاناة أبناء الشعب مع الطريق، وهم في طريقهم لتأدية واجبهم الوطني. بقيت واقفا بعد الحادث. لكون الزجاج تساقط على المقعد ولم أجد مكانا للجلوس. لقد تبين لي أن استمرار طريق تيشكا على الحالة التي هو عليها، ضرب من الجنون. كنت أنظر إلى الخارج. وفي كل مرة يضغط فيها السائق على الفرامل، كنت أحسب أن الحافلة تتوجه نحو القاع. أصبح كل الركاب متوجسين خائفين. أبسط حركة من الحافلة تجعلهم في هلع. كنت أنظر إلى السيارات الأخرى، التي تبدو أضواؤها وهي تنعرج عبر هذه الطرق الملتوية فأتخيل أن كل هؤلاء السائقين الذين يقودون عرباتهم في هذا الوقت المتأخر من الليل وفي هذا المكان المخيف، ما هم إلا مجانين. لا يوجد مكان في الدنيا بمثل خطورة هذا المكان. ولكن ما ذنب هؤلاء. لو أنهم لم يجنحوا إلى المغامرة كيف سيصلون إلى مآربهم. وكيف يمكنهم السفر. ينطبق عليهم المثل القائل: مضطر أخوك لا بطل. 5. يتبدى بما لا يدع مجالا للشك أن مشروع إنجاز النفق الرابط بين مدينتي مراكش وورزازات أمر لا مقر منه. إنه مشروع مستعجل لا يجوز معه الانتظار. لم يعد مجرد مشروع بسيط، ولكنه رهان يجب التعجيل بإنجازه، خدمة للمواطن المغربي. كيف يعقل أن تستمر مثل هذه الطريق في القرن الواحد والعشرين؟ والأمر المحزن حقا أن تبقى كما تركها المستعمر الفرنسي. هذا الأمر لم يعد مقبولا. واحسرتاه. واحسرتاه. إن الرؤية التي تتعامل معها الحكومة مع مثل هذه المشاريع يجب أن يعاد فيها النظر. أعني تلك الرؤية التي ترى في المشاريع مدى الربح المادي الذي ستحققه. يجب أن تنجز المشاريع لا بالنظر إلى ما ستحققه من أرباح، ولكن بالنظر إلى مدى الخدمة التي ستقدمها للمغاربة أبناء الوطن. الحكومة التي لا تبذل قصارى مجهوداتها في سبيل إسعاد أبناء شعبها وتيسير سبل عيشهم لا تستحق أن ترتقي إلى مراتب الحكم. على سبيل الختم: كان هذا المقال خطابا موجها إلى كل غيور على هذا الوطن. أصف من خلاله ما وقع في حادثة مرعبة لم تذكر لأن الألطاف الإلهية تدخلت وحالت دون تفاقمها. مما جعلها مجرد حكاية لا تستحق حتى أن تذكر. لكن من جهة أخرى أريد التذكير بأن هذه الطريق يمكن أن تكون، في أية لحظة، مسرحاً لمجازر رهيبة، إذا استمرت على الوضع الذي هي عليه الآن. ولكي نستبق الوضع يجب الحزم والعزم على إنجاز طريق مريحة ومؤمنة. ولندع أسطوانة العامل البشري جانبا أمام مثل هذه الطرقات. لأن الإنسان معرض للخطأ في أية لحظة, ولكن ليس من المعقول عندما يخطئ أحد السائقين خطأ بسيطا أن تكون العواقب في مثل ما يمكن أن يقع في تيشكا. إذا كان مسؤولونا لا يستطيعون الدفاع عن مثل هذه المشاريع، التي من شأنها خدمة الوطن وإسعاد أبنائه، فالأحرى بهم أن يستقيلوا ويرحلوا، ويعترفوا للجميع بعجزهم. وأنهم لا يملكون سلطانا للدفاع عن مثل تلك المشاريع وغيرها. فيكون ذلك نبلاً منهم. ويمنحوا للمغاربة فرصة للتفكير فيما يجب عليهم فعله حقيقة. أستاذ باحث